سليمان صدقي: إدماج الأمازيغية يحتاج إعمال مقاربات علمية و نثمن إقرار الاحتفال برأس السنة

يحتفل المغاربة غدا الأحد المقبل 14 يناير 2024 برأس السنة الأمازيغية 2974 لأول مرة بعد إقرارها من قبل الملك محمد السادس كعطلة وطنية رسمية، مؤدى عنها على غرار فاتح محرم من السنة الهجرية ورأس السنة الميلادية. وبهذه المناسبة أجرى موقع “الإصلاح” حوارا مع الأستاذ سليمان صدقي رئيس الرابطة المغربية للأمازيغية.

وتطرق الحوار لدلالات هذا الاحتفال، والإجراءات التي تضمنها قانون المالية للسنة الحالية ومدى مساهمتها في النهوض بالطابع الرسمي للأمازيغية، ورؤية الرابطة المغربية للأمازيغية أحد مكونات الدفاع عن القضية الأمازيغية بالمغرب لتعزيز حضور الأمازيغية، وفيما يلي نص الحوار:

أقر الملك محمد السادس رأس السنة الأمازيغية في شهر ماي 2023  عطلة وطنية رسمية مؤدى عنها،  وتم تحديد يوم 14 يناير، كيف تلقيتم هذا القرار ؟

بسم الله الرحمن الرحيم، شكرا مجددا لموقع الإصلاح على فتح هذه القناة للتواصل مع زوار الموقع وعموم المغاربة.

 نعتبر في الرابطة المغربية للأمازيغية أن كل قرار من شأنه رد الاعتبار للأمازيغية والهوية الوطنية الجامعة، مسار إيجابي نثمنه وندعمه وننخرط فيه حسب إمكاناتنا المتاحة في اطار القانون، وسبق لنا في الرابطة أن نادينا مرارا بإعادة الاعتبار للثقافة الأمازيغية باعتبارها رافدا رئيسيا من روافد هويتنا الوطنية الجامعة. في هذا الصدد طالبت في عدد من المناسبات بترسيم السنة الأمازيغية وجعل فاتح السنة الأمازيغية من كل سنة يوم عطلة وطني مؤدى عنه.

وقد استبشرنا خيرا بهذا القرار التاريخي الذي بموجبه يتم الاحتفاء لأول مرة وبشكل رسمي بالسنة الأمازيغية باعتبارها أحد الروافد الأساسية لهويتنا الوطنية الجامعة، وهو في اعتقادنا تطور إيجابي في مسار حماية الأمازيغية وتنمية استعمالها وتعزيز مسار ادماجها في الحياة العامة.

واسمحوا لي لانتهز هذه الفرصة، لأعيد تنبيه الفاعل العمومي خاصة الحكومة الحالية مجددا، للمسار البطيء الذي يعرفه مسار تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، خاصة ما تعلق بتنزيل مقتضيات القانون التنظيمي رقم 16-26 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وتأخر اخراج مؤسسة المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية وغياب إرادة سياسية حقيقة من الفاعل الحكومي لتطبيق مقتضيات القانون التنظيمي رقم 04.16 المنظم للمجلس.

خصص قانون المالية الأخير نفقات مالية لتأطير ورش تعزيز استعمال اللغة الأمازيغية، تنزيلا لمقتضيات القانون التنظيمي 16-26 في أفق إيصال النفقة الاجمالية لمليار درهم سنة 2026، كيف ترون هذه الإجراء؟ هل من شأن ذلك النهوض بالطابع الرسمي لها؟

لا بد من إبداء ملاحظات منهجية مهمة سبق لنا وأن نبهنا لها مرارا وتكرارا. اولاها كون الصندوق الذي أدمجت فيه الأمازيغية ما هو إلا صندوق قديم مخصص في الأصل لتحديث الإدارة العمومية أحدث منذ سنة 2005 في اطار قانون المالية السنوي. مع الأسف بدل أن تقوم الحكومة الحالية بخلق صندوق خاص بالأمازيغية لجأت لهذا الحل الترقيعي بتعويم الامازيغية في صندوق مكلف بالأساس بمهام تحديث الإدارة العمومية، ما يؤكد من جديد تخبط الجهاز التنفيذي في تدبير ورش وطني يحظى برعاية ملكية خاصة.

وما يزيد من تأكيد ذلك، أن الحكومة الحالية سبق وأن أعلنت في برنامجها الحكومي 2021-2026 عزمها على خلق صندوق خاص للأمازيغية مع خلق لجان استشارية جهوية ووطنية تضم في تكوينها ممثلي القطاعات الوزارية وتنفتح على شخصيات مهتمة بالشأن الثقافي الأمازيغي، وذلك من أجل تعزيز حكامة هذا الصندوق، وهو الوعد الحكومي الذي بقي حبرا على ورق، ويؤكد ما قلته قبلا في تخبط الحكومة الحالية في تدبير هذا الورش الهام.

هذا مع إصرار غير مفهوم للحكومة الحالية على الغاء عدد من الآليات التي أطلقت في المرحلة السابقة والتي تهم تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وتسريع ادماجها، كاللجنة الوزارية الدائمة التي احدتث في عهد العثماني منذ 2020 تفعيلا لمقتضيات المادة 32 من القانون 26-16، وغياب أي مبادرة لتطبيق مقتضيات المخطط الحكومي المندمج لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية الذي أطلقته الحكومة السابقة في ابريل 2021، والغريب تعهد رئيس الحكومة الحالية في يناير من السنة الماضية 2023 على تنزيل التزامات هذا المخطط…

وعلى مستوى المخصصات المالية، نعتقد أن المبلغ المالي المرصود (مليار درهم من 2022 إلى 2025)، هزيل جدا لا يكفي حتى للوفاء بثلث مقتضيات المادة 31 من القانون 16-26 التي تنص على مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وآليات تتبع ذلك، خاصة خلال السنوات الخمس الأولى في مختلف المجالات، مع الأخذ بعين الاعتبار أن نصف المبلغ سبق أن صرف خلال سنتي 2022 و2023 (500 مليون درهم) دون تقديم حصيلة ولا تقرير حول أوجه وطرق صرفه والقطاعات المستفيدة ونجاعة وأثر هذه النفقة على مستوى تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وحمايتها وتنمية استعمالها؟ بل ودون أن يلمس أي من المتابعين لهذا الملف أي أثر لهذه النفقة؟

وفي هذا الصدد ندعوا المؤسسات الدستورية لافتحاص هذا الصندوق وغيره من المؤسسات وعلى رأسها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية والقناة الثامنة (تمازيغت) وبرامج ومشاريع عدة منها على سبيل المثال طرق تفويت صفقات الترجمة للأمازيغية بالبرلمان التي توقفت فجأة… تثمينا لقيم شفافية تدبير المال العام، وتعزيزا لحكامة تدبير نفقات ومخصصات تهم الأمازيغية، وترسيخا لقاعدة ربط المسؤولية بالمحاسبة، وفي الآن ذاته تقييم نجاعة صرف النفقة المالية العمومية في مجال الأمازيغية، منعا لتحويل الأخيرة لفضاء لتوزيع الرشاوى السياسية على أطراف منتفعة محظوظة. وما وقفنا عليه أن البعض أمم الملف وحوله لملك خاص دون حسيب ولا رقيب !

تعتبر الرابطة المغربية للأمازيغية أحد مكونات الدفاع عن القضية الأمازيغية بالمغرب؟ ما هي رؤيتكم لتعزيز حضور الأمازيغية؟

راكمنا في الرابطة المغربية للأمازيغية على مدى عقد من اطلاق تجربتها في 26 أبريل 2014، تجربة وخبرة نوعية في مقاربتنا لهذا الورش الوطني الكبير، وفي الحقيقة فتأسيس الرابطة ما هو إلا نتيجة جهود المدرسة التي ينحدر منها الرواد المؤسسون على مدى عقدين على الأقل من المساهمة في النقاشات وبلورة التصورات والمطارحات الفكرية واللغوية والثقافية حول المسألة الأمازيغية، إلى جانب مختلف القوى الحية ببلادنا.

فرؤيتنا بذلك للمسألة الأمازيغية نتاج تراكم فكري وعلمي رصين، حيث نعتبرها ورشا حضاريا كبيرا. تحتاج اشكالاتها المختلفة لمقاربة حضارية وأجوبة عميقة، انطلاقا من ثوابت الأمة وعلى رأسها المرجعية الإسلامية، باعتبارها المرجعية الجامعة والموحدة لكل المغاربة على مدى قرون عدة.

وبعيدا عن المقاربات التقنوية التي تعتقد أن جوهر الامازيغية منحصر فقط في بلورة النص القانوني، أو دراسات لسنية ولغوية، أو المتحيزة لمقاربات تحاول “فلكلرة الأمازيغية” folklorisassions de Tamazightوقصرها في استعراضات سنوية روتينية ورقصات أحيدوس وأحواش، أو تلك التي حولت الأمازيغية لمجال محفوظ للإسترزاق السياسوي والكسب المالي، أوالتي تحاول توظيفها كمعطى لزعزة استقرار الوطن برفع شعارات ذات طابع عرقي وعنصري وطائفي، لتغذية نزوعات التطرف والانفصال ومعاداة ثوابت الأمة.

فالأمازيغية في نظرنا، بما هي إحدى الروافد الأساسية للهوية المغربية، ومحل إجماع وطني، تحتاج لنقاش مجتمعي هادئ وحوار وتواصل دائم باشراك جميع الفرقاء والاستماع لكل الآراء، كونها ملكا لكل المغاربة كقاعدة تاريخية أقرها الخطاب الملكي بأجدير منذ 2001، بدل الاقصاء الممنهج من عدد من المؤسسات والنقاشات المعنية بملف الأمازيغية لمكون أساسي وصوت مجتمعي واسع. مقاربة للأسف لا يزال البعض مصرا على تبنيها.

وفي نظرنا، يحتاج إنجاح مسار إدماج الأمازيغية وحمايتها وتنمية استعمالها، إعمال مقاربات علمية تتقاطع فيها الأبعاد الدينية والثقافية والتاريخية والأنثروبولوجية والاجتماعية والقانونية والسياسية، وبلورة سياسات عمومية ثقافية وتعليمية واقتصادية مندمجة ومنسجمة مع هوية البلد وتاريخه، دون إغفال تحقيق تنمية اجتماعية واقتصادية شاملة، قادرة على الاستجابة للمتطلبات الأساسية التي تضمن العيش الكريم للمواطن المغربي.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى