وقفة مع حديث نبوي شريف – عبد الحق لمهى

من الأحاديث الثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له“.  صحيح – رواه مسلم[1]

وللحديث شروح عديدة أذكر منها ما يلي ” أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الأشياء التي ينتفع بها صاحبها بعد موته، إذ أن الميت ينقطع عمله من حيث زيادة الحسنات إلا من ثلاثة أعمال، وهيأولًا: الصدقة غير المنقطعة، والتي يجري ثوابها ويدوم، كالوقف، وما يديم وليه أو صاحبه إجراءه عنه، كالأضحية، وثانيًاعلم نافع يحصل نفعه للناس، كأن يعلم شخصًا، فيقوم ذلك الشخص بنشر ذلك العلم بعد موته، أو يصنف كتابًا، فينتفع به الناس بعد موته، أو ينشر السنة وعقيدة السلف بالوسائل الحديثة التي تحفظ العلم إلى ما شاء الله من الدهر، وثالثًاأن يكون له ولدٌ صالحٌ يدعو لوالديه بالرحمة والمغفرة ونحوهما، وكذلك لو دعا غير الولد سيستفيد الميت، ولكن الذي يستمر في الدعاء للشخص غالبًا إلى أن يموت هو ولده. فعمل الميت منقطع بموته، لكن هذه الأشياء لما كان هو سببها، من اكتساب الولد، وبثه للعلم عند من حمله عنه، وإيقافه هذه الصدقة، بقيت له أجورها ما بقيت، ووجدت، وكثير مما يذكره بعض العلماء مما يبقى أجره بعد الموت هو داخل في الصدقة الجارية كبناء مسجد وحفر بئر“.[2]

أقف مع هذا الحديث وقفة مع قوله عليه السلام “أو ولد صالح يدعو له“.   وأقول مستعينا بالله سبحانه وتعالى.

ـ أن الموت حق ولازم في حق الإنسان، وهذا أمر معلوم لكل مؤمن بالله، ويدل لذلك غير ما شاهد من القرآن والسنة، ولا شك أن هذا الداء/ الموت الذي لا علاج له كما هو معلوم لدى المطلع على كلام رسول الله عليه السلام يترك أثره في نفوس الأهل والولد، وليس المقصود الوقوف على هذا الأمر بالتفصيل. ولكن غاية المقال البحث عن سبيل استمرار عمل الميت بعد موته والبكاء المشروع عليه وتجهيزه ودفنه واستقبال واجب العزاء فيه، وكل ما له علاقة بحدث الوفاة بشكل عام، مما هو مفصل في كتب الفقه الإسلامي لمن رام ضبط تفاصيله على وجه التمام والكمال مع الأدلة الشرعية.

ـ جوابا عن السؤال المطروح قبلُ وهو ” كيف السبيل استمرار عمل الميت بعد موته…؟”، يمكن القول أن  في هذا الحديث النبوي الشريف ما فيه من الجواب البلسم للجراح لمن فقدوا آبائهم وخلف فقدهم جراحا عميقة في نفوسهم، فإلى الذين أصابتهم مصيبة فقد الآباء، وألمَّ بهم الحزن والألم الشديدين، وظنوا أن لا سبيل إلى استمرار الصلة مع من فقدوا، حتى أن بعضهم تتواصل عليه أيام طويلة وهو كله حسرة على ما فاته من الفضل والخير مع والديه إحسانا إليهما وبَرًّا بهما، يتمنى لو أن الزمن استدار ورجع بهما إلى الحياة من جديد ليسعد بهما ويحسن إليهما إحسانا كثيرا، يعوض فيه ما فات ، ولكن هيهات من عودهما من جديد إلا أن تقوم الساعة.

ـ ما العمل يا ترى وقد انقطع عمل من مات من الآباء؟  الجواب واضح جلي في قوله عليه السلام “أو ولد صالح يدعو له”.  ففي هذا القول ما فيه من المعاني والدلالات، ومن ذلك:

ـ أن من كان يحب أبويه وخلف فقدانهما ما خلف من الجراح في نفسه، فما عليه سوى المبادرة إلى إصلاح نفسه ففي ذلك ما فيه من استمرار عمل من وري الثرى ووقع الظن ألا أثر بقي له بعد أن وافته المنية.

ـ ويتفرع عن هذا الجواب الأخير مجموعة من المعاني الأخرى منها، التي يمكن عدها ـ بدون تفصيل فيها ـ من صلاح الولد، ومنها:

ـ طلب العلم ما استطاع الإنسان إلى ذلك سبيلا، وأضعف الإيمان ـ في نظري ـ أن يكون محبا لأهله.

ـ الإحسان إلى الأهل وبذل الجهد في ذلك، فذلك من العمل الصالح لما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام من تأكيد على خيرية المسلم لأهله.

ـ معاملة الناس بأخلاق الإسلام، وخاصة عند الخصومات والخلاف الشديد، من أجَلِّ صور الصلاح.

ـ إتقان الأعمال والمهن، فيحسن بكل ذي مهنة أن يتقنها إتقانا ويبلغ في ذلك جهده.

ـ التزام الحياء في المظهر والمخبر في كل حياة المرء.

ـ حسن الخلق وتجنب البذيء من القول والفعل.

وغير ذلك كثير، مما لا يتسع المقام لبسطه في هاته الأسطر، كل ذلك يعد من العمل الصالح الذي إذا التزمه الولد كان ولدا صالحا، يجلب لآبائه الخير والفضل أمواتا، ومن ثم ضامنا لعدم انقطاع عملهم إن شاء الله.

فهذه كلمات أرجو أن تكون صدقة لي ولوالدي، ونفعا لمن قرأها وبلغها لمن لا يحسن القراءة فأفاد واستفاد، فحصل بذلك كله ما يكون سببا لعمارة الأرض بالخير والصلاح، وذخرا لما يأتي يوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

والحمد لله رب العالمين.

 

**

[1] ـhttps://hadeethenc.com/ar/browse/hadith/65566

[2] ـ https://hadeethenc.com/ar/browse/hadith/65566

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى