شيخي والموس يسجلان ملاحظات منهجية بين يدي تقنين الاستعمال الطبي والصناعي للقنب الهندي

على إثر الإعلان عن عرض مشروع القانون رقم13.21 المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، على أنظار مجلس الحكومة تناول عدد من المهتمين والفاعلين بالمجال الإعلامي أو المدني أو السياسي أو من المتخصصين في العلم الشرعي هذا الموضوع وأدلوا بآرائهم ومواقفهم واجتهاداتهم.

وبالرجوع لحيثيات تقديم هذا المشروع، حسب مُعِدِّيه، فإنها ترتكز أساسا على الانسجام مع التوجه العالمي الجديد في التعاطي مع نبتة القنب الهندي سواء على مستوى القانون الدولي الذي تدرَّج من منع استعمال هذه النبتة إلى الترخيص باستعمالها لأغراض طبية وصناعية، أو على مستوى منظمة الصحة العالمية التي قدمت توصيات جديدة بشأن إعادة تصنيف القنب الهندي بإزالته من الجدول الرابع المتضمن للائحة المواد المخدرة ذات الخصائص الشديدة الخطورة والتي ليست لها قيمة علاجية كبيرة، وهي التوصية التي اعتمدتها اللجنة الوطنية للمخدرات المنعقدة في العام الماضي بتاريخ 11 فبراير 2020. يضاف إلى ما سبق، حسب واضعي المشروع، اعتبارات وطنية متعلقة باستنتاجات خلصت إليها دراسات تم إنجازها من طرف القطاعات المعنية حول “جدوى تطوير القنب الهندي وطنيا لأغراض طبية وتجميلية وصناعية” وتهم أساسا التطور المتزايد الذي يعرفه السوق العالمي للقنب الهندي والذي حدا بعدد من الدول إلى الإسراع بتقنينه من أجل الاستحواذ على أكبر الحصص من السوق العالمية، وضرورة استثمار المغرب لهذه الفرص التي تتيحها هذه السوق بالنظر لمؤهلاته وإمكانياته وموقعه الاستراتيجي القريب من أوروبا التي تعد الأكثر إقبالا على منتوجات القنب الهندي، كما أن استقطاب الشركات العالمية الكبرى المتخصصة في الميدان يستوجب تأهيل الترسانة الوطنية القانونية من أجل جلب الاستثمارات العالمية والاستفادة من مداخيل السوق الدولية لهذه النبتة.

ولم يفُت واضعي المشروع الإشارة إلى “أن تطوير الزراعات المشروعة للقنب الهندي كفيل بتحسين دخل المزارعين وحمايتهم من شبكات التهريب الدولي للمخدرات” وأنه “سيحدُّ لا محالة من الانعكاسات السلبية التي يفرزها انتشار الزراعات غير المشروعة على الصحة والبيئة”.

ويتضمن مشروع القانون 56 مادة موزعة على تسعة أبواب ترُوم إخضاع كافة الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي لنظام الترخيص، وخلق وكالة وطنية لتنمية سلسلة فلاحية وصناعية مع الحرص على تقوية آليات المراقبة، وفتح المجال للمزارعين للانخراط في التعاونيات الفلاحية مع إجبارية استلام المحاصيل من طرف شركات التصنيع والتصدير، وأخيرا سن عقوبات لردع المخالفين لمقتضيات هذا القانون بعد اعتماده.

وإذ إنه من مقتضيات العمل الإصلاحي مواكبة المستجدات، والتفاعل معها بما يُسهم في جلب المصالح وتكثيرها ودرء المفاسد وتقليلها، فإن مشروع تقنين الاستعمالات الطبية والصناعية للقنب الهندي الموضوع على أنظار المجلس الحكومي، والذي سيحال، في حال اعتماده، على البرلمان بغرفتيه يتطلب إسهاما من كل الفاعلين بما يخدم مصلحة الوطن والمواطنين ويبعد عنهم المفاسد والمهالك.

لأجل كل ذلك وإسهاما في إنضاج رؤى تعين على اتخاذ ما يخدم وطننا إزاء هذا الأمر نقدم الملاحظات المنهجية الآتية:

1ـ التحلي بالأناة وتجنب التسرع والاستعجال: فإذا كان المنتظم الدولي من خلال منظماته المعنية قد أعاد تصنيف القنب الهندي، وأخرجه من لائحة المخدرات ذات الخصائص الشديدة الخطورة، وسمح بإمكانية استعماله طبيا وصناعيا، وبادرت تبعا لذلك بعض الدول إلى الشروع في تقنين زراعته واستعماله، فإن ذلك لا يعني الاقتفاء التلقائي لذلك المسار والتسرع دون مراعاة لمآلات التقنين، ولضرورة تنوير الرأي العام بمختلف الحيثيات المقدَّمة، ولا سيما الدراسات التي أنجزتها القطاعات المعنية سواء بالنسبة لوطننا أو للتجارب الدولية السابقة ومدى نجاحها أو فشلها في تحقيق ما يهدف إليه هذا القانون.

وتجدر الإشارة إلى أنه في أحيان كثيرة يتدخل عدد من ذوي المصالح السياسية أو الاقتصادية أو غيرها لتأخير المصادقة على قوانين رغم فائدتها للوطن والمواطنين، وما مشروع تعديل القانون الجنائي منا ببعيد حيث يُرجع عدد من المهتمين تعثر مساره بسبب المقتضيات المتعلقة بالإثراء غير المشروع والتي ستطال حتما عددا ممن أثْرَوا بغير وجه مشروع بسبب نفوذهم أو سلطتهم أو غير ذلك وهم مؤثرون في القرار والتشريع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

2ـ المقاربة التشاركية وتوسيع الاستشارة: فالمغرب، ورغم توقيعه على عدد من القرارات والاتفاقيات الدولية أو انخراطه في جهود دولية لمعالجة قضايا محددة، غالبا ما يتسم التزامه بذلك بنوع من التريث وتقليب النظر في القضايا المطروحة من كافة الزوايا وأخذ رأي أكثر من مؤسسة دستورية كالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وعند الاقتضاء المجلس العلمي الأعلى. ولا شك أن لكل ذلك آثار جد إيجابية على الاستيعاب المطلوب لتلك القضايا والإلمام بمختلف الخيارات الممكنة لمعالجتها والتعاطي معها، كما تسهم في تجويد مشاريع القوانين التي تستجيب لحاجات حقيقية وإخراجها بصيغة أقرب ما يمكن إلى النضج والقبول.

3ـ تحري الدقة والوضوح والشفافية مع المواطن : فعلى عكس ما يتم الترويج له إعلاميا من أن مشروع التقنين جاء أساسا لتطوير الزراعات المشروعة للقنب الهندي، وأنه كفيل بتحسين دخل المزارعين وحمايتهم من شبكات التهريب الدولي للمخدرات، فإن الحيثيات المقدمة والمشار إليها أعلاه تتحدث أكثر عن “السوق العالمية” وضرورة الإسراع “للاستحواذ على أكبر الحصص” منها و”ضرورة استثمار المغرب للفرص التي تتيحها هذه السوق”، و”استقطاب الشركات العالمية الكبرى المتخصصة”، و”جلب الاستثمارات العالمية والاستفادة من مداخيل السوق الدولية لهذه النبتة”، مما يجعلنا نتساءل عن أي مزارعين يتحدث المشروع؟ هل هم أولئك الفلاحون والمزارعون الصغار الذين يعانون في المناطق الشمالية للمملكة؟ وهل أظهرت الدراسات المنجزة أنه مع التقنين ستتحسن مداخيلهم؟ أم أن الأمر يتعلق بمزارعين آخرين يوجدون فوق هؤلاء في السلسلة الإنتاجية غير المشروعة حاليا؟ أم هم مزارعون يستثمرون اليوم في زراعات أخرى متعددة في مختلف أنحاء المملكة وسيستثمرون غدا في “النبتة” لتتحسن مداخيلهم ويصبحوا المستفيد الأكبر في ظل عدم تنصيص القانون صراحة على الأقاليم المعنية وترك تحديدها بمرسوم لن تكون الحكومة ملزمة بالرجوع فيه للبرلمان اليوم أو غدا؟.

4ـ الاستفادة من عِبر التجارب الماضية وخبرة الدراسات المقارنة: وهنا وجب التساؤل عن نتائج المشاريع السابقة التي اعتمدت لتنمية المناطق الشمالية؟ ولماذا أخفقت رغم الاستثمارات الكبيرة التي وضعت لها؟ وما هي خلاصات تقييم المشاريع التي أشرفت عليها وكالة الإنعاش والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في عمالات وأقاليم الشمال؟ وهل التقنين الآن سيحل أزمة سكان هذه المناطق أم أنه سيزيدهم حرمانا بدخول مزارعين كبار يعطونهم الفتات، أو يدفعونهم لمزيد من الاتجار غير المشروع في المخدرات؟ وما هي الضمانات التي ستحفظ وتحمي من المآلات السيئة لعدم التنزيل الأمثل لهذا المشروع، على غرار قوانين أخرى، مما قد يفتح الباب أمام استغلاله لمزيد من خدمة تجار الحشيش والمخدرات وتمكينهم من الاتجار في كميات أكبر مع توفير الغطاء القانوني لهم ولغَسْل أموالهم. من جهة أخرى، يتحدث واضعو المشروع عن أنه “سيحدُّ لا محالة من الانعكاسات السلبية التي يفرزها انتشار الزراعات غير المشروعة على الصحة والبيئة”. وإذا كان مفهوما نسبيا الحد من الانعكاسات السلبية على الصحة فكيف بالحد من آثارها على البيئة حيث تستنزف هذه الزراعة كميات كبيرة من المياه وتلحق أضرارا جسيمة بالتربة بغض النظر عن تقنينها من عدمه.

5ـ البدائل السليمة تُميتُ الرذائل الشنيعة: فالشريعة الاسلامية الغراء تسعى إلى إسعاد الأفراد والجماعات، وإلى جلب ما يصلحهم في العاجل والآجل، ولا يختلف الناس أن التخفيف من معاناة سكان المنطقة الشمالية عامة والريف على وجه الخصوص وتوفير البدائل الشرعية التي تسهم في تنمية المنطقة مقصد نبيل وغاية ينبغي السعي لتحقيقها. قال ابن قيم الجوزية في كتابه إعلام الموقعين عن رب العالمين: “إن الشريعةَ مبْنَاها وأساسها على الحِكَمِ ومَصالحِ العِبَاد في المَعاشِ والمَعادِ”. فهل انتفت حقيقة كل البدائل الشرعية في المجالات الطبية والصحية وغيرها من المجالات والتي يمكن أن تغنينا عن هذه النبتة واستعمالاتها المختلفة؟ وإذا كانت هناك من ضرورة أو حاجة أو مصلحة فأين تكمن؟ وما قدْرها ونسبة رجحانها بالمقارنة لما يكتنف الزراعة والاستعمال من مضار ومفاسد يروم الداعون إلى التقنين الحد منها؟

إن الاستفادة من التراث الفقهي الإسلامي عموما وتراث الفقهاء المالكية المغاربة الغني بالعديد من الآراء والاجتهادات المتعلقة بهذا الموضوع أمر محمود، غير أنه ينبغي للفقهاء المعاصرين والباحثين المتخصصين في العلوم الشرعية عدم الاقتصار على ذلك، والسعي لبذل الجهد لفهم النازلة المراد الحكم عليها من خلال معطيات ودراسات المتخصصين في مختلف أبعادها لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، واستحضار مآلات التقنين والتنزيل سلبا وإيجابا حتى يكون نظرهم أقرب إلى السداد والصواب.  

خاتمة:

وأخيرا نقول إن لتقنين زراعة واستعمال القنب الهندي أبعادا اقتصادية واجتماعية وسياسية وقيمية، ومن ثم فالموضوع يحتاج للتريث وتوسيع الاستشارة وتنوير عموم المواطنين والمواطنات بنتائج الدراسات الوطنية والتجارب الدولية المماثلة، ولتظافر الجهود قصد الوقوف على مصالحه المفترضة، دون الوقوع في المفاسد المُحقَّقة الماثلة للعيان ومخاطرها الاجتماعية والتربوية على الناشئة والأسرة والمجتمع.

 

الأستاذ عبد الرحيم شيخي – رئيس حركة التوحيد والإصلاح.

الدكتور الحسين الموس – نائب مدير مركز المقاصد للدراسات والبحوث.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اطلع على رسائل الإصلاح السابقة:

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى