لماذا يجب علينا أن نتوب إلى الله على الدوام؟ – رشيد وجري

التوبة أو رجوع العبد إلى الله تعالى ربه الغفور الرحيم، أول المنازل وأوسطها وآخرها، قال الله تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)‏ ‏ ‏[‏النور‏:‏ 31‏]‏، وهي منزلة تعنى بتطهير النفس من الذنوب والخطايا والارتقاء بها إلى أعلى الدرجات والرتب وهي كذلك للإنسان سبيل النجاة والزيادة وطريق الفلاح والسعادة.

والتوبة ينبوع فياض لكل خير في الدنيا والآخرة ويجب ألا يستغني عنها شاب ولا شيخ، ذكر ولا أنثى رئيس ولا مرؤوس وهي في غاية الأهمية تلزم الكل، المبتدئ والمنتهي، السالك والواصل، التلميذ والمعلم.. ويجب أن يستحضرها العبد أينما حل وارتحل حتى يلقى الله تعالى وهو عنه راض قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة) رواه مسلم.

كما أن التوبة هي الهداية الواقية من اليأس والقنوط وجذوة الأمل المشعة بالنور والفريضة الملحة والهامة في حياة الإنسان الذي يريد التقرب إلى مولاه لينال رضاه، بلى إن التوبة اليوم أكثر طلبا وإلحاحا وأهمية لكثرة المطبَّات والمغريات والفتن ما ظهر منها وما بطن فتن كقطع الليل المظلم، نسأل الله تعالى أن يعيننا على تجاوزها والتخلص منها ويتوب علينا.

فلماذا يجب علينا أن نتوب إلى الله تعالى على الدوام خاصة في شهر الصيام ؟

  1. لأن التوبة من أجَلِّ العبادات و أعظم القربات إلى الله تعالى وبها نعود إلى طريق الله تعالى قال عز من قائل : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) [الذاريات: 56].لذلك فأتوب تقربا إلى الله سبحانه
  2. طاعة لأمر الله عز وجل، قال سبحانه: (‏‏وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)‏‏ ‏[‏النور‏:‏ 31‏]‏، وقوله سبحانه ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾ [التحريم: 8].
  3. فرارا من الظلم إلى الفلاح، قال عز من قائل: (وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الحجرات 11]، فتب أيها العبد العاصي وإلا ستدخل في عداد الظالمين بنص الآية الكريمة.
  4. لطلب سعادة الدارين : فالسعادة بغير توبة وهم وسراب يحسبه الظمآن ماء، بلى إن من يتلذذ بالمعاصي والذنوب فإنه مريض في نفسه وذوقه يحتاج إلى علاج كمن ألِف العيش وسط الزبالة فتعود على منظرها البشع المقزز ورائحتها النتنة المنفرة حتى أنه لم يعد يحس ويشعر بما فيها من قذارة ونجاسة بسبب إيلافه لها وتعوده عليها؟؟
  5. أتوب كي يفرح الله سبحانه وتعالى وأكون سببا في ذلك والفرح هنا كما يليق بجلال الله وجماله وكماله قال صلى الله عليه وسلم: (الَلَّهُ أفْرَحُ بتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِن رَجُلٍ نَزَلَ مَنْزِلًا وبِهِ مَهْلَكَةٌ، ومعهُ راحِلَتُهُ، عليها طَعامُهُ وشَرابُهُ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنامَ نَوْمَةً، فاسْتَيْقَظَ وقدْ ذَهَبَتْ راحِلَتُهُ، حتَّى إذا اشْتَدَّ عليه الحَرُّ والعَطَشُ أوْ ما شاءَ اللَّهُ، قالَ: أرْجِعُ إلى مَكانِي، فَرَجَعَ فَنامَ نَوْمَةً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فإذا راحِلَتُهُ عِنْدَهُ). (رواه البخاري)، وفي رواية أنه قال من شدة الفرح (اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح)، ولله المثل الأعلى، وهذا مِن رحمته بعباده، وعظيم لُطفه بهم، فضلًا عن قبول التوبة والأمر بها.
  6. والتوبةُ فَرضٌ عين على كل مسلم مِنَ اللهِ تعالى على كُلِّ من عَلِمَ مِن نَفْسِه ذنبًا صغيرًا أو كبيرًا؛ لقَولِه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} [التحريم: 8]، وقال أيضا: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31]، وقال عز وجل: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} [النساء: 17]، فكُلُّ مُذنِبٍ فهو عند مواقَعةِ الذَّنبِ جاهِلٌ وإن كان عالِمًا، ومن تاب قبل الموتِ تاب من قَريبٍ. قال القرطبي رحمه الله: واتفقت الأمة على أن التوبة فرض عين على المؤمنين”، والتَّوبةُ كذلك ممكنةٌ في كُلِ حينٍ وآن، بابُها دَومًا مفتوح للناس، ودخولها في كُلِّ وقتٍ مسموح، ما لم تأتي سَكرةُ الموتِ وتُغرغِرُ الروح أو تقوم الساعة ..
  7. فرارا من العذاب والحجاب والأعداء والأدواء: قال الله تعالى 🙁 فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ) [الذاريات: 50].. إننا بالتوبة النصوح نفر إلى المولى جل في علاه من كل الأعداء من الهوى والشيطان والنفس الأمارة بالسوء، ونفر إلى الله من الهوى والمعاصي والذنوب والشبهات والشهوات، ونفر من الدنيا وزخارفها..
  8. استجلابا لمحبة الله تعالى لنا، قال تعالى: (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) [البقرة:222]. وإذا أحبك الله تعالى وفقك وسددك وأسعدك ورفع قدرك وماذا تريد بعد كل هذه العطايا والمزايا؟!

بلى إن سببا واحدا مما ذكرنا آنفا كاف ليجعلنا نطلب التوبة على الدوام خاصة في شهر فضيل ومبارك كرمضان شهر الطاعة والغفران والعتق من النيران، نطلب التوبة عسى ربنا أن يرحمنا في الدنيا والآخرة، والتوبة يا عبد الله تكون بإخلاص النية لله تعالى والإقلاع عن الذنب حالا دون تسويف (في الحاضر) والندم على ما سلف من الذنوب (في الماضي) والعزم على عدم العودة لها (في المستقبل) ورد المظالم إلى أهلها في حالة تعلق الأمر بحق آدمي (تبرئة الذمة)، ويساعدنا على تحصيل هذه التوبة الابتعاد عن رفقة السوء وموطن المعصية وإدراك عواقب الذنوب الوخيمة وآثارها السيئة وتجنب الفراغ وإشغال النفس بما ينفعها هذا كله مع طلب التوفيق والعون من الله التواب الرحيم.

وختاما أخي الحبيب لنسارع جميعا إلى التوبة ونحذر من التسويف والتماطل والتأجيل فهي معاصي في حد ذاتها تحتاج منا إلى توبة نصوح ولنعلم حقيقة أن الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل، فلنتب قبل حضور الأجل وانقطاع الأمل حيث لا تنفع عنده توبة و لا عمل.

نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من التوابين المتطهرين، سُبحانَك اللَّهُمَّ وبحَمْدِك أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا أنت، أستَغفِرُك وأتوبُ إليك، عَمِلتُ سُوءًا وظلَمْتُ نفسي، فاغفِرْ لي؛ إنَّه لا يَغفِرُ الذُّنوبَ إلَّا أنت.

آمين والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى