د. محمد لبراهمي يكتب تعليقا على الفرح بالإعلان عن ما يسمى “الحركة من أجل الاستقلال بمنطقة القبايل”

أعلن فرحات مهني رئيس ما يسمى “الحركة من أجل استقلال منطقة القبائل المعروفة اختصارا بـ “ماك”، أمام مقر الأمم المتحدة بالولايات المتحدة الأمريكية قيام ما يسمى “دولة جمهورية القبائل الديمقراطية وعاصمتها تيزي وزو”، وقد قوبلت هذه الخطوة بإشادة بعض النشطاء المحسوبين على فعاليات مدنية مغربية، حيث ثمنت لجنة مكونة من فعاليات جمعوية أمازيغية بمدينة أگادير هذا الموقف، وعبرت عن دعمها لهذه الخطوة، معتبرة أن هذا الإعلان ينسجم مع حق الشعوب في تقرير مصيرها الاجتماعي والسياسي والثقافي، تنضاف إلى حملات وحملات مضادة في كل مناسبة رياضية أو سياسية أو ثقافية.. لتوتير الأجواء وإشعال نار الفتنة بين المغاربة وأشقائهم الجزائريين.

وهو حدث، وإن كان لا يعبر عن الموقف الرسمي المغربي ولا عن غالبية المغاربة، يقتضي قراءة موضوعية تراعي الثوابت المرجعية للشعب المغربي، والمصالح الاستراتيجية للدولة المغربية ومواقفها التاريخية، والمنطلقات التي تمتاز بها في علاقاتها الخارجية، وسياساتها الخاصة بالنزاعات الداخلية للدول، والتجاذبات الإقليمية، وهذه القراءة نجملها في ملاحظات ثلاث:

الملاحظة الأول: وحدة الدول مقتضى شرعي، وواقع مجتمعي، واختيار سياسي للدولة، تثبته الحقائق التاريخية والروابط الاجتماعية بين الشعوب، وتؤكده الأحداث الجارية، كإجماع الشعوب على الانحياز لقضايا الأمة، وفي مقدمتها قضية فلسطين، وبعض الأحداث الماضية، كالمؤازرة المنقطعة النظير للمنتخب المغربي من كل الشعوب العربية والإسلامية، وفي مقدمتها الشعب الجزائري، وهو ما يعري الحملات المغرضة والمعزولة والشاذة والمشبوهة، والتي أكدت دراسات علمية صنعت افتراضيا في مطابخ الكيان الصهيوني لزرع بذور الشقاق والنزاع والضغينة بين الشعوب، واستغلال نقاط الخلاف بينهم لإذكائها والنفخ فيها واستدامتها، وهو ما يتعارض مع سياسة اليد الممدودة وحسن الجوار للشعب المغربي وللدولة المغربية، التي ما فتئت تنحاز لوحدة الدول، وتعارض الكيانات الناشئة من رحمها، والمتطلعة للانفصال عنها، وتعبر عن موقف مناهض لها، كما يتعارض مع منطلقاتنا المرجعية وثوابتنا الشرعية الداعية للوحدة ونبذ الفرقة، منها قوله تعالى “وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا” آل عمران 103، وقوله صلى الله عليه وسلم ” المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً” متفق عليه.

الملاحظة الثانية: التناقض الظاهر للمواقف الداعمة للانفصال في دول الجوار، والرافضة له في الوطن، إذ الموقف المبدئي لا يتجزأ، ولا يتناقض، فإما أن هؤلاء ينافقون في الموقف المنحاز للكيان الأمازيغي الموهوم في الجزائر، أو أنهم يضمرون انفصالا في المستقبل، وانحيازا لمنطق التجزئية وتشكيل كيانات من منطلقات ومرجعيات عرقية، ما يفرض موقفا حاسما من مثل هذه الدعوات التي لا تخدم القضية الوطنية، وتتماهى مع الأطروحة الانفصالية ببلادنا ومن يدعمها من حكام الجزائر وبعض نخبها، وتقدم دول المنطقة على طبق من ذهب لدعاة الفتنة والتجزئة والتحكم، من خلال إذكاء النزاع بين شعوبها وأنظمتها، والإسهام في تفكيكها، ويسهل التحكم في قراراتها وسياساتها ومواقفها، واستغلال خيراتها ومواردها.

الملاحظة الثالثة: التأكيد على مواقف الدولة المغربية الثابتة المعلنة والمنحازة لخيار وحدة الدول والشعوب، والتي ترجمها عدم احتضان مثل هذه الكيانات المشبوهة، وهو ما لم نلحظه للأسف الشديد من النظام الجزائري الذي قام بتوفير مقر لاحتضان ما يُسمى “الحزب الريفي الوطني” داخل الجزائر العاصمة، أو ودعمه المستمر لجبهة البوليساريو الانفصالية وجمهوريتها الوهمية وفي تبنيه وسعيه الدائم ضدا على وحدة المغرب الترابية على أقاليمه الجنوبية العزيزة.

إن المغرب كان ومازال قويا في موقفه من التجزئة والانفصال باعتبار الوحدة مقصد شرعي وضرورة حضارية وتنموية للمنطقة، ولا يمكن للمغاربة أن يسقطوا فيما ينهون عنه، بل من المفترض أن تكون مثل هذه الخطوات الانقسامية في الجزائر فرصة لحكامها ونخبها لمراجعة موقفهم من دعم انفصال الصحراء المغربية والنأي عن خطابات الاستهداف والتهييج وإثارة النزاعات والفتن في المنطقة والتي لا تخدم مصالح الشعبين الشقيقين، دون نسيان أن التجزئة والصهينة وجهان لعملة واحدة ولدا في رحم الاستعمار واستمرا برعايته ودعمه.

لقد قام المغرب الرسمي والشعبي عبر التاريخ بالانحياز للقضايا العادلة للشعوب العربية والإسلامية، وتبنى نهج الوحدة والتعاون بدل النزاع والشقاق، وقدم يد العون والدعم للشعوب الشقيقة للتحرر، وساهم في وحدتها، وسعى في ضمان استقرارها، لأنه يعي أن تماسك الدول والشعوب في وحدتها لا في تفككها، وفي تعاونها لا في نزاعها. وعليه وجب التحذير من هذه الدعاوى الشاذة، والانتباه إلى تداعيات مثل هذه المواقف المشبوهة، الشاردة عن الإجماع الوطني للشعب المغربي والدولة المغربية، لما لها من آثار وخيمة على وحدة المغرب واستقراره قبل وحدة الجيران الأشقاء واستقرارهم.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى