السامري المحتار ووهم صناعة التيار – خالد الصمدي

خرج السامري فرحا مغرورا، يبشرنا بانقسام المجتمع المغربي في علاقته بالنقاشات الدائرة حول المدونة إلى فسطاطين، وتيارين سماهها (حنا، وهوما )، (حنا ) من يقدس الإنسان، و(هما) من يقدس الأديان.

فوضع نفسه وعجله في الجهة الأولى التي تعلي من شأن الإنسان وتحرص على كرامته وتجعل منه إلاها يعبد والكل في خدمته، والباقي في الكفة الثانية التي تعلي من شأن الدين وتستغل الفقه القديم في نظره لخدمة مصالحها لعدم قدرتها على الاجتهاد وهي حبيسة عصر ابن تيمية وابن القيم، وكأنه لا يوجد في هذا البلد منذ تلكم الحقبة إلى اليوم علماء ولا فقهاء ولا مؤسسات علمية ودستورية، ولا باحثون نفسيون وسوسيولوجيون ولا أطباء ولا اقتصاديون، ولا قانونيون ولا مشرعون ولا قضاة مجتهدون، ولا أساتذة ولا مربون ولا آباء وأمهات واعون، وحين انتهى من كلامه وأقفل كاميرته وخرج إلى أقرب مقهى لارتشاف قهوته وجد أن المغرب لم يعد بسواد لونها ولا مرارة طعمها.

وأن المغرب لم يكن يوما ولن يكون  حبيس هذه الثنائية المتوهمة، وأنه قد أصبح لمعظم المغاربة وخاصة الشباب منهم من الوعي الديني والفكري والاجتماعي والأسري ما جعلهم يعزلونه وعجله في حظيرته بعد أن انتبهوا لخدعة تشويه المفاهيم وتسويقها، وفهموا علاقة النص الشرعي بالاجتهاد وحدوده، وميزوا بين الحكم والفتوى، وانتبهوا إلى أهمية القيم في صيانة الانسان وإقامة العمران، دون تناقص مع الشرائع والأديان، بعد أن انفضحت الأجندة الدولية لحقوق الإنسان التي يدعو إليها السامري وتكسرت على صخرة العزة أزلامها  وثار عليها الناس في بلدانها وفقدوا الثقة في مؤسساتها، كل ذلك جعلهم معتزين بدينهم، واثقين في اجتهادات مؤسساتهم المستجيبة لحاجيات عصرهم، محصنين ضد كل تضليل بخوار العجل الصقيل، توهم المسكين أنه أصبح يمثل تيارا، فوجد نفسه يمشي وحيدا متثاقلا برجله يجر عجله من قرنه على رصيف، والمغاربة في على الرصيف الآخر بنسائهم وأطفالهم ورجالهم يبتسمون بسخرية من ما يروج من أراجيف، وهم يرددون  كما عهدناهم على مر الزمان يا لطيف يا لطيف يا لطيف يا لطيف يا لطيف.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى