المودن: إعادة الاعتبار لمؤسسة الأسرة يستلزم إعادة الاعتبار للقيم التي تسهم في استقرارها

تعد الأسرة اللبنة الأساسية لبناء المجتمع، وتعتمد في تماسكها واستمراريتها على عدد كبير من القيم الإنسانية المشتركة، التي يجب أن يتصف بها أفراد الأسرة من أجل ضمان قوة وانسجام المجتمع ككل.

ومن القيم التي يرتكز عليها قيام الأسرة: العفو، الرحمة، الحرية، العدل، الأمانة، الوفاء، والمعروف؛ وهي قيم تضمنتها كثير من الآيات القرآنية التي ركزت على الأسرة والعلاقة الزوجية منها قوله تعالى ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾، وقوله تعالى ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوف﴾، وقوله تعالى ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾، وقوله تعالى ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا﴾،وقوله عز وجل ﴿وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا﴾.

وكذلك قول الله تعالى ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَٰلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾.

وأكدت الأستاذة أسماء لمودن رئيسة الشبكة الوطنية “شمل” للوساطة الأسرية في تصريح لموقع “الإصلاح”، أن الأسرة تعتبر النواة الصلبة واللبنة الأساس لبناء المجتمع، لها أدوار مهمة تضطلع في التنشئة السليمة المتوازنة للأفراد من جهة وأدوار مهمة في التنمية المستدامة للمجتمع.

وأوضحت أن الأسرة مبنية في أساسها على مجموعة من القيم والمثل العليا التي تضمن استمرارها، وتجعلها في مأمن عن التوترات والتحديات التي قد تعصف بها أي كان نوعها، حيث جعل القرآن الكريم العلاقة الزوجية مبنية على قيم المودة والرحمة والتساكن والمساكنة، ولهذه القيم معاني نبيلة إلا أنها بدأت تختفي وتبهت شيئا فشيئا في عصرنا الحالي للأسف، مما أثر سلبا على استقرار الأسرة وأمنها وأمانها، وأصبح له تبعات تصل إلى حد المس بأمن المجتمع.

وأضافت المحامية بهيئة المحامين بطنجة، أن الأسرة المغربية على وجه الخصوص تواجه الكثير من التحديات سواء تحديات قيمية – أخلاقية أو تحديات اجتماعية أو تحديات اقتصادية أو تربوية – تعليمية، وثقافية أيضا، كل هذه التحديات جعلتها في موضع لا تحسد عليه، مشيرة إلى وجود مؤشرات وأرقام وإحصائيات تدل على الوضع الذي يمكن أن نصفه بالوضع المخيف والمقلق للأسرة المغربية، ولا أدل على ذلك ارتفاع أعداد ملفات الطلاق والتطليق داخل المحاكم، كأشكال قررها القانون لإنهاء العلاقة الزوجية، وهي أرقام مخيفة تدل على أن الأسرة المغربية تعيش تصدعا وتفككا ملحوظا.

ونبهت المتحدثة إلى أن هذا الوضع له آثار سلبية على الزوجين كطرفين أساسيين في هاته العلاقة، وتأثيرات سلبية أيضا على الأطفال إن على المستوى التوازن النفسي أو على المستوى التحصيل الدراسي، وأيضا على مستقبلهم بجميع أبعاده، مؤكدة على أن إعادة الاعتبار لمؤسسة الأسرة يستلزم بالأساس إعادة الاعتبار للقيم التي تسهم في استمرارها واستقرارها، وخاصة منها قيم المودة والرحمة باعتبارها قيم أساسية تجعل من العلاقة بين الأزواج وبينهم وبين أبنائهم، مبنية على الود والحب تمكنهم من مواجهة الخلافات والنزاعات التي قد تطرأ في طريق الأسرة، كما تساعدهم على تجاوز الخلافات بطريقة آمنة، مضيفة أنه لا يمكن أن نركز على هذه القيم إن لم نردفها بقيم أخرى كحسن المعاشرة والتسامح والثقة المتبادلة، وأيضا قيم الاحترام المتبادل والمسؤولية، والتي نلحظ أن غيابها أثر بشكل سلبي على استقرار وأمن الأسر المغربية.

وبخصوص ورش تعديل مدونة الأسرة، أكدت المودن أن المدخل القانوني ليس وحده مدخلا كافيا من أجل ضمان استقرار الأسرة، بل إن المدخل الأساسي هو المدخل القيمي التربوي، باعتبار أن كثير من الإشكالات التي نلاحظها بعد 20 سنة تقريبا على دخول مدونة الأسرة حيز التنفيذ، سببها السلوكات البشرية، وبالتالي لا يمكن أن نُحمل النص القانوني ما لا يطيق ، حيث لا يطرح إشكالا في كثير من النوازل بقدر ما تطرحه السلوكات غير السوية الصادرة عن الزوجة أو الزوج أو هما معا، وبالتالي نُرجع ذلك الى خلفيتهما التربوية والقيمية، مؤكدة على ضرورة الاشتغال بالأساس على هذا المدخل، دون أن ننكر وجود مداخل أخرى تسهم هي أيضا في استقرار الأسرة كالمدخل الاقتصادي والثقافي، بحيث إن كانت هذه المداخل سوية ومستقرة لا شك أن لها تأثيرا إيجابيا على استقرار الأسرة.

وبرزت مكانة موضوع الأسرة وقضية القيم بشكل واضح في خطب ورسائل الملك محمد السادس لما تكتسيه من أهمية في الحفاظ على كيان الفرد والمجتمع والدولة، ولمركزيتها في منظومة الدين الإسلامي الذي يعد من أهم الأسس في المملكة المغربية، من بينها إشادة الملك في رسالة وجهها إلى أعضاء أكاديمية المملكة المغربية في 22 نونبر الجاري، بمناسبة افتتاح الدورة الأولى للأكاديمية باختيار “الأسرة وأزمة القيم” كموضوع رئيسي لهذه الدورة، “اعتبارا لأهميته وراهنيته، خاصة في ظل ما يشهده العالم من اهتزاز في المرجعيات وفقدانها أحيانا”، قائلا “مما يستدعي تعميق التفكير في هذا الموضوع الجوهري، والدراسة العلمية الرصينة للتحولات الجارية، ولتداعياتها على كل المستويات، لاسيما في ما يخص التماسك العائلي والتضامن الاجتماعي”.

موقع الإصلاح

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى