10 أسباب معقولة تجعل رجل التعليم يرفض النظام الأساسي الجديد‎ – رشيد وجري

10 مؤشرات قبلها تدل على أن الحكومة غير جادة في هذا الإصلاح

رجال ونساء التربية والتعليم من أطر إدارية وتربوية وغيرهما يمنون النفس منذ أكثر من سنتين لبداية ما يسمى “بالحوار” بقانون أساسي منصف، محفز ومتوازن، يساهم بدوره في الارتقاء بمنظومة التربية والتكوين في بلدنا الحبيب الذي يرفع شعار الإصلاح منذ عقود فكم استكملنا أزمنة إصلاحات دون تقييم؟؟، فتبع الإصلاح إصلاح الإصلاح ثم إصلاح إصلاح الإصلاح في متتالية هندسية لا متناهية وكأننا ندور في حلقة مفرغة؟؟ لكن للأسف الشديد تمخض الجمل فولد فأرا خاب ظنهم فيه بعد صدوره وتبين لهم بعد تصفحه أنه “نظام مآسي” بدل النظام الأساسي الذي ينتظرونه؟، لكن بكل موضوعية وتجرد فإن بوادر الفشل وعدم الجدية وعوامل الإخفاق في هذا الإصلاح كانت بادية وواضحة للعيان قبل صدوره بل قبل بداية الحوار بشأنه حتى (قالوا مالو طاح قالو من الخيمة خرج مايل ؟؟؟)، إلا أن حسن نية رجال ونساء التعليم وعدم استباقهم للأحداث ورغبتهم الصادقة في نجاح الإصلاح جعلتهم ينتظرون صدور هذا النظام الجديد الذي سينظم حياتهم المهنية لعقود مستقبلا ؟، ونذكر أن من تلك البوادر والمؤشرات التي تدل على عدم جدية الحكومة في إصلاح حقيقي منصف ومحفز لهذا النظام الأساسي ما يلي :

  • اختيار وزير تكنوقراطي ليقود القطاع لا علاقة له بالتربية والتعليم ولا يَخْبِر شيئا في المنظومة ككل، مشاكلها وتحدياتها، أضف إلى ذلك احتفاظه بفريق عمل قديم قد يكون مساهما فيما يعانيه القطاع اليوم.
  • التكتم والسرية التي سبقت صدور هذا النظام في كل مراحل مناقشته مع نقابات اختيرت بعناية من لدن السلطة التنفيذية وتم إقصاء أخرى غير مرغوب فيها قد تزعج وتشاكس وتعارض؟؟ مما يعطي مؤشرات أخرى دالة على غياب الشفافية والجدية في إصلاح النظام الأساسي ومنظومة التربية والتعليم التي عانت وتعاني الويلات منذ عقود .
  • غياب المنهجية الإشراكية والتشاورية في الحوار واقصاء الفاعل التربوي والإداري باعتبارهما فاعلان مهمان في هذا الإصلاح وإقصاء أطراف أخرى بطرق مغرضة.
  • إصلاح جاء بعد ردة ديموقراطية وطنية لا تخفى على لبيب مهتم ، وتحالف “الباندية” حيث أفرزت قوما لهم سوابق كثيرة في عدم الجدية والوطنية الحقة واتقانهم لفنون تزييف الحقائق ومهارات المراوغة و الالتواء والتملص من المسؤولية.
  • التأجيل المتكرر لإصدار هذا المرسوم, فالتردد الواضح والريبة الزائدة توحي بأن هناك شيئا ما يطبخ غير مستساغ يجب تمريره مهما كلف، مما جعل أطر التربية والتعليم متوجسين مما سيأتي فيه، ولا نخفيكم سرا إذا قلنا أننا لم نفجأ بهذا لأننا كنا متوقعين حصوله بناء على ما سبق وغيره .
  • تحميلهم المسؤولية في جل خارجاتهم للأستاذ وذلك في أكثر من مناسبة ناسين أو متناسين الظروف الصعبة التي يشتغل فيها الأستاذ خاصة في العالم القروي.
  • غياب تقييمات رسمية للإصلاحات السابقة والتي من المفروض أن تضع الأصبع على الداء وتشخص المشكل الحقيقي وتقترح حلولا لذلك، وزد على ذلك غياب ربط المسؤولية بالمحاسبة خاصة في القضايا التي وردت في شأنها تقارير ومعطيات.
  • الموارد المالية الشحيحة المرصودة لإصلاح القطاع منذ البداية في حين الانفاق بسخاء على قطاعات أخرى أقل أهمية بكثير (كمثال قطاع الرياضة لا الحصر). (فإذا كان النموذج التنموي الجديد قد وعد بتعبئة مبلغ مالي قيمته 15.5 مليار درهم سنويا، منها (12 مليار / سنة، بما يمثل 1% من الناتج المحلي الإجمالي) للنظام الأساسي الجديد نجد أن المبلغ المرصود من طرف الوزارة خلال الأربع سنوات القادمة لا يتجاوز 9,5 مليار درهم).
  • طريقة التمرير المغرضة والمفضوحة وطريقة التسويق البهلوانية الوقحة والتي لا تحترم عقول الناس عامة وعقول الأطر التربوية والإدارية خاصة، فبتاريخ  22 شتنبر 2023 تقدمت النقابات (الأكثر تمثيلية التي لا تعفى من مسؤولية تأزيم أوضاع القطاع أيضا لتواطئها أحيانا مع الحكومة وسكوتها أحيانا أخرى) ضمنتها مجموعة من الاقتراحات التعديلية أو الإضافية، تفاجأ هذه النقابات، ومعها الرأي العام، بأن وزير التربية الوطنية قرر إحالة مشروع النظام الأساسي على المجلس الحكومي حتى قبل التوافق النهائي عليه مع التنظيمات النقابية التي شاركته في الحوار، وأن المجلس الحكومي قد صادق عليه فعلا يوم 27 شتنبر 2023 وأنه نشر في الجريدة الرسمية كإجراء قانوني أخير قبل أن يكون جاهزا للعمل به وذلك دون اعتبار لأي احتجاج أو مظاهرات أو مصلحة.
  • تنكر الحكومة للقانون الإطار المتوافق حواله (على ما فيه من ملاحظات كتلك المرتبطة باللغة) ونيتها مراجعته الشمولية كما أخبرت في أحد بياناته التراجعية وعدم انعقاد اللجنة الوطنية لتتبع تنزيل الإصلاح التي يرأسها رئيس الحكومة منذ توليه المسؤولية الحكومية إلى الآن، هذه التصرفات الحكومية وغيرها ما هي إلا أساليب للهروب إلى الأمام حتى تتنصل من التزاماتها ومما كان من المفروض أن تقوم به إتماما لإصلاح قد بدأ، ووقوعها في المحذور “الدوامة الفارغة للإصلاح وإصلاح الإصلاح” كما حذر منها جلالة الملك وخبراء مهتمين بالقطاع ؟؟… وهذه كذلك إشارة سلبية بعثتها الحكومة لمن ينتظر “الإصلاح”.

هذه الوقائع والأحداث كلها توحي وتدل على أن الحكومة غير جادة وغير صادقة في إصلاح للمنظومة ككل وللقانون الأساسي للقطاع خاصة، والآن بعد معرفة مضامين االنظام الأساسي الجديد هاكم بعض الأسباب المعقولة التي جعلت الأطر التربية والتعليم يرفضون هذا النظام الذي وصفوه “بنظام المآسي” نذكر بكل اقتضاب:

  1. استعمال ألفاظ ومصطلحات هلامية وحمالات أوجه حيث يمكن للوزارة الوصية أن تلوي عنقها وقتما تشاء وتوظفها كيفما تريد كمفهوم:
    • “الموارد البشرية” في مطلع النظام عوض “موظفي التربية الوطنية”، وهذه التسمية الجديدة توحي بخروج “موظفي وزارة التربية الوطنية” من الوظيفة العمومية إلى المجهول.
    • المادة 15: من مهام هيئة التدريس : “المشاركة في تنظيم الامتحانات المدرسية والمباريات وامتحانات الكفاءة المهنية “، “أي مباريات” هكذا فضفاضة، بمعنى ممكن استدعاء رجل التعليم لحراسة مباراة الشرطة أو الجنود أو القضاء وغيرها دون تعويض وحيثما تريد الوزارة في الزمان والمكان
    • المادة 67: ٍ “يتم تدقيق وتفصيل المهام المنصوص عليها في هذا المرسوم، أو إسناد مهام أخرى للمعنيين، بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالتربية الوطنية”. ماذا تعني كلمة إسناد مهام أخرى؟ إلى غير ذلك…
  2. كثرة المهام دون تعويض عليها والأكثر من ذلك إعطاء الصلاحية للوزارة لإضافة مهام أخرى كما أسلفنا حسب مزاجها وتقديرها وقد تكون في أوقات وأماكن تزيد رجال ونساء التعليم عبئا على أعبائهم.
  3. كثرة العقوبات وتعددها (في صفحة ونصف) ضاربين عرض الحائط ما جاء في قانون الوظيفة العمومية، مما يعطي مؤشرات دالة على غياب الثقة وعدم الارتياح والإعداد لحرب قادمة مع الأستاذ(ة).
  4. غياب التحفيز المادي والتعويضات خاصة لهيئة التدريس، الأستاذ الذي هو في علاقة مباشرة مع التلميذ قطب الرحى في أي إصلاح؟؟، أما التحفير المفترى عليه فيما يخص المدرسة الرائدة فتنقصه الظروف والشروط الموضوعية لتنزيله، وسيكرس الإحباط واليأس في صفوف الفريق التربوي الذي سيبدل مجهودات مضاعفة لكن دون جدوى من نتائج تتحكم فيها ظروف وشروط وملبسات خارجة عن إرادة ونطاق الأستاذ والطاقم الإداري.
  5. غیاب معايير الإنصاف الحقيقية وتوحيد المسارات المهنية، وتصحيح الاختلالات، مع إقصاء واضح لمضامين الملفات المطلبية للهيأة التعليمية التي رفعتها منذ مدة.
  6. عدم تحديد ساعات العمل الحقيقية والفعلية مما يعطي رسائل على أن الوزارة الوصية ستتصرف فيها حسب ما تريد هي وترغب فيه بعيدا عن استحضار ظروف ومصلحة الأستاذ(ة)؟؟ هذا للأسف في الوقت الذي يطالب فيه رجال ونساء التعليم في جميع الأسلاك بالرجوع عن الساعات التضامنية التي كانت الدولة في حاجة إليها في وقت سابق قد تغيرت ظروفه ومبرراته.
  7. التناقض الواضح مع أحد أهم المبادئ التي كان يجب أن يبنى عليها هذا النظام وهو مبدأ التلازم بين الحقوق والوجبات؛ لأن ما انتهى إليه هذ النظام هو إثقال كاهل نساء ورجال التعليم بالواجبات سواء القديمة أو الجيل الجديد منها دون أن يرافق ذلك عناية بالحقوق.
  8. الالتفاف على المطالب العادلة والمشروعة لكل الفئات المتضررة التي كانت تمني النفس بحلها في القانون الأساسي الجديد لكن الحقيقة أنه لا يستجيب لهاته الملفات المطلبية ولا يعالج الملفات العالقة منذ عقود بصفة قطعية ومنصفة (المتصرفون التربويون / المفروض عليهم التعاقد/ المقصيون من خارج السلم/ المبرزون/ أساتذة التأهيلي/ المفتشون/ ضحايا النظامين/ الدكاترة/ أطر التوجيه والتخطيط/ حاملو الشهادات العليا/ العرضيون ومنشطو التربية، المساعدون التقنيون والمساعدون الإداريون، الزنزانة 10 و …)، وسيفرز ضحايا جدد للأسف الشديد.
  9. الزيادة الصاروخية وغير المفهومة وغير المبررة في أسعار كل شيء في أسعار الوقود و النقل والغذاء والبضائع والأدوات و…، دون هوادة ودون شفقة ودون مراعاة لا إلى دخل فلان ولا راتب علان، وموازاة مع ذلك جمود وثبات الراتب والتعويضات دون أدنى زيادة، وهذا سبب آخر يدفع رجال ونساء التعليم لرفضه ولو افترضنا جدلا (وهذا لم يكن) أنه جاء منصفا وعادلا, لكنه خال من أية زيادة تذكر لرجال ونساء التعليم.
  10. واختم بسبب جوهري لو بدأت به الوزارة الوصية عملها لكان محفزا ومقنعا إلى حد ما لأن يتقبل نساء ورجال التعليم بالإصلاح المزعوم وإعطاءهم إشارات إيجابية ودليل عملي على جديتها في الإصلاح، وهذا السبب الهام مرتبط بإقناع نساء ورجال التعليم على أن الوزارة الوصية جادة في إصلاحها ويمكن أن يتحقق بباقة إجراءات وإشارات عملية نذكر منها:
    • ربط المسؤولية بالمحاسبة والبدء في “التنظيف” من أعلى أي من داخل الوزارة بمحاسبة المسؤولين المركزيين والجهويين والإقليميين المتورطين في قضايا فساد وصدرت في حقهم تقارير ومستندات، ثم إطلاق عملية افتحاص واسعة في كل دوالب الوزارة الوصية وتجاوز مرحلة وضع التقارير إلى مرحلة ترتيب الجزاءات وتنفيذها من أجل القطع مع الفساد المستشري في القطاع والذي تنطفئ أمامه جدوة وشعلة أي إصلاح وتتكسر معه عزائم وهمم الجادين وذوي المصداقية.
    • اختيار وتقديم فريق عمل جديد كفء ومقنع يعرف دواليب القطاع وظروفه ومشاكله وتحدياته، وله قوة اقتراحية إبداعية..
    • الاهتمام بالتلميذ على الحقيقة بالتخلص من الاكتظاظ والحد من الأقسام المشتركة وغيرها من الإجراءات الإيجابية والاهتمام كذلك بالمؤسسات التعليمية موقعا وبناء وتجهيزا وجمالية وتوفير الوسائط الدداكتيكية والبيداغوجيا ثم الاهتمام بظروف عمل الأستاذ وتيسيرها له من نقل وتكوين واستقرار وغير ذلك.

وأختم هنا بكلمة للحكومة المستخفة واللامبالية بحقوق ومطالب الشغيلة التعليمية كفى استخفافا كفى لامبالاة كفى تضييع لمستقبل الأجيال القادمة كفى ضحكا على الدقون، بلى إن الإصلاح الحقيقي لقطاع حيوي جامع واستراتيجي مهم كالتربية والتعليم في بلدنا الحبيب الذي يعتبره الأولوية الثانية بعد الوحدة الترابية لا يمكن فرضه على الفاعلين الحقيقيين بالحديد والنار ولا يمكن مقاربته مقاربة زجرية أمنية بوليسية، بل يجب أن يتوافق حوله وأن يستجيب للحد الأدنى من المطالب المشروعة حتى يتسنى للأستاذ(ة) وباقي الفاعلين العطاء والإبداع والاستمرارية بكل رغبة ورضى ومسؤولية خدمة لهذا الوطن الغالي الذي يستحق منا “الأحسن والأفضل والأجمل” على الحقيقة وليس كما يدعون من كانوا وراء هاته المآسي.

غير ذلك ما هو إلا مضيعة للموارد والجهود والزمن المدرسي والتنموي والأجيال القادمة لا قدر الله، فهل من راشدين محبين للوطن خادمين له بصدق يلتقطون هذه الإشارات الواضحة ويتحركون بإخلاص اليوم قبل الغد لإصلاح حقيقي وفعلي لمنظومة التربية والتعليم حتى يعود الاعتبار والمكانة للمدرسة العمومية التي نعتز بانتمائنا لتلاميذها، والتي به وفقط يمكن أن تتقدم بلادنا في مختلف الميادين والمجالات وتزدهر وتحقق ما تصبو إليه من كرامة وعدالة اجتماعية ورفاهية وتنمية مستدامة منشودة .

 

 

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى