عليلو يكتب: رسالة إلى المشارقة.. هناك تجربة إسلامية أخرى في المغرب

تتبعت منذ أيام قليلة الجزء الأول من حلقة حوار على قناة الحوار اللندنية، تناقش موضوع الإسلام السياسي “فشل أم تعثر”، أداره الصحفي المصري محمد ناصر وبمشاركة الدكتور محمد المختار الشنقيطي وجمال عبد الستار وآخرين.

وقد أثارني خلال النقاش الذي شهدته الحلقة، حصر موضوع النقاش في تجربة الإخوان المسلمين، وتضارب وجهات نظر المتحاورين في تقييم تجربتها، في حين تم تغييب تجربة أخرى، ومن أبرزها تجربة حزب العدالة والتنمية المغربي، رغم حضور الدكتور محمد المختار الشنقيطي- وهو الباحث المهتم بالحركة الإسلامية- القريب من المغاربة بحكم علاقاته وبحكم أصله الموريتاني، حيث يمثل بلده الحدود الجنوبية للمغرب، فهل هذا التجاهل مقصود؟ أم أنه يعكس جهلا بالخصوصية المغربية؟ أم أن الباحثين يعتبرون أن المغرب لم يعرف ربيعا؟ أم أنهم يختزلون “الإسلام السياسي” في جماعة الإخوان المسلمين، إذا نجحت في تجربتها السياسية حكمنا على جميع تيارات الإسلام السياسي بالنجاح، وإذا فشلت التجربة الإخوانية حكمنا على عموم تيار الاسلام السياسي بـ“الفشل”؟.

التجربة المغربية جديرة بالدراسة والتأمل لاعتبارين اثنين:

أولها: أنها تجربة عمرت لعقدين من الزمن، وقد قاد حزب العدالة والتنمية الحكومة المغربية لولايتين متتابعتين، الأولى برئاسة الأستاذ عبد الإله بنكيران، والثانية برئاسة الدكتور سعد الدين العثماني، إضافة إلى ترأس كبريات المدن المغربية والإشراف على تسييرها.

ثانيها: سلوك الدولة المغربية اتجاه إسلاميي المغرب، فقد وصلوا إلى السلطة عن طريق صناديق الاقتراع كما تم إخراجهم عن طريق صناديق الاقتراع.

أعتقد أن الكثيرين من الباحثين الإسلاميين، يعتقدون أن المغرب لم يعرف ربيعا عربيا، وهذا تقدير خاطئ، فالمغرب عاش ربيعه وفق الخصوصية المغربية، كما عرف ردته بالخصوصية المغربية أيضا، الكل يعلم كيف انطلقت حركة 20 فبراير مطالبة بالإصلاحات وبضرورة محاسبة رموز الفساد، وكيف تفاعل الملك محمد السادس مع هذه المطالب من خلال خطاب 9 مارس التاريخي، ودعوته الى إصلاحات دستورية، وإجراء انتخابات ديموقراطية، وكيف تفاعل حزب العدالة والتنمية مع حركة 20 فبراير، وما عبر عنه أمينه العام آنذاك عبد الإله بنكيران من رفضه مسايرة هذه الحركة لأن سقف مطالبها غير معروف، وما نتج عن ذلك من اطلاق مبادرة “نداء الإصلاح الديموقراطي”، والتي ضمت مكونات المشروع الإصلاحي  لحركة التوحيد والإصلاح وهيآته الشريكة والمتخصصة، وكان عنوانه “الطريق الثالث أو الإصلاح في ظل الاستقرار”.

إنني إذ ألفت الانتباه إلى هذه التجربة قصد الاستفادة منها، أشيرإلى أن المغرب عرف زيارات لوفود إسلامية مختلفة بعد نجاح حزب العدالة والتنمية في الانتخابات، وتشكيله أول حكومة بعد دستور 2011. وتحتاج هذه التجربة إلى دراسة وتقييم، ووقوف على جوانب نجاحها وفشلها حتى تعم الفائدة والعبرة والدرس.

وأعتقد أن ما اختصت به التجربة المغربية أمران كبيران:

الأول: الموقف الذي عبرت عنه أحد أبرز مكونات الحركة الإسلامية المغربية، حركة التوحيد والإصلاح، وحزب العدالة والتنمية، وهو المكون الذي ينتمي الى عائلة واحدة (بتعبير بنكيران)، والذي أكد على القيام بإصلاحات دستورية وسياسية، وتحقيق الانتقال الديموقراطي، والقطع مع رموز الفساد والاستبداد. وقد عبر عن ذلك من خلال بياناته وبلاغاته، ومهرجاناته الجماهيرية التي كانت تنظم باسم مكونات الإصلاح الديموقراطي، وقد عبر هذا المكون عن رفضه لأي مغامرة يمكن أن تؤدي إلى زعزعة استقرار المغرب ونظامه الملكي.

كما أن ممارسة الإسلاميين للسلطة وتعايشهم مع المؤسسة الملكية، بمنطق التعارف لا بمنطق الصراع، والقيام بإصلاحات اقتصادية واجتماعية، جرَّت على الحزب انتقادات، إضافة إلى إقدام الدولة المغربية على التطبيع مع الكيان الغاصب في ظل قيادة حزب العدالة والتنمية للحكومة.

الثاني: هو استيعاب الدولة المغربية وعلى رأسها ملك البلاد لهذا المكون الإسلامي من خلال عدة مؤشرات:

  • القبول بفوزهم في الانتخابات التشريعية الأولى والثانية بعد دستور 2011.
  • ترأسهم أغلب المدن الكبرى بالمملكة، القبول بإصلاحات.
  • القبول بإصلاحات جاء بها الإسلاميون، خصوصا ذات البعد الاجتماعي.
  • دمجهم في المنتظم الدولي.
  • تولي سعد الدين العثماني لوزارة الخارجية في الحكومة الأولى لعبد الاله بنكيران، وهي من وزارات السيادة.
  • تكليف بنكيران والعثماني بعده بتمثيل الملك في عدد من الملتقيات الدولية والمؤتمرات العالمية، وفي سياق ذلك بعث بنكيران إلى الولايات المتحدة الأمريكية، واستقبله الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما.

لا شك أن استمرار تجربة حزب العدالة والتنمية المغربي في قيادة العمل الحكومي لعشر سنوات لم تكن لتتحقق لولى الدعم والإسناد الذي كانت تتلقاه هذه التجربة من طرف المؤسسة الملكية رغم المصاعب والتحديات التي واجهتها، وحتى إخراجهم من السلطة لم يكن استئصاليا بالمرة، بل أعادهم الى نقطة البداية مع انتخابات 1997 حيث كان ممثلوهم بالبرلمان لا يتجاوز اثنى عشر برلمانيا.

تراجع حزب العدالة والتنمية من المرتبة الأولى الى المرتبة الأخيرة في البرلمان يجب أن يكون محل نقاش ودراسة، فهل جاء التراجع عن الصدارة بسبب مشاكله الداخلية؟ أم بسبب ضغوطات خارجية لم تعد تقبل وجود الإسلاميين في السلطة؟ أم بسبب انخراط المغرب في مسلسل التطبيع؟ أم بسبب تراجع شعبيته وفشل برامجه؟ أم بسبب استهدافه إعلاميا وإلكترونيا؟

عموما، أقول إن التجربة المغربية مختلفة تماما عن تجربة الإخوان والنهضة التونسية وغيرهما، ومطلوب ممن يهتم بالسلوك السياسي للإسلاميين أن يقترب منها ويستوعبها ويستوعب خصوصيتها وخصوصية النظام المغربي.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى