محمد يتيم يكتب: لغة التكفير بين التكفير الديني والتكفير السياسي

التكفير له أشكال وألوان، فقد يتخذ شكل تكفير ديني وإخراج من الملة، كما قد يتخذ شكل تكفير سياسي أي إخراج من الجماعة الدينية أو الوطنية أو السياسية. والمتأمل في تاريخنا وحاضرنا سيلاحظ أن هناك علاقة بين هذين النوعين من التفكيرين،وفي كثير من الأحيان ينتهي التكفير السياسي إلى إنتاج تكفير ديني.

وهذه مسألة ليست جديدة في تاريخ المسلمين إذ أن الخلاف في التقدير السياسي وفي القضايا ذات الصلة بانتقال الإمامة في الصدر الأول من الإسلام سرعان ما ستنتقل إلى منطقة العقيدة. ولعل النقاش الكلامي الذي عرفه التاريخ الإسلامي شاهد على ذلك .

فقضية مرتكب الكبيرة لم تكن تنصرف في البداية إلى الكبائر العقدية أو الأخلاقية، فالكبيرة كانت عند الخوارج هي قبول علي رضي الله عنه للتحكيم، وبناء على ذلك اعتبر الخوارج هذا الأمر كبيرة بدعوى أنه ” لا حكم إلا لله ” وقبول التحكيم كان تقديرا اجتهاديا .. في حين ستعتبر شيعة علي أن الكبيرة هي اغتصاب ” الخلافة من أولى الناس بها بمقتضى ما يعتبرونه ” وصية “.

وتناسلت بعد ذلك المواقف بين مكفر لمرتكب الكبيرة وبين من اعتبره فاسقا أو في منزلة بين المنزلتين وبين ما أرجأ أمره إلى الله . للأسف الشديد فإن لغة التكفير لا يزال لها أنصار ومتعصبون … ومتنطعون، لهم شبه من حيث الطبيعة بالخوارج مثل ذلك الرجل المتنطع الذي جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم يقول له ” اعدل فإنك لم تعدل “.

إن خطابا من قبيل ” القول السديد في أن دخول المجالس النيابية ينافي التوحيد ” نموذج دال على آليات اشتغال التفكير بمنطق الإخراج عن الملة والإخراج عن الجماعة !! لقد قرأت تعليقات مرعبة من بعض المدونين -على قلتها- على هامش خبر تأسيس جمعية مدنية من قبل الأخ عبد العزيز رباح .. تدوينات طافحة بأحكام الحدية وتفتيش في النوايا وتشكيك فيها وباختصار ب” التكفير السياسي ” وفكر المؤامرة والتآمر.

ومن المعلوم أن هناك خيطا رقيقا بين التكفير السياسي والتكفير الديني، حيث أن الإخراج من الجماعة السياسية ليس سوى مقدمة للإخراج من الجماعة الدينية. ودفعا لكل التباس أعيد التنبيه إلى أنه قد سبق لي أن بينت موقفي من تأسيس حزب سياسي قبل الاعلان عن المبادرة التي لم تعلن عن نفسها لحد الساعة كحزب سياسيى. وسبق في استجواب مع “جريدة الأيام” أن أعلنت ذلك ومقتطفات منه منشورة على صفحتي .

وقبل أيام دافعت عن حق أي عضو في الانسحاب من الحزب أو البقاء فيه باعتباره ممارسا للحرية. وأجدد التأكيد على أن لغة الاتهام والتخوين لغة خطيرة ومرعبة، علما أن الله تعالى خير عباده بين الإيمان والكفر في مجال العقيدة التي يرتبط بها مصير الإنسان الأخروي حيث قال الله تعالى ” فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”، وقال سبحانه أيضا ” لا إكراه في الدين ” و العقيدة هي أس الدين . ومن باب أولى أن لا إكراه في الشريعة ولا إكراه في السياسية، ولا إكراه في الانتماء الحزبي أو الاستقالة الحزبية. وحتى في حالة تأسيس حزب جديد، فذلك مقتضى من مقتضيات الحرية التى فطر الله عليها الإنسان، والشريعة تنزع منزع الحرية كما يقول الطاهر بن عاشور !

تبعا لذلك فلغة التخوين أو التكفير السياسي، هي لغة خطيرة وتنم عن تعصب للأشخاص والهيئات إذ أنها تعتبر المخالف السياسي أو المنتقد لتنظيم معين أو قيادة معينة طابورا خامسا أو شخصا مسخرا أو يخدم أجندة خارجية !! وهو طعن في ولاء الأشخاص وتشكيك في نواياهم .. وهذا أسلوب من أساليب القتل المعنوي لا يختلف كثيرا عن القتل المادي . وينبغي أن تكون هذه اللغة مدانة وما قد يحرض عليها أو يوحي بها أو يفضي إليها مدانا.. وأتساءل ماذا لو كان يفكر بهذه الطريقة من يمتلك سلطة من خلالها يستطيع إيذاء ” الخونة ” و البيادق”الذين تحركهم جهات وأجندات ” !! خطاب مرعب.. !!

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى