د أوس رمّال في حوار صحفي: نرفض المس بنظام الإرث والسماح بالعلاقة خارج الزّواج الشّرعي

قال رئيس حركة التوحيد والإصلاح، الدكتور أوس رمّال إن “الهيئة التي كلّفها جلالة الملك بمراجعة مدونة الأسرة، معها من الرّشد والحسّ الوطني ما هو كفيل بإعفاء المغاربة من أي حاجة إلى أي تقاطب من شأنه أن يشغل البلد عن أولوياته التّنموية والحضارية الجارية”.

وبين أوس رمّال في هذا الحوار، خصّ به جريدة “مدار21” الإلكترونية السياق السابق والحالي لمراجعة مدونة الأسرة، قائلا “إذ هذه المرّة انطلق ورش المراجعة بتوجيهات ملكية رسمية تؤكّد المرجعية الشّرعية لمدوّنة الأسرة المغربية، وهو ما أكّدته الرّسالة الملكية الموجّهة إلى رئيس الحكومة حينها، والتي تؤكّد أنّ المراجعة لا يمكن أن تحلّ حراما ولا أن تحرّم حلالا”. 

ورفض رئيس التوحيد والإصلاح المس بنظام الإرث والتعصيب والسماح بالعلاقة خارج الزّواج الشّرعي، كما رفض تجريم التعدد والزواج لمن هم دون 18 سنة. 

وفي ما يلي النص الكامل للحوار: 

شاركت حركة التوحيد والإصلاح في المهرجان الخطابي الذي عقده حزب العدالة والتنمية مؤخرا بالدار البيضاء من أجل التصدي لما يعتبره الحزب “إملاءات خارجية” تستهدف الأسرة المغربية، وهو المهرجان الذي دعا فيه الأمين العام للحزب عبد الإله ابن كيران إلى مسيرة مليونية لمواجهة هذه الإملاءات، في خطوة تستحضر مسيرة رفض خطة المرأة في التنمية سنة 2002. هناك من رأى في هذه المشاركة مساندة ضمنية من الحركة، التي توصف بالذراع الدعوي للعدالة والتنمية، في منحى تنظيم مسيرة جديد، إلى أي حد يبدو هذا الأمر صحيحا؟ وهل تدعم الحركة بشكل مباشرة خطوة المسيرة المليونية؟

في ما يخصّ المهرجان الخطابي الذي عُقد مؤخرا بالدار البيضاء؛ كان مهرجانا نظّمه حزب العدالة والتّنمية، واستجاب للحضور فيه أعضاء حركة التّوحيد والإصلاح والمتعاطفون معها لأنّهم؛ في موضوع الأسرة والمدوّنة، يتقاسمون مع العدالة والتّنمية نفس الهموم والقيم. ولم يبلغني أنّه كانت هناك دعوة إلى مسيرة مليونية؛ كلّ ما في الأمر أنّه كانت هناك إشارة إلى المسيرة الشّهيرة التي عرفها المغرب زمان الخطّة المشؤومة سنة 2002، والتي خرج المغاربة قاطبة ضدّها لأنّها لا تمثّلهم ولا تعكس اختياراتهم. وبطبيعة الحال هذا معناه أنّه إذا اقتضى الأمر الخروج بمسيرة أخرى فالمغاربة مستعدّون لذلك دفاعا عن مؤسّسة الأسرة التي تحافظ لحدّ السّاعة على تماسك مجتمعهم وبلدهم.

أمّا وصف حركة التّوحيد والإصلاح بالذراع الدعوي للعدالة والتنمية، وكذا وصف الحزب بأنّه ذراع سياسي للحركة؛ فهو توصيف للتّسويق الإعلامي ليس أكثر؛ لأنّ الأذرع أطراف لجسم واحد يسيّره رأس واحد؛ والكلّ يعلم أنّ هذا الأمر غير صحيح إذ الحزب تنظيم سياسي مستقلّ له مناضلوه وقياداته وأطره وهيئاته وأمانته العامّة وأمينه العامّ، والحركة حركة دعوية تربوية مستقّلة لها قيادتها ورئاستها وهيئاتها، والجامع بين الهيئتين هو عدد من التّوجّهات والاختيارات المرجعية والقيمية والأهداف السّياسية المشتركة أو المتقاربة؛ وهذا ما يعبّر عنه بـ”الشّراكة الاستراتيجية”.

وجوابا عن سؤالكم هل تدعم الحركة بشكل مباشرة خطوة المسيرة المليونية؟ أقول إنّه في حالة ما تمّ النّداء إلى مسيرة معيّنة بتاريخها ومكانها فإنّ الحركة؛ كعادتها، ستناقش الأمر على مستوى قيادتها وتصدر القرار الذي تراه مناسبا. وإن كنت شخصيّا أرى اختلافا بيّنا بين السّياق والظّروف التي جرت فيها أحداث 2002 والسّياق الحالي، إذ هذه المرّة انطلق ورش المراجعة بتوجيهات ملكية رسمية تؤكّد المرجعية الشّرعية لمدوّنة الأسرة المغربية، وهو ما أكّدته الرّسالة الملكية الموجّهة إلى رئيس الحكومة حينها، والتي تؤكّد أنّ المراجعة لا يمكن أن تحلّ حراما ولا أن تحرّم حلالا.

هناك من اعتبر أن حضور حركة التوحيد والإصلاح في السجال الدائر حول التعديلات المرتقبة على مدونة الأسرة يكاد يكون باهتا وأنه ربما يعكس حالة الضمور والانحسار اللتين باتتا تدبا في أوصال الحركة؟

الحركة؛ بكلّ تخصّصاتها، تعمل في مجال الأسرة دائما بشكل راتب، ومن مجالات عملها الاستراتيجية “مجال برنامج الأسرة”، ولها أوراق ومؤلّفات في الموضوع، وأنجزت أياما دراسية بمشاركة عدد من المتخصّصين في علوم الشّريعة والقانون وعلم الاجتماع، وأعلنت عن مذكّرتها في ندوة صحفية استقطبت عددا من المنابر الإعلامية المعتبرة، وبالتّالي فهي لم تتعاط مع ورش المراجعة على أنّه فرصة للظّهور أو البروز، وإنّما تعاملت مع الحدث بمنهجها العادي والطبيعي، فكانت من الهيئات المجتمعية الأولى التي عرضت وناقشت مشروعها أمام الهيئة المكلّفة بالمراجعة، وواكبت وما زالت تواكب هذا الورش بالتّفاعلات البانية والمؤسِّسة التي تراها مناسبة.

صحيح أنّ حضور الحركة في هذا الورش لم يكن الغرض منه الظّهور الإعلامي، إلاّ أنّه في الوقت نفسه لم يكن باهتا ولا خافتا، كما أنّه لا يعكس ضمورا ولا انحسارا بقدر ما هو في المقابل حضور منهجي ومُعقلن لحركة تتمتّع بصحّة وعافية والحمد لله.

بدا أن هناك تقاربا بين الحركة وجماعة العدل والإحسان بمناسبة ورش تعديل المدونة، ما سرّ هذا التقارب؟ وهل يعكس شعوركم بوجود خطر يتهدد الأسرة المغربية، ويتطلب تشكيل جبهة إسلامية لمواجهته، وهل تهيئون لتقديم مبادرات مشتركة على هذا المستوى؟

العلاقة مع العدل والإحسان لا تحدّدها الأوراش والمناسبات وإنّما هي علاقة احترام متبادل كالذي يجمعنا بكلّ الهيئات والحركات والأحزاب والتّنظيمات في بلدنا. وهذه المرّة ظهرت عند الطّرفين رغبة للاطّلاع على مقترحات كلّ جهة، وعلى التّبادل الرّسمي لمشاريع المذكّرات فكان أن أجرينا ذلك اللّقاء المشترك الذي لم تتجاوز أهدافه هذا الذي ذكرته.

أمّا عن سؤالكم؛ هل نشعر بوجود خطر يتهدد الأسرة المغربية؟ بالتّأكيد عندما ترتفع أصوات تنادي بتجاوز التّوجيهات والخطب الملكية، وتخترق ما تعارف عليه المغاربة في دستورهم، فإنّ هذا يكون صادما لعامّة المغاربة ومدعاة للقلق والتّوتّر.

لكننا لم نفكّر في جبهة لا مع العدل والإحسان ولا مع غيرها لمواجهة تلك الأصوات الشّاذّة، ونعتبر أنّ الهيئة التي كلّفها جلالة الملك بالمراجعة، معها من الرّشد والحسّ الوطني ما هو كفيل بإعفاء المغاربة من أي حاجة إلى أي تقاطب من شأنه أن يشغل البلد عن أولوياته التّنموية والحضارية الجارية.

أبديتم تحفظكم إزاء المذكرة التي تقدم بها المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول مدونة الأسرة، ما وجه اعتراضكم على المقترحات التي قدمها المجلس بهذا الشأن، وما هي مواقفكم من تعديل نظام الإرث وتجريم زواج القاصرات وإلغاء التعصيب ومنع التعدد؟

صحيح أبدينا تعجّبنا أولا قبل التّحفّظ؛ إذ لم نكن نتوقّع أنّ تخرج علينا هيئة دستورية معيّنة بشكل رسمي، وتحظى رئيستها بشرف الحضور مع الهيئة المكلّفة بمراجعة المدوّنة؛ لم يكن أحد يتصوّر أنّها ستتشبّث بولائها للإملاءات والإفتاءات الخارجية إلى درجة تجعلها تتجرّأ على تجاوز التّوجيهات والخطب الملكية الرّسمية، وتضرب بعرض الحائط عددا من مقتضيات وموادّ الدّستور المغربي، ناهيك عن تجاهل الهوية الحضارية والمرجعية الدّينية التي كانت عبر قرون وما زالت لحدّ السّاعة من أعظم مقوّمات الأمّة المغربية والضّامن الأساس لوحدتها في ظلّ حكم إمارة المؤمنين.

أمّا أوجه اعتراضنا على المقترحات التي قدمها هذا المجلس فكثيرة تحتاج إلى حوار خاصّ. لكن؛ لإعطائكم فكرة؛ نتساءل مع القارء الكريم عن معنى العمد إلى تغيير تعريف الأسرة في الدّستور المغربي (الفصل 32) لتصبح -حسب مقترحهم: “الأسرة هي الخلية الأساسية للمجتمع، وتتكوّن من أشخاص تجمع بينهم علاقة الزّوجية أو القرابة أو الالتزام”. ولماذا لم يعد التّعريف الوارد في الدّستور صالحا لهذا المجلس؛ وهو التّعريف الذي لا نرضى عنه ولا يرضى عنه المغاربة بديلا؛ إذ يقول: “الأسرة القائمة على علاقة الزّواج الشّرعي هي الخلية الأساسية للمجتمع”.

وعلى افتراض أن يكون اليوم ضمن المغاربة من يريد العلاقة خارج الزّواج الشّرعي؛ فإنّ ذلك لا يبرّر بحال من الأحوال أن يهدّد المجلس استقرار المغاربة ويقتحم عليهم أسرهم بهذه الاختيارات الشّاذّة عن تربية وثقافة وأعراف المغاربة.

أمّا مواقفنا من تغيير منظومة الإرث بما فيها “التّعصيب”، ومن تجريم زواج من هم دون سنّ الأهلية القانونية، ومِن منع تعديد الزّوجات؛ فيُرجع فيها إلى نصّ مذكّرتنا حتى يتبيّن الجواب بالشّكل الكافي. لكن يمكن تلخيص هذه المواقف فيما يلي:

بالنّسبة لمنظومة الإرث في الإسلام؛ فهي أرقى منظومة لاقتسام تركة الميّت وُجدت على الإطلاق؛ والله تعالى حين فصّلها بدقّة في محكم كتابه؛ فقد فعل ذلك رحمة بعباده؛ إذ عَلم سبحانه أنّ عقل الإنسان مهما حاول التّجرّد والحياد، لن يستطيع العدل في اقتسام الأموال الموروثة عن الميّت. واليوم نرى تصديق هذه الكلام، إذ يتنازع الورثة فيما بينهم ويعتدي بعضهم على حقّ البعض وهذه المنظومة قائمة، فكيف لو انعدمت هذه المنظومة؟

أمّا المتكلّمون في التّعصيب، خاصّة من غير المتخصّصين في علوم الشّريعة، فهم للأسف إمّا غير ضابطين لمنظومة الإرث في الإسلام في شموليتها، أو ينظرون إلى الأمثلة التي تُساق إليهم بمقاربة تجزيئية تجعلهم يغفلون جوانب أساسية من الحياة الاجتماعية لمكوّنات الأسرة المسلمة المغربية. هذا إذا لم يكن موقفهم محاربة للمرجعية الدّينية للدّولة وتمرّدا على قيمها وهوّيتها خدمة لهذه الجهة أو تلك.

بالنّسبة لزواج مَن هم دون سنّ الأهلية القانونية. نحن نعتبر سنّ 18 سنة هو السّنّ القانوني الذي لا يحتاج فيه الرّاغبان في الزّواج إلى إذن ولا وصاية من أحد. لكن في نفس الوقت نقول إنّ القانون لا يمكن أن يكون أداة لجلب التّعاسة والضّنك للنّاس. ونقول بضرورة إبقاء الاستثناء قائما لكلّ راغب في الزّواج يتأكّد لقاضي الأسرة؛ بعد الشّهادة الطّبيّة وتقرير البحث الاجتماعي، أنّ في زواجه مصلحة متحقّقة ولو كان سنّه دون 18 سنة، لأنّه من غير المعقول أن يصبح القانون أداة تَحول دون النّاس وسعادتهم. وهل هناك حقّ مشروع ومكفول بمقتضى حقوق الإنسان أكثر من حقّ الزّواج وتأسي أسرة؟

وبالنّسبة لتعديد الزّوجات، لا يجب النّظر إلى الأمر من زاوية إهانة المرأة وما قارب ذلك، لكن يجب التّفكير في المصلحة المتحقّقة، لأنّ التّعديد فيه أيضا ضمان لحقّ المرأة، إذ الزّوجة الثّانية هي أيضا امرأة ومن حقّها ألاّ تُحرم من حظّها في الزّواج حين يتقدّم لخطبتها الرّجل المتزوّج الرّاغب فيها.

ثمّ قبل كلّ هذا وبعده، هذا التّعديد بالزّواج شرعه الحكيم الخبير بأحوال النّاس، وهو البديل الأوحد عن الخيانة الزّوجية وعن الزّنا وعن الفساد الأخلاقي بشكل عامّ. خصوصا وأنّ المدوّنة الحالية وضعت أمام تعديد الزّوجات من العقبات والعراقيل ما لا يُقدم على تخطّيه إلاّ من له حاجة ملحّة قاهرة.

ولذلك نحن نقول بالإبقاء على إذن القاضي لتعديد الزّوجات، مع التّخفيف من القيود الزّائدة الموضوعة أمامه، لما يتسبّب فيه ذلك من حرمان من الزّواج لعدد من الرّجال والنّساء على حدّ السّواء.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى