بنو إسرائيل وثنائية الخير والشر – نورالدين قربال

قال الله تعالى في حق بني إسرائيل: “وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب. إن ربك لسريع العقاب. وإنه لغفور رحيم” سورة الأعراف الآية 167.

ذهب المفسرون الأجلاء بأن الإيذان هو الإعلام الذي يبلغ فيدرك بالآذان، ويحمل في طياته تأكيد القسم. والمؤشر لام القسم ونون التوكيد وفعل المضارع الذي يرمز إلى الدينامية والحركية في ظل جملة فعلية تفيد الدوام وتعزز جواب القسم. والنداء خاص بمحمد عليه الصلاة والسلام. وعليهم تعني بني إسرائيل وغيرهم. إذن أعلم الرب تعالى القوم المرة بعد المرة ولكن لا حياة لمن تنادي.

لقد قضى الله تعالى في علمه وكتب على نفسه بناء على قانون اجتماعي بشري في إطار سنن كونية واجتماعية “ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب”.  إذن فالرب تعالى يريده ويوقعه بهم. يعاقبهم نتيجة ظلمهم وفسقهم وفسادهم. وقد ورد لغويا “سامه خسفا”. وسوء العذاب كناية عن الذل والإساءة والقهر وسلب النعم. وصدق الله العظيم “وإن عدتم عدنا”. الإسراء الآية 8. أي إن عدتم إلى الفساد في الأرض، عدنا إلى الإذلال والتعذيب.

لقد سلط الله تعالى على بني إسرائيل النصارى فسلبوا ملكهم بعد نجاتهم من بابل. وبعد عودتهم إلى المسلمين، عاشوا أعزاء وآمنين. وقد أمنهم المبعوث رحمة للعالمين على أنفسهم وحرية دينهم، لكن للأسف كادوا له، وغدروا به ومالوا إلى المشركين بالمؤازرة والنصرة. فأجلى بعضهم وقتل بعضا. وأجلى عمربن الخطاب ما بقي منهم. وعندما فتح رضي الله عنه بيت المقدس بالصلح، خرج بنو إسرائيل من أحضان الروم الجائرة إلى منظومة الإسلام العادلة. لكنهم للأسف ضلوا وأضلوا ومن تم فقدوا السلطة والاستقلال. لذلك ورد في قوله تعالى “والله سريع الحساب” لمن؟ للأمم التي تتمرد على أمره، وتبغي الفساد في الأرض مصداقا للنص القرآني “وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا” سورة الإسراء الآية 16.

أمرهم الله بالفضل، والرحمة، والعدل والحق، فعصوا وشقوا عصا الطاعة. وأفسدوا في الأرض وظلموا فحق عليهم الهلاك فورا بناء على سننه الخالدة، وتداول الأيام بين الناس. لكن في المقابل فتح الله تعالى باب الأمل. “وإنه لغفور رحيم”. لمن تخلى عن الفساد ولبي جبة الإصلاح الواسعة. “وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى” سورة طه الآية 81. وقوله “عسى ربكم أن يرحمكم ” سورة الإسراء الآية 8.

إن هذا الاختيار الإفسادي عرض بني إسرائيل إلى أن تضرب عليهم الذلة والمسكنة والعذاب إلى يوم القيامة. قال أحدهم “لا تقوم لهم راية ولاينصر لهم علم” وهذا وعد من الله تعالى لأن يوم القيامة مرتبط بفعل ليبعثن. رغم أن الله الكريم قرن بين الترغيب والترهيب في آخر الآية أي بين العقاب والمغفرة. بين الألم والأمل. وإذا طرحت شبهة أن القوم دولة وصولة، فإنهم معنويا موطن احتقار وكراهية وازدراء ونفور. وبهذا التدافع فهناك ضرورة ملحة على المسلمين والشرفاء والأحرار رد العزة المسلوبة، والكرامة المغصوبة. مصداقا لقوله تعالى “ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم” سورة الأنفال الآية 53.

وورد تاريخيا أنهم نتيجة هذا الاختيار الذي ألفوه ذاقوا القهر من قبل الكشدانيين والنصارى. لذلك “من” الواردة في النص القرآني جميع المتضررين من هذا الأذى الإسرائيلي الذي زاغ عن الآدمية وركب صهوة الأذى.

إذن تضمنت الآية الكريمة علم بخبر، وطاوعه الفعل ليفيد قوة الوقوع، والعلة أنهم زاغوا عن ملة اليهودية. ولم يكونوا أوفياء لها، والسرعة في عقابهم دليل على التحقيق، وهذا ما وقع لهم كما سبق ذكره مع ملك بابل، وتم خراب أورشليم مدينة السلام. وكذلك مع أمبراطور روما.

إن التضاريس الزمنية تثبت المواقف المتقلبة والمترددة الإيمانية من قبل بني إسرائيل. فغالبا ما يكون ديدنهم هو نشر الفساد وإشاعته، فهو عملهم المركزي، والطامة الكبرى أنهم يمارسون الفساد وهم ينتمون كما يدعون إلى دائرة دينية. لذلك عذبوا لأنهم أفسدوا وعذبوا لأنهم يدعون الانتساب إلى الله وهذا انحراف دائم. وواجه الرسول عليه الصلاة والسلام بني النضير وبني قريظة وبني قينقاع وخيبر. وقد يكون ممن أذاقهم العذاب من بني جلدتهم أو قريب منهم. “وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما يكسبون” سورة الأنعام الآية 129. وقوله تعالى” سيهزم الجمع ويولون الدبر” سورة القمر الآية 45.

والسؤال الذي طرحه البعض: كيف يهزم الجمع ونحن غير قادرين على حماية أنفسنا؟ لكن أدركها الصحابة عندما كان يرددها الرسول عليه الصلاة والسلام يوم بدر، إن معظم بني إسرائيل يشتغلون بوظيفة نشر الشر والقيام به في الوجود، والمؤشرات التاريخية شاهدة على ذلك. ولولا الشر لما أحس الإنسان بلذة الخير. ومن تم كان العقاب سريعا لناشري الشر. “إن ربك لسريع العقاب”. اما في الآخرة فيكون أسرع. كما جاء في الأثر” إذا مات أحدكم فقد قامت قيامته، فاعبدوا الله كأنكم ترونه، واستغفروه كل ساعة”. والإسراع بمعاقبة المفسدين رحمة للمظلومين، وهذا يعين على الالتحاق بنادي الرحمة، لأن الإسلام في عمقه رحمة للعالمين.

نخلص مما سبق وربطا بطوفان الأقصى وما ترتب عنة من عزة وكرامة نختم بالكلام النفيس الذي ذكره الدكتور والفيلسوف طه عبد الرحمان:

  • طوفان الأقصى استئناف جديد للحضارة وانبعاث للأمة.
  • المقاومة الفلسطينية تكتب اليوم تاريخ الأمة وتقود الإنسانية نحو النور.
  • لا معنى للوجود بدون مقاومة.
  • تساءل الدكتور طه عبد الرحمان: متى يكون لنا عقل يهزم العقل الصهيوني؟
  • أعظم مظهر للعقل العربي والإسلامي في العصر الحديث هو ما تجسد في طوفان الأقصى.
  • المقاوم الفلسطيني تحمل الأمانة ببراعة وتحمل المسؤولية بإحسان.
  • المقاومة الطوفانية حركة تحرر للإنسان.
  • ما يقع في غزة إجرام مطلق والصامت عنه مساهم في القتل.
  • المرابطة المقدسية مقاومة تلازم ثغور الأرض المقدسة.الجهاد في فلسطين ركيزة إسلامية، و”التطبيع” اجتثاث للفطرة.

أتمنى أن تعي الأمة نفحات طوفان الأقصى والتعاطف الدولي مع المقاومة الفلسطينية والانهزامية التي يشعر بها الصهاينة ونضال أحرار العالم من أجل العدالة وضد التطهير العرقي الذي يقوم به الصهاينة من أجل بناء حضاري متميز يجمع بين الرأسمال المادي وغير المادي وبين السماء والأرض وبين المدنية والقيم البانية. نتمنى ذلك.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى