خالد التواج يكتب: شهر رمضان والتكافل الاجتماعي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

تمهيد

رغب ديننا الحنيف في فعل كثير  من صور الخير والبر والتعاون والتكافل بصفة عامة، وقد حض على ذلك في شهر  رمضان بصفة خاصة، فمن مقاصد الصيام في الإسلام أن يكون المسلمون فيه كالجسد الواحد يتشاركون عبادة الامتناع عن الطعام والشراب والامتثال لأمر الله- سبحانه وتعالى، لا فرق في ذلك بين غنى وفقير أو ذكر وأنثى أو صغير و كبير، فيُعْظِمُ ذلك في نفوسهم قيم المشاركة والتعاون، فترى من يملك قوت يومه يصبر على الجوع والعطش كمن لا يملكه؛ فيصير المجتمع كالفرد الواحد، وهذا ما ربىَّ عليه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أصحابه؛ تحت شعار “الجسد الواحد”.

تشريع صوم رمضان والحكمة الاجتماعية

لا شك أن فرض الشارع الجوع إجباريا على الناس وإن كانوا قادرين، يوجد نوعا من المساواة الإلزامية في الحرمان، مما يدفعهم والموسرين منهم خاصة  إلى الإحساس بآلام الفقراء والمحرومين، أو كما قال ابن القيم : “يُذَكِّرُها بحال الأكباد الجائعة من المساكين.”[1]

وفي بيان ذلك يقول العلامة الكمال ابن الهمام: “كونه (أي الصوم)موجبا للرحمة والعطف على المساكين، فإنه لما ذاق ألم الجوع في بعض الأوقات ذكر من هذا حاله في عموم الأوقات فتُسارعُ إليه الرِقَّةُ عليه .”[2]

وصوم  رمضان يدوم شهرا كاملا، وفي ذلك تذكير عملي للمؤمنين بضرورة التراحم والمواساة فيما  بينهم، ولهذا روي في بعض الأحاديث تسمية رمضان “شهر المواساة”.[3]

وفي بيان معنى المواساة قال ابن مسكويه: “هي معاونةُ الأصدقاء والمستحقّين، ومشاركتُهم في الأموال والأقوات.”[4]

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:  “المواساة للمؤمنين أنواع: “مواساة بالمال ومواساة بالجاه، ومواساة بالبدن والخدمة، ومواساة بالنصيحة والإرشاد، مواساة بالدعاء والاستغفار، ومواساة بالتوجع لهم، وعلى قدر الإيمان تكون هذه المواساة، فكلما ضعف الإيمان ضعفت المواساة، وكلما قوي قويت، وكان صلى الله عليه وسلم أعظم الناس مواساة لأصحابه بذلك كله، فلأتباعه من المواساة بحسب اتباعهم له. “[5]

– والمواساة بالمال معروفة، لكنها صعبة على النفوس، وهي في نفس الوقت أشد نفعاً.

– والمواساة بالجاه، أي:  بالحكم والسلطان الذي يخدم الناس، وفي ذلك إشارة إلى مسؤولية الدولة في رعاية الفقراء والمحتاجين وتقديم الدعم  للفئات الهشة في المجتمع بما يحفظ كرامتهم ويضمن لهم العيش الكريم.

– ومواساة بالبدن والخدمة أي قضاء حوائج الناس ومساعدتهم مادام أن الله أعطاني صحة وعافية .

– ومواساة بالنصيحة والإرشاد وهذه من أهم أنواع المواساة.

– ومواساة بالدعاء والاستغفار لهم، قال ابن تيمية رحمه الله : ” ‏القتال يكون بالدعاء كما يكون باليد، قال ﷺ، وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم ، بدعائهم وصلاتهم وإخلاصهم !.” [6]. وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:” الدعاء من أنفع الأدوية وهو عدو البلاء يدفعه ويعالِجُه ويمنع نزوله ويرفعه او يخففه اذا نزل وهو سلاح المؤمن.”[7]

– ومواساة بالتوجع لهم.أي بالمشاركة الوجدانية لهم فيما يصيبهم.

وهذا عثمان بن عفان رضي الله عنه يتحدث عن مواساة  رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه، فقال: “إنا واللهِ قد صَحِبْنا رسول الله  صلى الله عليه وسلم  في السفر والحَضَر، يعود مَرْضانا، ويتبع جنائزنا، ويَغْزُو معنا، ويُواسينا بالقليل والكثير، وإن ناسًا يُعْلِمُوني به عسى أن لا يكون أحدهم رآه قَط.”[8]

من صور التكافل والتعاون بين المسلمين:

ومن أبرز صور التعاون والتكافل بين المسلمين في شهر رمضان تقديم الإفطار للصائمين، وهو من أفضل ما يتاب عليه، كما في حديث  زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا.”[9]

قوله “مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا” قيل المراد بتفطيره أن يشبعه، لأن هذا هو الذي ينفع الصائم طول ليله، وربما يستغني عن السحور. لكن ظاهر الحديث أن الإنسان لو فطر صائما ولو بتمرة واحدة، فإن له أجره. قال المناوي:  “من فطر صائماً  بعَشَائِه وكذا بتمر فإن لم يتيسر فبماء”. وقال ابن علان:”أي ولو بالماء.”[10]

وجاء في نزهة المتقين: “من فطر صائماً أي قدم له شيئاً يفطر عليه ولو تمرة أو شربة ماء .”[11]

ومن بين صور التعاون والتكافل التي تنتشر بين المسلمين في شهر رمضان تقديم الطعام للفقراء والمساكين، سواء كانوا أفرادا أو داخل مؤسسات اجتماعية، حتى اشتهر بين الناس “قفة رمضان” تشتمل على أنواع من الطعام والمأكولات، تغني المحتاج ليوم أو أسبوع أو شهر. وقد تكون المساعدة نقدا يشتري به الفقير ما يحتاجه من مأكل أو ملبس أو دواء أو يسدد به دينا.

ومما جاء في السنة النبوية في الحث على إطعام المساكين ما روي عن عائشة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ” مَن تَصَدَّقَ بعَدْلِ تَمْرَةٍ مِن كَسْبٍ طَيِّبٍ، ولَا يَقْبَلُ اللَّهُ إلَّا الطَّيِّبَ، وإنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ، كما يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ.”[12]

ومن الأدلة العملية في البذل في رمضان حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ الناسِ، وكان أَجْوَدَ ما يكونُ في رمضانَ حِينَ يَلْقاهُ جبريلُ، وكان يَلْقاهُ في كلِّ ليلة مِن رمضانَ فَيُدارِسُه القرآن، فَلَرسولُ الله صلى الله عليه وسلم أجْوَدُ بالخير من الريح المُرسَلة»[13]

وفي رواية أخرى : “كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أجودَ الناسِ بالخيرِ، وكان أجودَ ما يكون في شهرِ رمضانَ حتى ينسلِخَ ، فيأتيه جبريلُ فيعرضُ عليه القرآنَ ، فإذا لقِيَه جبريلُ كان رسولُ اللهِ أجودَ بالخيرِ من الرِّيحِ الْمُرسَلَةِ”.[14]

قوله: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس”، أي: أكثرهم جوداً، بماله وبدنه وعلمه ودعوته ونصيحته وكل ما ينفع الخلق، “وكان أجود ما يكون في رمضان”؛ لأن رمضان شهر الجود، يجود الله فيه على العباد، والعباد الموفقون يجودون على إخوانهم”

الريح المرسلة: ريح الرحمة التي يرسلها الله تعالى لإنزال الغيث العام. 

والجود هو سعة العطاء وكثرته، ويدخل فيه الصدقة وجميع أبواب البر والإحسان ويستفاد من هذا الحديث الترغيب في الجود في كل وقت، والزيادة فيه في رمضان. قال الشافعي رحمه الله تعالى: “أُحِبُّ للرجل الزيادة بالجُود في شهر رمضان؛ اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم  ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم؛ ولتشاغل كثير منهم بالصوم والصلاة عن مكاسبهم”[15]

والعلة في كون النبي ﷺ أجود ما يكون في رمضان، هي شرف وقته ومضاعفة أجره، وإعانة الصائمين والعابدين على طاعتهم فيستوجب المعين لهم مثل أجورهم.

قال ابن القيم واصفًا هديه صلى الله عليه وسلم في الصدقة والإحسان، وواصفًا جوده وكرمه في رمضان: “إذا فهمت ما تقدم من أخلاقه فينبغي على الأمة التأسي والاقتداء به في السخاء والكرم والجود، والإكثارُ من ذلك في شهر رمضان لحاجة الناس فيه إلى البر والإحسان ولشرف الزمان ومضاعفة أجر العامل فيه”.[16]

تشريع زكاة الفطر والتكافل بين المسلمين
ويدخل في معنى التكافل في شهر  رمضان تشريع زكاةِ الفِطرِ  فيه، ولها حِكَمٌ عظيمةٌ؛ منها:

1-  أنَّها طُهرةٌ للصَّائِمِ مِنَ اللَّغوِ والرَّفث.
2- أنَّها طُعمةٌ للمساكينِ؛ ليستغنوا بها عن السُّؤالِ يومَ العِيدِ، ويشتركوا مع الأغنياءِ في فرحةِ العيد.
وهاتان الحِكمتان: نُصَّ عليهما في حديثِ ابنِ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عنهما قال:” فرَضَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم زكاةَ الفِطر؛ طُهْرةً للصَّائِمِ مِنَ اللَّغوِ والرَّفَثِ، وطُعمةً للمَساكينِ، مَن أدَّاها قبل الصَّلاةِ فهي زكاةٌ مَقبولةٌ، ومَن أدَّاها بعد الصَّلاةِ فهي صدقةٌ مِنَ الصَّدقاتِ .” [17]

تشريع الفدية والكفارة لمن أخل بالصيام

الفدية هي ما يجب على المسلم المكلف الذى شق عليه الصيام بأن مرض مرضا لا يُرجى شفاءه فأفطر، وكذلك العجوز كبير السن الذى يعجز عن الصيام وتلحقه مشقة شديدة لا تُحتَمَل عادة، وعليه فدية طعام مسكين عن كل يوم من الأيام التي يفطرها من رمضان، لقوله تعالى: “وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ”.

وكفارة الإفطار  في شهر رمضان تكون لمن ارتكب محظورًا من محظورات الصيام، فكفارته عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً. وقال المالكية الإطعام أفضل؛ لأن فيه منفعة متعدية للغير.

والفدية والكفارة هما نموذج اجتماعي عملي وضعه الإسلام لكي يساعد المسلم أخاه المسلم، ولكي تكون توبة المسلم في ذاتها عوناً للفقراء والمحتاجين، فينال بها هو أجراً وينال بها الفقراء الغذاء والعيشَ الكريم.

أداء الزكاة المفروضة في المال وغيره

ويدخل في التكافل الاجتماعي بين المسلمين من باب الأولى أداء الزكاة  المفروضة، فمن كانت زكاته في رمضان، أو بعد رمضان ولكنه أخرجها في رمضان متعجلاً ليدرك فضيلة الزكاة في رمضان فإن هذا لا بأس به، أما إن كانت زكاته تجب قبل رمضان  كشهر رجب مثلاً ، فأخرها حتى يخرجها في رمضان فإن هذا لا يجوز، لأنه لا يجوز تأخير الزكاة عن وقتها إلا لعذر .
ويجوز إخراج الزكاة قبل انتهاء الحول بطريق التعجيل، فيُعجّل أداؤها قبل موعدها بحولين فأقل . ففي حديث عن علي رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم : “تعجَّل من العباس صدقة سنتين”[18] . وفي رواية :عن علي رضي الله عنه أن العباس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحل فرخص له في ذلك. “[19] 

إنفاق التطوع والصدقة في رمضان

وتتجلّى الحِكمة من تفضيل الصدقة في رمضان في أنّها من صُور الإحسان إلى الفقراء، وغيرهم من ذوي الحاجة، وإعانتهم على الإفطار والسحُور، كما أنّ البَذْل والعطاء في رمضان فيه مُوافقةٌ لربّ العالمين في عطائه؛ إذ ورد أنّ الله تعالى يعتق عدداً من عباده في كلّ ليلةٍ من ليالي رمضان، قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: “إذا كانَ أوَّلُ ليلةٍ من شَهْرِ رمضانَ يُنادي مُنادٍ يا باغيَ الخيرِ أقبِلْ، ويا باغيَ الشَّرِّ أقصِرْ وللَّهِ عُتقاءُ منَ النَّارِ، وذلكَ كلُّ لَيلةٍ[20]

وفي بيان فضل صدقة التطوع في رمضان قال أنس قَالَ: ‏ ‏سُئِلَ النَّبِيُّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏أَيُّ الصَّوْمِ أَفْضَلُ بَعْدَ رَمَضَانَ؟ فَقَالَ: ‏ ‏شَعْبَانُ لِتَعْظِيمِ رَمَضَانَ قِيلَ فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ قَالَ صَدَقَةٌ فِي رَمَضَانَ.”[21]

وذكر  ابن رجب عن بعض السلف أنهم كانوا يقولون: “إذا حضر شهر رمضان فانبسطوا فيه بالنفقة، فإن النفقة فيه مضاعفة كالنفقة في سبيل الله.”

أهمية التعاون بين المسلمين لتقوية التكافل الاجتماعي

وللتعاون دور مهم في تعزيز التكافل الاجتماعي بين المسلمين في شهر رمضان، فالتعاون من الصفات الأساسية للمؤمنين، ويؤكد على ذلك:

1-  قول الله تعالى: { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ {التوبة:71}، قال الشوكاني رحمه الله عند هذه الآية: “أي قلوبهم متحدة في التوادد والتحابب والتعاطف بسبب ما جمعهم من أمر الدين وضمهم من الإيمان بالله، فنسبتهم بطريق القرابة الدينية المبنية على المعاقدة المستتبعة للآثار من المعونة والنصرة وغير ذلك”.

2- حديث النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.”[22]

وجاء في رواية في صحيح مسلم في هذا الحديث أن النبي ﷺ قال: “المسلمون كرجل واحد، إن اشتكى عينُه اشتكى كلُّه، وإن اشتكى رأسُه اشتكى كلُّه.”[23]

والتواد والتراحم والتعاطف ألفاظ معانيها متقاربة في المعنى، وهناك من فرق بينها فقال: المودة هي خالص المحبة، وهي التَواصُلُ الجالبُ للمَحبَّةِ، كالتَّزاوُرِ، والتَّهادي وغيرهما.

 وأما الرحمة فهي رقة تكون في القلب وتظهر آثارها على السلوك، فيَرحَمَ بَعضُهم بَعضًا بأُخوَّةِ الإسلامِ. والرحمة حقيقتها في حق الإنسان نوع ألم باطن يحس به في نفسه، فيسارع لدفعه عنه بالإحسان إليه فينال ما عند الله تعالى من حسن الجزاء .

وأما التعاطف فهي أنْ يُعينَ بعضُهم بعْضًا بأنواع من الإعانات.

  قال القاضي عياض: “فتشبيهه المؤمنين بالجسد الواحد تمثيل صحيح، وفيه تقريب للفهم، وإظهار للمعاني في الصور المرئية”.

 وقال ابن أبي جمرة: “شبّه النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان بالجسد وأهله بالأعضاء؛ لأن الإيمان أصل وفروعه التكاليف؛ فإذا أخل المرء بشيء من التكاليف شأن ذلك الإخلال بالأصل، وكذلك الجسد أصل كالشجرة، وأعضاؤه كالأغصان، فإذا اشتكى عضو من الأعضاء اشتكت الأعضاء كلها؛ كالشجرة إذا ضرب غصن من أغصانها اهتزت الأغصان كلها بالتحرك والاضطراب”

من فوائد الحديث:

1-تَعْظِيم حُقُوق الْمُسْلِمِينَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض، وَحَثّهمْ عَلَى التَّرَاحُم وَالْمُلَاطَفَة وَالتَّعَاضُد فِي غَيْر إِثْم وَلَا مَكْرُوه.

2- أن من مقتضيات الإيمان العمل بما تستلزمه الأخوَّة بين المؤمنين من التراحم والتوادد والتعاطف، وأن التقصير في ذلك والتهاون فيه ضعف في الإيمان. قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى-: “ولهذا كان المؤمن يسره ما يسر المؤمنين ويسوءه ما يسوؤهم، ومن لم يكن كذلك لم يكن منهم.”[24]

3- أن على المسلم أن يجتهد في تطهير قلبه نحو إخوانه المسلمين؛ فيفرح بوصول الخير إليهم، ويتألم أن أصابهم ما يضرهم أو يؤلمهم، ويقف معهم في مصائبهم وما ينزل بهم، فيغيث المحتاج، وينصر المظلوم، ويعين ذا الحاجة، ويتعاون معهم على الخير والبر.

4- عظمة هذا الدين وكماله، بحثه على التآلف والتراحم، فيعيش المسلم بين إخوانه وفي كنفهم معززاً مكرماً في عسره ويسره، وقوته وضعفه، وفي سائر أحواله.

فهذه الأدلة كلها تدل على وجوب وحدة المسلمين وترابطهم، وأنه لا بد أن يهتم المسلم بشأن إخوانه، فهم كالجسد الواحد ولا يتصور أن يهمل الإنسان يده أو رجله أو أي عضو من أعضائه فيتركه ولا يتحسس آلامه، إلا إذا كان مشلولاً ميتاً، وبقدر إيمان المؤمن تتقد فيه تلك الجذوة ويتحرك فيه ذلك الإحساس.

خاتمة:

علينا في هذه الأيام المباركة أن نستعد للمشاركة في مختلف أصناف الخير في شهر رمضان المبارك كلٌ بقدر استطاعته، فمن المهم أن يسعى المسلمون إلى تعزيز قيم التعاون والتكافل وخاصةً في ظل الأوضاع الصعبة التي يمر بها كثير من إخواننا المسلمين خصوصا في غزة المحاصرة  قتلاً وتجويعاً ودماراً وإبادةً، ولا ينبغي أن يقلل المسلمون من قيمة المشاركات اليسيرة التي تعزز من التعاون والتكافل بين أفراد المجتمع المسلم، فالقليل المداوم عليه مرغب فيه، والقليل على القليل كثير، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” اتقوا النار ولو بشق تمرة.”[25]

[1] – زاد المعاد،ج2/28.

[2] – فنح القدير، ج/2ص:42.

[3] – صحيح ابن خزيمة.

[4] – تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق، ص: 31

[5] – الفوائد، ص: 250.

[6] – منهاج السنةج4/482.

[7] – الجواب الكافي، ص:15.

[8] – رواه أحمد في المسند: 1/69.

[9] – رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.

[10] – دليل الفالحين. ج4/ 69.

[11] – نزهة المتقين،ج2/890.

[12] – متفق عليه.

[13] – متفق عليه.

[14] – صحيح مسلم.

[15] – لطائف المعارف لابن رجب، ص: 315.

[16] – زاد المعاد، 2/21.

[17] – أخرجه أبو داود، وابن ماجه، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود.

[18] – رواه أبو عبيد القاسم بن سلاَّم في ” الأموال “. وقال الألباني في ” الإرواء ” ( 3 / 346 ) : حسن 

[19] – رواه الترمذي، وأبو داود، وابن ماجه. وصححه الشيخ أحمد شاكر في ” تحقيق المسند ” ( 822 ).

[20] – الحاكم في “المستدرك” 1/ 582.

[21] – سنن الترمذي، أبواب الزكاة باب ما جاء في فضل الصدقة. وسنده ضعيف.

[22] – أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم، والبخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم.

[23] -أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم.

[24] – مجموع الفتاوى 2/373 .

[25] – أخرجه مسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب استحباب حمد الله تعالى بعد الأكل والشرب.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى