قراءة في مشروع القانون رقم 18.18 المتعلق بتنظيم عمليات جمع التبرعات

المقدمة

أثار موضوع الإحسان العمومي وقيام الأفراد والهيئات المدنية وغير المدنية بعملية جمع التبرعات وتوزيعها لأهداف إحسانية نقاشا عموميا واسعا بالمغرب منذ الواقعة التي راح ضحيتها 15 شخصا بجماعة سيدي بولعلام بإقليم الصويرة بتاريخ 19 نونبر 2017، والتي تلاها نقاشا على أعلى المستويات وصدر بلاغ عن وزارة الداخلية يشير الى التعليمات الملكية الرامية للتسريع باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لتأطير عمليات الإحسان العمومي وتوزيع المساعدات على الساكنة المعوزة.

وبتاريخ 1 نونبر 2018 صادق مجلس الحكومة على مشروع قانون ينظم عمليات جمع التبرعات وتوزيعها، والمشروع حاليا يتواجد بمجلس المستشارين وهي الغرفة الثانية للبرلمان المغربي، وقد تم إحالته على المجلس من لدن رئيس الحكومة بتاريخ 5 فبراير 2019.

وما دفعني لتقديم قراءة حول مقتضيات المشروع هو ما أثاره مرة أخرى موضوع الإحسان العمومي خلال جائحة كورونا خاصة بعد الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الحكومة وتسلسل البلاغات الصادرة عن وزارتي الصحة والداخلية في ظل حالة الطوارئ الصحية و التي بموجبها انقطع مورد رزق ملايين الأسر المغربية التي يشتغل أربابها بالقطاع الخاص وخاصة أولئك المشتغلين بالقطاع غير المهيكل، وحيث سارعت جمعيات المجتمع المدني منذ الأيام الأولى بإطلاق حملات جمع التبرعات وتخصيصها للأسر المعوزة والمتضررة من الجائحة، لكن اختلف تعامل السلطات المحلية في كل إقليم وجماعة مع هذه المبادرات بين مجيز ومانع ومشترط لشروط وتم إلزام فاعلين جمعويين بتوقيع التزامات وتحرير محاضر من أجل منعهم من القيام بأعمالهم الإحسانية وفي حالة تكرار الفعل بعد توقيع الالتزام هم مهددون بالسجن.

وحيث أن هذا الأخير موضوع آخر يستحق مناقشته تخصيص مقالة خاصة، نقتصر في هذه القراءة على توصيف مشروع القانون وإبداء بعض الملاحظات حوله وفي مقارنة طفيفة لمقتضيات القانون رقم 71-004 الصادر في 21 من شعبان 1371 (12 أكتوبر1971) الذي يتعلق بالتماس الإحسان العمومي والذي سيتم إلغائه بعد المصادقة على هذا المشروع.

أولا: من حيث الشكل

يتكون القانون الحالي المتعلق بالإحسان العمومي من 7 فصول بصيغة مقتضبة بحيز لا يتجاوز الصفحتين وتم انتظار أزيد من 34 سنة ليصدر بتاريخ 1 غشت 2005 مرسوم تطبيقي له تحت عدد 2.04.970 وجاء في 7 مواد أيضا.

أما بخصوص المشروع الحالي فإنه يتشكل من سبعة أبواب ويبلغ مجموع مواده 46 مادة يأخذ حيزا قدره ثمانية صفحات، ويتوقف تفعيل بعض مقتضياته على صدور نصوص تنظيمية استدرك المشروع تطبيقه الفوري مباشرة بعد صدوره وذلك بتنصيصه في المادة 45 منه على أن النصوص التطبيقية للقانون الحالي تظل سارية المفعول إلى حين صدور النصوص التطبيقية المنصوص عليها بالمشروع.

ثانيا: من حيث الموضوع

أول ملاحظة يسجلها الدارس المتتبع لقانون الإحسان العمومي وبعد اطلاعه على المشروع الجديد هو القطع مع التسمية الحالية و التي هي الإحسان العمومي و لما لها من دلالات تجعل من مقاصدها ابتغاء مرضاة الله تعالى فالإحسان هو أعلى مراتب ديننا الحنيف وهو أيضا بمعنى الإتقان، فأصبح التسمية الجديدة هي تنظيم عمليات جمع التبرعات من العموم وتوزيع المساعدات لأغراض خيرية.

انصب موضوع الباب الأول من مشروع القانون على تحديد الأحكام العامة فجاءت مادته الأولى محددة لمقاصد و أهداف ومضامين هذا القانون ليشمل جميع المبادرات الرامية لدعوة العموم للتبرع وكافة الإجراءات المرتبطة بذلك إلى حين توزيع التبرعات وتقديم التقارير.

يلاحظ أن مادته الثانية وافقت الفقرة الثانية من الفصل الأول من القانون الحالي التي تطرقت لتعريف الإحسان العمومي أيضا المشروع تضمن تعريفا واحدا طيلة مقتضياته وهو التعريف الذي خص به دعوة العموم إلى التبرع والإحسان ماديا أو عينيا وحيث شمل الأمر استهدافه لكافة أوجه البر والخير من مشاريع إنسانية أو اجتماعية أو بيئية أو علمية و أيضا مساعدة شخص ذاتي أو أشخاص في وضعية هشة أو احتياج، وأضافت أنه يمكن تخصيص التبرع لفائدة مؤسسة اجتماعية خيرية داخل البلاد أو خارجه.

واستثنت هذه المادة تطبيق هذا القانون على كل من التبرعات المتعلقة بالأوقاف العامة وتمويل البحث العلمي إذا كان موضوع اتفاقات.

أما مادته الثالثة فقد أكدت على حصر دعوة العموم للتبرع فقط للجمعيات و التنسيقيات الجمعوية لكن في حالة رغبة شخص أو أشخاص دعم حالة إنسانية أو مجموعات من الحالات فإنه يحق لهم التقدم بطلب الترخيص لدعوة العموم.

فيما تطرقت المواد الثلاثة المتبقية من الباب الاول إلى تحديد نطاق تطبيق القانون الجديد واستثناء الطرق التقليدية وأيضا حالات المنع سواء بالنسبة لجمع التبرعات وعمليات التوزيع و تم ختم هذا الباب بالتأكيد على أن ما يتم جمعه من تبرعات وجب أن يخصص للغرض التي تمت دعوة العموم إليه واستثناء في حالة عدم قدرة الجهة المنظمة على تغطية مصاريف جمع التبرعات أو توزيع المساعدات فإنه يمكن تخصيص جزء من التبرعات لهذه الأمور.

أما بخصوص الباب الثاني الذي تمت عنونته بالترخيص لدعوة العموم إلى التبرع و جمع التبرعات فإننا نلاحظ أنه على خلاف ما جاء بظهير الحريات العامة في شأن تأسيس الجمعيات الذي ينبني على التصريح وعلى الحرية في الفعل الجمعوي، أقرت المادة 7 من المشروع وجوب الحصول على الترخيص قبل المبادرة بدعوة العموم للتبرع ومنحت للإدارة كما تسميتها الحق في قبول أو رفض الدعوة مع شرط احترام أجل 30 يوم قبل بداية دعوة العموم و استدركت استثناء مدته 24 ساعة في حالة دعم الحالات الإنسانية خلال فترة الكوارث أو الآفات.

إلا أن نظام التصريح جعلته جائزا بخصوص الهيئات المعفاة من الترخيص بموجب النصوص التشريعية السارية المفعول .

وما زاد تضييقا على الجمعيات هو ما جاء بباقي المواد من 8 إلى 11 من وجوب إرفاق طلب الترخيص بالعديد من الوثائق التي تثبت قانونية الجمعية بالإضافة لما يفيد الغرض من العملية، وحيث أنه معلوم ان الجمعيات لا تصبح قانونية إلا بعد تسليمها لملفها الكامل لدى السلطة المحلية، وهو ما يستوجب وحدة الإدارة وأن الأشخاص في تعاملهم مع إدارات الدولة وجب أن لا يتم إرهاقهم في كل مرة بنفس الوثائق، مع تأكيدنا على الإسراع بإخراج سجل للجمعيات الكتروني وطني كافي للتعرف على الجمعيات القانونية من غيرها و أيضا مفتوح للجميع في إطار الحق في المعلومة.

واشترطت المادة 12صدور نص تنظيمي يحدد مسطرة إيداع طلبات الترخيص ودراستها، في ما نصت المواد من 13 إلى 16 على كل من مدة صلاحية الترخيص التي لا تتجاوز لمدة سنة وأنه يمنع التغيير في الترخيص إلا باتباع نفس مسطرة تسلم الترخيص وختام هذا الباب نص على ضرورة تقيد الهيئات بالقانون 09/08 المتعلق بحماية المعطيات الشخصية.

وخصص مشروع القانون الباب الثالث لتنظيم عمليات جمع التبرعات للعموم، فتناولت المادة 17 منه تقييدا آخر تمثل في ضرورة إخبار السلطة المحلية مرة أخرى ة بعد الحصول على الترخيص وذلك قبل 48 ساعة من انطلاق دعوة العموم للتبرع، وأوضحت المادة 18 شكل إعلانات دعوة العموم، في ما تطرقت باقي مواد هذا الباب إلى وجوب انجاز توكيل لفائدة كل شخص مكلف بجمع التبرعات من طرف الهيئة الحائزة و الفائزة بالترخيص وضرورة توفر التبرعات العينية على نفس شروط الصحة و السلامة المطبقة على السلع، أيضا إحداث حساب بنكي خاص بجمع التبرعات تنتهي صلاحيته بانتهاء الترخيص،وختم الباب بضرورة الإخبار بحصيلة جمع التبرعات بكل الوسائل المتاحة بحصيلة التبرعات.

إذا كان المشرع في الباب السابق قد فصل في التنظيم فإنه خص الباب الرابع للمراقبة، ووضع ضمن مواده من 23 الى 25 أجالات للجمعيات لتقديم تقارير إلزامية، التقرير الأول يتعلق بسير عملية جمع التبرعات وجب وضعه داخل اجل 30 يوم من انتهاء عملية الجمع، أما الثاني فهو تقرير مرفق بكافة الوثائق التي تثبت تحقيق الغرض من التبرع وإذا تجاوزت حصيلة التبرعات مليون درهم وجب إضافة تقرير مالي مصادق عليه من طرف خبير محاسب وذلك في أجل 30 يوم، أما الثالث فخصص له المشروع أجل 60 يوم لتحويل الأموال المتبقية من التبرعات بعد تحقيق الغرض المعلن لها وذلك لجمعية أو لمؤسسة خيرية تحددها الإدارة، وهنا يتضح منه تضييق إضافي من طرف الإدارة حتى في اختيار من يؤول له المتبقي من التبرعات وعدم استفادة الهيئة المنظمة رغم مجهوداته في القيام بكافة العمليات تطوعا وحتى الجمعيات التي بذلت مجهود في الجمع والتوزيع لن تستطيع الاستفادة من الفائض لتغطية نفقات تسييرها وإدارتها وهذا لا يساهم في تشجيع الهيئات على الاستمرار في القيام بهذا العمل.

أما المواد المتبقية بهذا الباب من 26 إلى 29 فهي التي يمكن من خلالها للإدارة التدخل مباشرة في وقف عملية جمع التبرعات وإمكانية لجوءها للقضاء الاستعجالي المختص لاستصدار أمر بحجز التبرعات بعد اتخاذها لقرار إيقاف عملية الجمع أو عدم تحويل فائض التبرعات لجهة مختارة من الإدارة أو جمعية لها نفس الأهداف، كما أن الإدارة لها كامل الصلاحية في الاطلاع على كافة المعلومات والمعطيات والوثائق المتعلقة بحملة التبرع ولا يمكن مواجهتها بالسر المهني للإدارات كما الشأن بالنسبة للمؤسسات البنكية وباقي المؤسسات.

بالنسبة للباب الخامس من المشروع فقد تم تخصيصه لشروط وقواعد التوزيع، وكما جاء بخصوص إعلان جمع التبرعات أعلاه، فانه ضمن المادة 30 أوجب التصريح من الهيئة للعامل الذي سيتم التوزيع بتراب إقليمه قبل 10 أيام من التاريخ المحدد لبداية التوزيع واستثناء تخفيض المدة في 24 ساعة بالنسبة للحالات التي تستدعي التدخل العاجل وختمت المادة بصدور نص تنظيمي يحدد مسطرة التصريح بالتوزيع.

وقد تناولت باقي مواد هذا الباب السلطة التقديرية الممنوحة للعامل في الاعتراض على التوزيع بالتأجيل أو التوقيف في حالة المس بالنظام العام أو التزامن مع فترة الانتخابات، كما منحت المادة 32 للعامل صلاحية تشكيل لجنة لديه مهمتها تحديد المناطق الهشة وتوازيها المادة 38 وهي الأخيرة بهذا الباب التي نصت على وجوب تأهيل الإدارة للقيام بمهام جمع التبرعات وتوزيعها لحالات خاصة تتمثل في ضحايا الكوارث و الحروب وفي إطار التضامن الوطني والدولي أما المادة 37 فقد كلفت العامل بوجوب إعداد تقارير دورية يرفعها للسلطة الحكومية المعنية، وما يسجل بهذا الباب في ما له علاقة بتحميل الفاعل الجمعوي المسؤولية الجسيمة هو ما نصت عليه المادة 36 التي تحمل الهيئة الموزعة كامل المسؤولية في حالة وقوع أضرار تلحق بالغير، وبعدها صرحت المادة بأن العامل وجب عليه اتخاذ تدابير حفظ النظام العام خلال عملية التوزيع، وتبقى الجهة الموزعة دائما في تفاعل تام مع الإدارة وإجابتها عن كل طلب تتقدم به و وجب عليها داخل أجل 30 يوم تقديم تقرير مفصل حول عملية التوزيع ابتداء من تاريخ نهاية هذه العملية.

أما البابين الأخيرين من مشروع القانون فقد تم تخصيص أحدهما للعقوبات وضم 6 مواد ، منها خمسة تتعلق بالعقوبات في حالة مخالفة مقتضيات هذا القانون وتراوحت الغرامات المحكوم بها بين 5000 درهم كحد أدنى بخصوص إغفال احد المعلومات الواجبة بالإعلان أو مخالفة مقتضيات المادة 19 وغيرها و أقصى غرامة تصل الى 500.000 ألف درهم لمؤسسة إعلامية أو صحيفة تبث أو تنشر إعلان للتبرع يخالف القانون وبين 50.000 و 100.000 في حالة الإخلال بالمقتضيات الواردة بالمادة 3 من المشروع، في ما المادة الأخيرة من هذا الباب فهي نصت على مضاعفة العقوبات في حالة العود أي التكرار بعد التعرض للعقوبة الأولى، أما الباب الأخير من المشروع فهو ثابت من الثوابت بكل التشريعات و القوانين ومتعلق بالأحكام الختامية والانتقالية وما يلاحظ بشأنها نسخ القانون المتعلق بالإحسان العمومي الحالي مع استمرار سريان النصوص التطبيقية له الى حين صدور النصوص التنظيمية بالمشروع الحالي.

ثالثا: الخاتمة

ما نسجله بكل أسف أن هذا المشروع إذا ما تمت المصادقة عليه بهذه الصياغة فانه أكيد سينهي عمل العديد من الجمعيات و الفاعلين المدنيين في المجال الاجتماعي الإنساني بصفتهم ركيزة من الركائز الأساسية التي تساهم في استمرار التوازن بالمجتمع و الحفاظ على الأمن الاجتماعي وما له من آثار في الحفاظ على الاستقرار وعدم تنامي احتجاجات الفئات الهشة والضعيفة التي قد تعاني من غلاء المعيشة.

فإنه إذا كانت هناك حاجة إلى تنظيم وتأطير العمل الإحساني والرفع من مستواه وتشجيعه وتبسيط المساطر لأجل استمرار أداء دوره على الوجه المطلوب وتحسين مستواه، فقد تفاجأ الجمعويين باستمرار تكبيل المتطوعين والمتطوعات في هذا المجال بمساطر تظهر أنها غير يسيرة ومخالفتها يؤدي إلى عقوبات صارمة وباهضة مع الاحتفاظ بالاختصاص للعمال كسلطة إدارية وجب إشراكها لتسهيل كافة المراحل إلى حين بلوغ الإعانات للفئات الهشة والمعوزة وتطوير ذلك للإسهام في انجاز المشاريع التنموية بالأوساط و المجالات التي لازالت تعاني من هشاشة وضعف في بنياتها التحتية.

وحيث إن إلزام الفاعلين الجمعويين بالترخيص بدل التصريح المعمول به في تأسيس الجمعيات وفي باقي أنشطتها، ومنح العمال حق المنع و اللجوء للقضاء للحجز على ما تم جمعه إلى غيره من تقارير وجب تسليمها لهم داخل آجال ضيقة وأجل سنة واحدة لصلاحية الترخيص مع تدقيق بالشكل المطلوب وفي غياب تمكين الجمعيات بالمشروع من حق الطعن في حالة الرفض، وأرى أنه بالإمكان التفكير في بدائل لهذه الإجراءات تسهم فيها السلطة المحلية في مصاحبة الفاعلين المدنيين ومساعدتهم لتحقيق أهدافهم النبيلة المتعلقة بالقيام بالأعمال الخيرية.

ختاما المطلوب اليوم من النسيج الجمعوي الاجتماعي الوطني وكافة الفعاليات الجمعوية والحقوقية الرفع من مستوى اليقظة و متابعة هذا المشروع قبل المصادقة عليه بالبرلمان والعمل على تحصين المكتسبات التي راكمها الفعل الجمعوي بالمغرب منذ الاستقلال والمطالبة بتوفير إطار قانوني متوازن يحمي المتطوعين و المتطوعات من دون ضرر و لا ضرار ويسهم في تشجيع قيام المجتمع المدني بأدواره بمختلف مجالاته.

جواد بوزيد

محامي بهيئة المحامين بأكادير

رئيس الاتحاد الجمعوي انزكان أيت ملول

حرر بأيت ملول 4 ماي 2020

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى