القانون الإطار للتربية وتحديات التنزيل – عبد الرحيم مفكير

صادق المجلس الوزاري، يوم الاثنين 20 غشت، على القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين، وهو القانون، الذي أعطى ملك البلاد توجيهاته إلى الحكومة في 20 من ماي سنةَ 2015 من أجل: “صياغة الإصلاح في إطار تعاقدي وطني ملزم، من خلال اعتماد قانون-إطار يحدد الرؤية على المدى البعيد”.

ويأتي هذا القانون في سياق يتسم بالرغبة من كل الفاعلين من أجل تجاوز معضلة التعليم. مما يؤكد أن معضلة  إصلاح المنظومة التربوية ببلادنا تشكل التحدي الأكبر والرهان الأساسي لبلوغ التنمية الاقتصادية و الاجتماعية المنشودة، على اعتبار أن إصلاح قطاع التربية و التعليم هو بالأساس  استثمار في الرأسمال البشري، الذي يشكل الثروة الوطنية الإستراتيجية لمواجهة تحديات العولمة و التنافسية، والسباق نحو امتلاك الخبرات و العلوم  والتقنيات، باعتبارها النواة الصلبة لتأسيس مجتمع العلم والمعرفة، و المدخل الأساسي للرقي ببلادنا إلى مصاف المجتمعات المتقدمة.وقد عرف القطاع عدة محاولات للإصلاح، بدء بمختلف المساعي الإصلاحية التي بذلت منذ الاستقلال، مرورا بتشكيل اللجنة الخاصة للتربية والتكوين وإعداد الميثاق الوطني للتربية والتكوين (1999)، وانتهاء بتنزيل البرنامج الاستعجالي (2009-2012)؛ فإن كل هذه المجهودات لم تمكن من تحقيق النتائج المرجوة والمتمثلة أساسا في إرساء منظومة تعليمية وطنية ذات جودة.

 فتاريخ المنظومة التربوية المغربية هو تاريخ الإصلاحات بامتياز، وفي نفس الوقت تاريخ  صعوبات وإكراهات تنزيلها على أرض الواقع، حيث أن كل الإصلاحات  المتعاقبة على المنظومة التربوية  المغربية باءت بالفشل، نظرا لكونها لم تبلغ، لا القصد من بلورتها، ولا الهدف من إعدادها. وهنا تتعدد الأسئلة و تتشعب الإجابات: لماذا فشلت الإصلاحات التربوية السابقة ؟  لماذا لم تحقق الأهداف المسطرة ولم تبلغ النتائج المرجوة ؟ وما هي أهم مداخل الإصلاح التربوي المنشود؟ وتطرح بالتالي: هل سيخرج القانون الإطار تعليمنا من عنق الزجاجة ويحقق التنمية المنشودة.؟ وهل احترم هذا القانون الرؤية الاستراتيجية ومخرجاتها أم تجاوزها ونقض غزلها وأجهز على المكتسبات ومضامين ميثاق التربية والتكوين؟

المجلس الأعلى يشخص واقع مهن التربية:

كشف تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي حول “الارتقاء بمهن التربية والتكوين والبحث العلمي” أن منظومة التربية والتكوين تعرف صعوبات وإشكاليات بنيوية ناتجة عن تراكم عدة اختلالات شابت تدابير المهن التربوية، من بينها اختلالات تهم رصد الحاجات والتوقعات من الخصاص في الأطر التربوية. وأشار التقرير أن الحاجات المستقبلية من المدرسين حسب معطيات قطاع التربية الوطنية، ستصل إجمالا في الفترة بين 2017 و 2030 إلى ما يزيد عن 124 ألفا و 500 مدرسة ومدرسا بشكل متفاوت حسب الأسلاك والسنوات، فيما ستصل حالات التقاعد في الفترة ذاتها إلى 73 ألفا و 500 مدرسة ومدرسا، ما يُبين أن ثلث الهيئة الحالية سيتجدد في أفق 2030 ، وإذا أضيفت إلى ذلك عدد الإحالات على التقاعد النسبي التي ينتظر أن يعرفها التعليم المدرسي خلال هذه الفترة، فإن نسبة التجديد مرشحة لتصل إلى نصف الهيئة الحالية. كما توقف التقرير، الذي أعد بشراكة بين اللجنة الدائمة  لمهن التعليم والتكوين والتدبير وبين قطب الدراسات والبحث،عند الضعف في ملاءمة المواصفات المهنية للفاعلين التربويين والنقص المتزايد في التأطير المهني للفاعلين والفاعلات، وضعف تحصين المهن التربوية من بعض الظواهر ذات  الصلة بالتنظيم المؤسساتي أو المخلة بنبل المهن التربوية وقدسية الفضاء المدرسي.

وانتقد التوظيف بالعقدة، ومن بين الإشكاليات الآخذة في التطور، وبوتيرة سريعة، العنف المتنامي ضد هيأة التدريس، بمختلف أنواعه، اللفظي والمادي والرمزي، وعدم الاحترام واللامبالاة بالدروس، التي عزاها التقرير إلى تشتت العناصر القيمية المرتبطة بمهن التربية والتكوين وتدني الصورة القيمية والمكانة الاعتبارية للفاعل التربوي لدى المجتمع وشيوع تمثلات وأحكام تضعف الثقة في المدرسة والهيأة المهنية العاملة بها.

ولم تنج المؤسسة التعليمية بدورها من فحص مجلس عزيمان، الذي وقف في تقريره على أهم المشاكل التي تعانيها، أساسا، سوء التدبير الذي يطبع انتشار الموارد البشرية داخل المنظومة التربوية ويجعل الجهة ذاتها تعاني خصاصا مهولا في بعض المؤسسات وتسجل فائضا كبيرا في مؤسسات أخرى، تعزز الاختلالات التي تسود تنظيم الحركة الانتقالية وتغيير الإطار، ما يؤثر سلبا على الاستقرار والرضى المهنيين.كما سجل التقرير اختلالات تتعلق بالمؤسسة، وعلى رأسها هيمنة التدبير الممركز، والتوزيع الجغرافي اللامتكافئ للموارد البشرية، فضلا عن اختلالات تتعلق بتقييم الفاعلين ومن أهم تجلياتها الافتقار لمعايير موحدة ودقيقة، وغلَبة المراقبة التربوية وعدم انتظامها، وربطها بالترقية. 

من هذا المنطلق اقترح التقرير إطارا استراتيجيا للارتقاء  بمهن التربية والتكوين والبحث والتدبير، يقوم على ثلاثة مرتكزات اعتبرها المجلس مجالات متداخلة لإطلاق دينامية التغيير، وتهم المهننة كشرط لازم لتأهيل الفاعلين التربويين وفق مواصفات وأدوار وقيم مهنية تستجيب لمتطلبات الجودة  وانتظارات المجتمع، فيما يهم المرتكز الثاني، المؤسسة التربوية القائمة على الاستقلالية وثقافة المشروع والتكامل الوظيفي بين المهن وتنمية الحياة المهنية، ويقوم المرتكز الثالث على التقييم المندمج متعدد الصيغ والأساليب لأداء الفاعلين التربويين  ومردودية المؤسسات التربية والتكوين، على اعتبار أن التقييم المنظم والمنتظم للعمل والأداء التربويين في مختلف المهن، منطلقا أساسيا لترسيخ الوعي بمسؤولياتهم المهنية، وتأهيلهم المستمر والتمكين من التتبع المثمر للفعل التربوي داخل المؤسسة، ولأجل الارتقاء بوظائف هذا التقييم المندمج. كما أوصى التقرير، على مستوى التفعيل، بتسطير خطة عمل تمتد على المدى القصير أو المتوسط يتم تخصيصها للتدابير ذات الأولوية، وإطلاق برنامج لتأهيل الفاعلين  التربويين المزاولين حاليتا بالقطاعين العام والخاص، بحسب خصوصيات كل قطاع من قطاعات التربية والتكوين. والعمل على استكمال سد الخصاص من الفاعلين التربويين وتدبير أنجع للموارد البشرية المتوافرة محليا وجهويا

استراتيجية الحكومة في إصلاح المنظومة:

رصدت الحكومة الحالية مبالغ مهمة من أجل النهوض بالمنظومة بعد اعترافها بفشل كل المخططات السابقة منذ الاستقلال إلى اليوم ، وأكدت أنه بالرغم من أهمية الموارد المالية المخصصة لقطاع التعليم والتكوين، والتي تشكل ما يناهز  6 % من الناتج الداخلي الإجمالي (تم رصد، برسم قانون المالية لسنة 2018، مبلغ 59,2 مليار درهم للتربية والتكوين أي بزيادة 5 مليار درهم مقارنة بميزانية 2017)، فإن هذا القطاع لازال يواجه تحديات عديدة، لعل أهمها ما يتعلق بالجودة والمردودية، والتي تبقى دون المستوى المطلوب مقارنة مع دول أخرى ذات مستوى دخل ومجهود ميزانياتي مثل بلادنا أو أقل منه.

وقد أجمعت مختلف الدراسات والتقارير التحليلية على هذا التشخيص، ولعل أحدثها الدراسة التحليلية المستفيضة والمعمقة للإكراهات التي تعيق النمو الاقتصادي بالمغرب، التي أنجزها البنك الإفريقي للتنمية في سنة 2015 بطلب من الحكومة وبتعاون مع هيئة تحدي الألفية الأمريكية، والتي كشفت أن ضعف الرأسمال البشري وعدم ملاءمته لاحتياجات المقاولات يشكل إحدى الإكراهات الرئيسية التي يتعين معالجتها لتحقيق نمو شامل والحد من الفقر والفوارق.

 ومن هذا المنطلق، فقد جعلت الحكومة في صميم أولوياتها مسألة التنزيل الفعلي والعملي والمتجانس للرؤية الاستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي 2015-2030 “من أجل إرساء مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء”، ومن هنا جاءت راهنية ترجمة مضامين هذه الرؤية الاستراتيجية، التي توافقت عليها مختلف مكونات المجلس، في مشروع القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي. والذي تمت صياغته تنفيذا للتعليمات الملكية الذي دعت الحكومة إلى “صياغة هذا الإصلاح في إطار تعاقدي وطني ملزم، من خلال اعتماد قانون-إطار يحدد الرؤية على المدى البعيد. وقد حددت أهدافه واختياراته الاستراتيجية. وركز  المخطط التنفيذي لقطاع التربية الوطنية للفترة 2017-2021 على جملة من الأولويات التي يتوخى منها رد الاعتبار للمدرسة المغربية العمومية.

وأكدت الاستراتيجية أن إصلاح المنظومة الوطنية للتربية والتكوين والبحث العلمي، يعتبر أحد التحديات الكبرى لبلادنا، وإصلاحه رهين بالتقاء إرادات مختلف مكونات هذه المنظومة وانخراط كافة القوى الحية للأمة في إنجاح هذا الإصلاح وتحقيق أهدافه، باعتباره مسؤولية مشتركة بين الدولة والأسرة وهيئات المجتمع المدني والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين وغيرهم.

القانون الإطار:

الأهداف :

تتلخص أهداف مشروع القانون، الذي صادق عليه المجلس الوزاري، في تحديد المبادئ والأهداف الأساسية لسياسة الدولة، واختياراتها الاستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي، على أساس تحقيق الإنصاف وتكافؤ الفرص، والجودة، والارتقاء بالفرد والمجتمع، ووضع قواعد إطار تعاقدي وطني ملزم للدولة وباقي الفاعلين والشركاء المعنيين.

ويعد هذا القانون تحويلا للاختيارات الكبرى “الاستراتيجية الإصلاح 2015-2030” إلى تعاقد وطني يلزم الجميع، ويلتزم الجميع بتفعيل مقتضياته. جوهر هذا التعاقد هو إرساء مدرسة جديدة مفتوحة أمام الجميع، تهدف إلى تأهيل الرأسمال البشري، وتستند على ركيزتَي المساواة وتكافؤ الفرص من جهة، والجودة للجميع من جهة أخرى، بغية الارتقاء بالفرد وتقدم المجتمع.

وينص مشروع القانون على أن تحقيق المساواة وتكافؤ الفرص يستوجبان الاستناد على مجموعة من الرافعات، أهمها تعميم تعليم دامج وتضامني لفائدة جميع الأطفال دون تمييز، وجعل التعليم الأولي إلزاميا بالنسبة إلى الدولة والأسر، وتمكين الأطفال من تمييز إيجابي في المناطق القروية وشبه الحضرية، فضلا عن المناطق التي تشكو العجزَ أو الخصاص، وتأمين الحق في الولوج إلى التربية والتعليم والتكوين لفائدة الأطفال في وضعية إعاقة أو في وضعية خاصة، ومكافحة الهدر المدرسي والقضاء على الأمية.

ويعتبر مشروع القانون الإطار إلزامية التعليم حقا للطفل، وواجبا على الدولة والأسرة، هادفا إلى تمكين المتعلم من إتقان اللغتين الرسميتين، العربية والأمازيغية، واللغات الأجنبية الأكثر تداولا بهدف تنمية قدراته على التواصل، وانفتاحه على مختلف الثقافات، وتحقيق النجاح الدراسي المطلوب.

ومن بين الأهداف، التي ينص عليها مشروع القانون، تزويد المجتمع بالكفاءات والنخب من العلماء والمفكرين والمثقفين والأطر والعاملين المؤهلين للإسهام في البناء المتواصل للوطن على جميع المستويات، من خلال الإسهام في تكوينهم وتأهيلهم ورعايتهم، والتشجيع والتحفيز على قيم النبوغ والتميز والابتكار في مختلف مستويات منظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي ومكوناتها، من خلال تنمية القدرات الذاتية للمتعلمين، وصقل حسهم النقدي، وتفعيل ذكائهم، وإتاحة الفرص أمامهم للإبداع والابتكار، وتمكينهم من الانخراط في مجتمع المعرفة والتواصل.

ومن أهداف مشروع القانون، أيضا، محاربة الهدر والانقطاع المدرسيين بكل الوسائل المتاحة، وإعادة إدماج المتعلمين المنقطعين عن الدراسة في أحد مكونات منظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي أو إعدادهم للاندماج المهني، وتوسيع نطاق تطبيق أنظمة التغطية الاجتماعية لفائدة المتعلمين من ذوي الاحتياج قصد تمكينهم من الاستفادة من خدمات اجتماعية تساعدهم وتحفزهم على متابعة دراستهم في ظروف مناسبة وملائمة.

كما نص مشروع القانون المتعلق بمنظومة التربية والتكوين المصادق عليه على واجب الدولة في العمل على إقامة وتطوير مراكز الدعم النفسي والوساطة بمؤسسات التربية والتعليم والتكوين، وتزويدها بالأطر المتخصصة والكافية وتعميمها على الصعيد الوطني خلال أجل لا يتعدى ثلاث سنوات، ووضع برامج للتحسيس والتحفيز والمواكبة السوسيولوجية للمتعلمين من أجل الحيلولة دون انقطاعهم عن الدراسة. وتضمن مجموعة من النصوص القانونية من أهمها: مرسوم يصادق على الدلائل المرجعية للوظائف والكفاءات (المادة 34)؛ ونص تنظيمي حول تحديد ومراجعة رسوم التسجيل والدراسة والتأمين والخدمات ذات الصلة بمؤسسات التربية والتعليم والتكوين الخاصة (المادة 11)؛نص تنظيمي يحدث بموجبه مجلس وطني للبحث العلمي (المادة 13)؛نص تنظيمي يحدد شروط وكيفيات حركية المتعلم (المادة 15)؛نص تنظيمي حول إحداث وتنظيم شبكات التربية والتكوين والتعليم (المادة 15)؛نص تنظيمي حول إحداث مرصد للملاءمة بين المهن والتكوينات الجديدة وحاجات سوق الشغل(المادة 15)؛نص تنظيمي حول إحداث الآليات الخاصة بالتنسيق المشار إليها في المادة 15(المادة 15)؛نص تنظيمي يحدد تأليف اللجنة الدائمة الواردة في المادة 25، ومجموعات العمل المحدثة لديها وفق المادة 26 (المادة 26)؛نصوص تنظيمية تحدد تطبيقات الهندسة اللغوية على صعيد كل مستوى من مستويات المنظومة (ستة نصوص بمعدل نص تنظيمي لكل مستوى) (المادة 28)؛تنظيمي يصادق على الإطار الوطني المرجعي للإشهاد والتصديق (المادة 32)؛نص تنظيمي يحدد شروط وكيفيات إقرار رسوم التسجيل بمؤسسات التعليم العالي والتأهيلي (المادة 45)؛نص تنظيمي يحدد مهام اللجان المحدثة لدى السلطات الحكومية المكلفة بالتربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي والمكلفة بتتبع نتائج عمليات التقييمات المنجزة، واقتراح التدابير اللازم اتخاذها لتصحيح الاختلالات عند الاقتضاء، وتطوير أداء المنظومة في ضوء نتائج عمليات التقييم المذكورة، وكذا تنظيم هذه اللجان وكيفية سيرها (المادة 54)؛نص تنظيمي يحدد تأليف اللجنة الوطنية المحدثة لدى رئيس الحكومة لتتبع ومواكبة إصلاح منظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي، وتنظيمها وكيفيات سيرها.

بقد تضمن المشروع إصدار مرسوم واحد، وسبعة عشر نصا تنظيميا، ناهيك عن النصوص التشريعية والتنظيمية التي ستنسخ أو تعوض أو تعدل النصوص الجاري بها العمل قبل دخول القانون حيز التنفيذ، مما يشكل ورشا يتطلب وقتا كبيرا لإنجازه بالنظر لإيقاع إنتاج النصوص القانونية ببلادنا

وبالنسبة للبنيات المحدثة تبعا لمقتضيات المشروع فهي متعددة وعلى الشكل التالي:مجلس وطني للبحث العلمي (المادة 13)؛مرصد للملاءمة بين المهن والتكوينات الجديدة وحاجات سوق الشغل(المادة 15)؛شبكات للتربية والتعليم والتكوين على الصعيدين المحلي والجهوي، للربط بين مكونات المنظومة ومستوياتها (المادة 15)؛لجنة دائمة تعنى بالتجديد والملاءمة المستمرين لمناهج وبرامج وتكوينات مختلف مكونات المنظومة (المادة 25)؛مجموعات عمل  لمساعدة اللجنة الدائمة لتجديد وملاءمة المناهج والبرامج، والمحدثة بموجب المادة 26 (المادة 26)هيئة وطنية لوضع إطار وطني مرجعي للإشهاد والتصديق (المادة 32)؛لجان وزارية تحدث لدى السلطات الحكومية المكلفة بالتربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي والمكلفة بتتبع نتائج عمليات التقييمات المنجزة، واقتراح التدابير اللازم اتخاذها لتصحيح الاختلالات عند الاقتضاء، وتطوير أداء المنظومة في ضوء نتائج عمليات التقييم المذكورة (المادة 54)؛اللجنة الوطنية المحدثة لدى رئيس الحكومة لتتبع ومواكبة إصلاح منظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي (المادة 55).

وخص المشروع المجلس الأعلى للتربية والتكوين بمكانة كبيرة في بلورة مضامينه وتنزيل مقتضياته كهيئة دستورية مكلفة بتحديد التوجهات الكبرى للمنظومة. وهكذا أناط به مهمة إبداء الرأي في ما يلي:المخطط متعدد السنوات حول إعادة هيكلة التعليم العالي (المادة 9)؛ميثاق المتعلم” (المادة 23)؛نظام التقييم والاعتماد والمصادقة (المادة 25)؛الدلائل المرجعية للمناهج والبرامج والتكوينات (المادة 27)؛النصوص التنظيمية الخاصة بتحديد تطبيقات الهندسة اللغوية على صعيد كل مستوى من مستويات المنظومة (المادة 28)؛الدلائل المرجعية التي تحدد المبادئ الأساسية والمعايير الواجب مراعاتها في عملية والتوجيه والإرشاد والإعلام (المادة 31)؛الميثاق التعاقدي لأخلاقيات مهن التربية والتعليم والتكوين والبحث (المادة 33)

كما خص المشروع المجلس الأعلى للتربية بإعداد الدلائل المرجعية للوظائف والكفاءات (المادة 34)، وكذا إعداد دلائل مرجعية لمعايير الجودة حسب كل مكون من مكونات المنظومة ومستوياتها (المادة 51). بالإضافة إلى إنجاز تقييم خارجي للمنظومة وفق برمجة سنوية ومتعددة السنوات (المادة 52).

مرتكزات القانون –الإطار:

  • إرساء مبدأ مدرسة جديدة مفتوحة أمام الجميع، كرافعة لتأهيل الرأسمال البشري: من خلال العمل على إدماج التعليم الأولي، بطريقة تدريجية، في التعليم الابتدائي.
  •  ضمان تعليم جيد للجميع: عبر وضع نموذج بيداغوجي جديد يكفل تطوير قدرات المتعلم، وتحفيزه على الحس النقدي والإبداع، والتشبث والاعتزاز بالرموز الوطنية، والتربية على المواطنة والقيم الكونية وروح المبادرة؛ واعتماد هندسة لغوية تقوم على التعددية والتناوب اللغوي، . بالإضافة إلى مد المزيد من الممرات والجسور بين التعليم العام والتكوين المهني، مع اعتماد التوجيه المبكر منذ السلك الثانوي -الإعدادي.
  • اعتماد نموذج جديد للحكامة يقوم على التعاقد والمسؤولية، وتبسيط المساطر، وعلى المهنية والارتقاء بقدرات الموارد البشرية التعليمية؛ وإدماج التكنولوجيات الحديثة للاتصال في تدبير كل مكونات المنظومة التربوية.
  • اعتماد نظام لتمويل منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، يقوم على مبادئ التضامن الوطني، ومساهمة مختلف الشركاء في هذه العملية، مع الحرص على ضمان التعليم للجميع في شقه الإجباري.
  • وضع آليات للتقييم والمتابعة، من أجل تصحيح الاختلالات، وضمان المواكبة المستمرة لتفعيل الإصلاح.

اللغة العربية والتناوب اللغوي:

اعتمد القانون اللغة العربية لغة أساسية للتدريس، مع تطوير وضع اللغة الأمازيغية في المدرسة ضمن إطار عمل وطني واضح ومتناغم مع أحكام الدستور، باعتبارها لغة رسمية للدولة، ورصيدا مشتركا لجميع المغاربة دون استثناء.ويهدف مشروع القانون إلى إرساء تعددية لغوية بكيفية تدريجية ومتوازنة، تروم جعل المتعلم الحاصل على الباكالوريا متمكنا من اللغة العربية، وقادرا على التواصل بالأمازيغية، ومُتقنا لغتين أجنبيتين على الأقل.ويتعين على المؤسسات التربوية العاملة بالمغرب الالتزام بتدريس اللغة العربية لكل الأطفال المغاربة، الذين يتابعون تعليمهم بها. وينص مشروع القانون، الذي صُودق عليه، على العمل على تمكين المتعلمين من اللغات الأجنبية في سن مبكرة، من أجل تملكهم الوظيفي لهذه اللغات طيلة مسارهم الدراسي في أجل أقصاه ست سنوات من دخوله حيز النفاذ.ويدرج التكوين باللغة الإنجليزية في تخصصات وشعب التكوين المهني، إلى جانب اللغات المعتمدة في التكوين، والاعتماد المبكر على التوجيه والإرشاد في الميادين التي يمكن فيها للمتعلمين إحراز التقدم المدرسي والمهني والجامعي الملائم لميولهم وقدراتهم.

ويعرَّف التناوب اللغوي بكونه مقاربة بيداغوجية وخيارا تربويا يستثمر في التعليم المزدوج أو متعدد اللغات، بهدف تنويع لغات التدريس، عن طريق تعليم بعض المضامين أو المجزوءات في بعض المواد باللغات الأجنبية قصد تحسين التحصيل الدراسي بها.

السلوك المدني وتكافؤ الفرص:

يعني السلوك المدني التشبث بالثوابت الدستورية للأمة، والاحترام التام لرموزها وقيمها الحضارية المنفتحة، والتمسك بالهوية بشتى روافدها، والاعتزاز بالانتماء إلى الأمة، وإدراك الواجبات والحقوق، والتحلي بفضيلة الاجتهاد المثمر وروح المبادرة، والوعي بالالتزامات الوطنية، والمسؤوليات تجاه الذات والأسرة والمجتمع، والتشبع بقيم التسامح والتضامن والتعايش.

ويعرّف الإنصاف وتكافؤ الفرص بكونه ضمان الحق في الولوج المعمم إلى مؤسسات التربية والتعليم والتكوين عبر توفير مقعد بيداغوجي للجميع بمواصفات الجودة ذاتها، والنجاعة دون أي شكل من أشكال التمييز. وتعني الجودة، حسب القانون الإطار، تمكين المتعلم من تحقيق كامل إمكاناته عبر أفضل تملك للكفايات المعرفية والتواصلية والعملية والعاطفية والوجدانية والإبداعية.

كما ترد في مشروع القانون الذي صودق عليه مفاهيم مثل مشروع المؤسسة، التي تعرّف بأنها الإطار المنهجي الموجّه إلى مجهودات جميع الفاعلين التربويين والشركاء، باعتباره الآلية العملية الضرورية لتنظيم وتفعيل مختلف العمليات التدبيرية والتربوية، التي تهدف إلى تحسين جودة التعلمات لجميع المتعلمين. كما نجد مصطلحات مثل التعلم مدى الحياة، التي تعرَّف بكونها كل نشاط يتم في أي لحظة من لحظات الحياة بهدف تطوير المعارف أو المهارات أو القدرات أو الكفايات في إطار مشروع شخصي أو مهني أو مجتمعي.

القانون الإطار انتقادات وتخوفات مشروعة:

إن من إيجابيات هذا المشروع أنه مهد لمرحلة الـتأسيس القانوني المتسم بطابع الإلزام وعدم ترك القطاع ضحية خيارات المتعاقبين على تسييره وميزاجيتهم ونسخ كل المجهودات السابقة مهما كانت نجاعتها وفعاليتها. كما أنه حسب مشروع القانون، سيعمل على إعادة تنظيم التعليم المدرسي، الذي يشمل التعليم الأولي والتعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي التأهيلي، عن طريق فتح التعليم الأولي في وجه جميع الأطفال، الذين تتراوح أعمارهم بين أربع وست سنوات، ودمجه تدريجيا في التعليم الابتدائي في أجل أقصاه ثلاث سنوات، ليشكلا معا “سلك التعليم الابتدائي”. إضافة إلى ربط التعليم الابتدائي بالتعليم الإعدادي في إطار “سلك التعليم الإلزامي”. ويفرض على مؤسسات التربية والتعليم والتكوين، التابعة للقطاع الخاص، التقيد بمبادئ المرفق العمومي في تقديم خدماتها، والإسهام في توفير التربية والتعليم والتكوين لأبناء الأسر المعوزة، والأشخاص في وضعية إعاقة، والموجودين في وضعية خاصة. وتلتزم هذه المؤسسات بتوفير حاجاتها من الأطر التربوية والإدارية المؤهلة في أجل لا يتعدى ست سنوات، مع وضع نظام جبائي تحفيزي يمكّن هذه المؤسسات من المساهمة في مجهود تعميم التعليم الإلزامي، وتحقيق أهداف التربية غير النظامية وبرامج محاربة الأمية، لا سيما في المجال القروي، وشبه الحضري، والمناطق ذات الخصاص.

يحاول القانون الإطار مثل المشاريع السابقة بعث الأمل في إصلاح منظومتنا التربوية بمعالجة اتسمت بالتقنية وعدم الوضوح في بعض الخيارات ومن أهمها الحسم في المسألة اللغوية ونوع المواطن الذي نطمح لتكوينه وإعداده لمواجهة التحديات.ولم يسلم هذا المشروع من انتقادات وتخوفات المهتمين بالشأن التربوي والتعليمي ببلدنا. وبالرغم من اعتماده ميثاق التربية والتكوين باعتباره إطارا مرجعيا للإصلاح، إلا أن التشخيص الدقيق لمكامن القوة والضعف والتوصيف الجيد للاختلالات سيربك التنزيل الفعال والنجاعة والحكامة الجيدة.

إن من أهم النقط التي أثارت جدلا ونقاشا مسألة المجانية حيث ينص صراحة في الباب الثامن الخاص بتمويل منظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي، في المادة 42 على “تفعيل التضامن الوطني والقطاعي، من خلال مساهمة جميع الأطراف والشركاء المعنيين، وخصوصا منهم الأسر الميسورة والجماعات الترابية والمؤسسات والمقاولات العمومية والقطاع الخاص”، وفي المادة 45 على “إقرار مبدأ المساهمة في تمويل التعليم العالي بصفة تدريجية، من خلال إقرار رسوم للتسجيل بمؤسسات التعليم العالي في مرحلة أولى وبمؤسسات التعليم الثانوي التأهيلي في مرحلة ثانية“. ومعلوم أن الدولة تجد صعوبة كبيرة في تحديد الأسر الميسورة من غيرها كما أن هذه الخيرة لا تدرس أبناءها بالمدرسة العمومية بقدر ما تعتمد القطاع الخاص، ويطرح إشكال ثان مرتبط بالأسر المتوسط، ويطرح سؤال جوهري هنا كم هي المبالغ التي ستحصل عليها الدولة من فرض هذه الرسوم وهل هي مدخل لإصلاح المنظومة؟ إنها بكل بساطة ضرب لمجانية التعليم وإضافة تكاليف على العديد من المواطنين المحرومين من المنحة الجامعة. وقد سبق للدولة وما زالت تنفق مالا كثيرا على القطاع حيث  تخصص حوالي 60 مليار درهم سنويا ، ومع ذلك لم نصل إلى الجودة المرجوة. الطامة الأخرى مرتبطة بالقروض، تنص المادة 18 من الباب الرابع، الخاص بالولوج إلى منظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي وآليات الاستفادة من خدماتها، أن الدولة ستمكن المتعلمين من الاستفادة من “نظام للقروض الدراسية لفائدة المتعلمين الذين يرغبون في الاستفادة من هذه القروض قصد متابعة دراستهم العليا”. وهي آلية مستقاة من أنظمة بعيدة كل البعد عن النظام المغربي، فالدول المتقدمة تعمل على إدماج المتخرجين في سوق الشغل مباشرة بعد إنهاء تعليمهم العالي.

ومن المؤاخذات على القانون الإشكال المصطلحي والمفاهيمي غير الدقيق مثل ” التناوب اللغوي” و ” السلوك المدني” و ” الإنصاف ” و”الجودة” و”التعلم مدى الحياة” وكأننا أمام مادة للتكوين في علوم التربية وليس قانونا إطارا . وما زال يشكل التناقض وعدم الانسجام والتوافق في الطرح والتشخيص بين المجلس الأعلى والحكومات المتعاقبة، حيث تعرض أغلب المقترحات والمشاريع على المجلس الأعلى.

لقد أكد القانون على العمل على تمكين المتعلمين من اللغات الأجنبية في سن مبكرة، من أجل تملكهم الوظيفي لهذه اللغات طيلة مسارهم الدراسي في أجل أقصاه ست سنوات من دخوله حيز النفاذ. إلا أن التنزيل فرض لغة فرنسية بمستوى الأول عوض اختيار تعدد اللغات مما يؤكد أن هناك ضبابية في الرؤية اللغوية حيث تم تعويم المصطلح وبرز بمتعددات غريبة من قبيل ” الهندسة اللغوية” و” التناوب اللغوي” و”التعددية اللغوية” و” الخيارات اللغوية” ويسجل الارتباك الواضح في تحديد السياسة اللغوية وهيمنة المد المتغرب والداعم للفرنسة وللدارجة، وعدم وضوح الموقف من الأمازيغية في مخالفة صريحة للدستور.

خلاصة:

نجد القانون الإطار يتحدث تارة عن الحكومة، وتارة عن الدولة، وأخرى عن السلطات الحكومية، وعن السلطات، وعن السلطات العمومية، مما يثير أكثر من سؤال حول كثرة المفاهيم والغرض من وراء ذلك.

إن مكمن الخلل في الإصلاحات  المتعاقبة على المنظومة التربوية يتجسد في اعتقادنا  في كونها لم تصل بعد إلى التلميذ باعتباره محور العملية التربوية و المستهدف الأول والأساسي من العملية الإصلاحية ، بقدر ما كانت تحوم حول المعضلات التربوية الكبرى دون ملامسة جوهر وكنه الإشكاليات الجوهرية للمنظومة التربوية .

وعلى هذا الأساس، يستوجب من السلطات التربوية مراجعة الإستراتيجيات و المخططات التربوية المعتمدة،  وكذا الآليات و الوسائل و المقاربات الإصلاحية، من خلال اعتماد سياسة تربوية متعددة الأبعاد و المستويات تستدعي استحضار كافة العوامل و الأسباب المرتبطة بأزمة النظام التعليمي (العوامل الذاتية و الموضوعية…) .على اعتبار أنه لا يمكن إصلاح المنظومة التربوية بمعزل عن السياق السياسي والاجتماعي و الاقتصادي الراهن، ودون الأخذ بعين الاعتبار بعلاقة وتأثير باقي السياسات القطاعية الأخرى على قطاع التربية و التعليم (نهج الالتقائية في التدبير) .

وعليه، فإن نجاح الإصلاح التربوي المنشود مرتبط بالأساس، بإعطاء الأولوية للحلول التربوية و البيداغوجية لمعالجة اختلالات المنظومة التربوية عبر استبعاد منطق المعالجة التقنية الصرفة للإشكاليات التربوية، وتجاوز المقاربة الكمية  إلى ما هو نوعي، من خلال التركيز على المستهدف الأساسي من الإصلاح (التلميذ/ة ) .و كذا تجديد المحتويات و المضامين و تحديث البرامج و المناهج الدراسية ، ومراجعة المقاربات التدبيرية المعتمدة حاليا في تسيير الشأن التربوي.

ولن يتأتى ذلك، إلا بممارسة الحكامة الجيدة في تدبير المنظومة التربوية، عبر ربط المسؤولية بالمحاسبة، والحرص على ترسيخ مبادئ الجودة والشفافية وتكافؤ الفرص في الاستفادة من الخدمات التربوية ؛ وكذا إعمال المقاربة التعاقدية والتدبير بالنتائج من أجل تخليق وشفافية التدبير المالي و المادي.

 بالإضافة إلى ضرورة العمل على تثمين العنصر البشري (نساء ورجال التعليم)، عبر إعادة الاعتبار له و تحفيزه ماديا و معنويا . وكذا تفعيل المقاربة التشاركية و إنجاز تعبئة مجتمعية شاملة حول الإصلاح التربوي، عن طريق إعداد وتنفيذ خطة تواصلية محكمة قصد ضمان تعبئة و انخراط  ومساهمة كافة الفاعلين و المتدخلين و المعنيين (تلاميذ، أساتذة، إدارة تربوية، مدبرون، مسئولون، أطر تربوية، مفتشون، نقابات، جمعيات المجتمع المدني…) في المجهود الإصلاحي، في أفق إعادة الثقة إلى المدرسة المغربية وإنجاح الإصلاح التربوي المنشود، باعتباره المدخل الأساسي لربح الرهان التنموي لبلادنا.

كما يجب على الدولة الالتزام بتعهداتها والحفاظ على روح ميثاق التربية والتكوين، واعتبار إصلاح منظومة التربية والتكوين مسؤولية مشتركة بين الدولة والأسرة والمجتمع المدني والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين وغيرهم.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى