الموس يكتب: فاجعة مقتل الطفل عدنان.. الدروس والعبر

بسم الله الرحمن الرحيم

شكل اغتصاب الطفل عدنان ومقتله صدمة لكل المغاربة، وتفاعل الناس مع الحدث وكثرت التنديدات بالفعل الشنيع، وتنادى الناس إلى إنزال أقصى العقوبات بالجاني.وقبل محاولةاستخلاص دروس الحدث لابد من تقديم العزاء لأسرة الطفل عدنان خاصة ولكل المغاربة عامة، وندعو بما سطره فقيه الغرب الإسلامي ابن أبي زيد القيرواني فنقول: “اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لِوالِدَيْهُ سَلَفًا وَذُخْرًا وَفَرَطًا وَأَجْرًا، وَثَقِّلْ بِهِ مَوَازِينَهُمْ، وَأَعْظِمْ بِهِ أُجُورَهُمْ.

إن هذا الحدث وغيره مما يتسامع به الناس كالفعلة الشنيعة التي وقعت مع محفظ القرآن بالشمال إن ثبتت، والأفعال المرتبطة باغتصاب الأطفال من طرف ما بات يعرف بالسياحة الجنسية، كل ذلك يدعو إلى الوقوف بحزم مع الظاهرة، واستخلاص دروس تحمي الطفولة فنقول:

أولا: منظومة القيم والتربية الأسرية ودورهما في حفظ البراءة

إن حادث الطفل عدنان يدعو إلى النظر في منظومة القيم التي بدأت تنخرها عوامل التعرية، والتي تعتبر الأصل في حفظ النفوس قبل إعمال القصاص. لقد تأخر تشريع الأحكام إلى المرحلة المدنية، وكان من أوائل ما نزل من القرآن السور التي تغرس الايمان بالله واليوم الآخر في النفوس، وترتقي بالأفراد في أخلاقهم ومعاملاتهم. ونرى أن الأمة بحاجة اليوم إلى تجديد الايمان في النفوس وإلى تضافر الجهود لغرس القيم النبيلة.إن من أعظم ما يحجز الناس عن الموبقات، ومنها القتل الذي غلظ الله تعالى عقوبته الأخروية ترسيخ الإيمان في النفوس. فقد قال تعالى إخبارا عن الابن المقتول من ذرية آدم: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [المائدة: 28]. وروى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي عليه السلام أنه قال:«الإِيمانُ قَيَّدَ الفَتْكَ، لا يَفْتِكُ مؤمِن». إن ضعف وازع الايمان بالله واليوم الآخر هو ما يدفع كثيرا من الناس إلى الجرأة والتطاول على الكبائر العظام.روى البخاري عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: قالت«إنما أنزلت أولَ ما نزل سورة المفصّل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إِذا ثاب الناس إِلى الإِسلام نزل الحلال والحرام. ولو نزل أول شيء : لا تشربوا الخمر ، لقالوا : لا ندع الخمر أبدا ، ولو نزل : لا تزنوا ، لقالوا : لا ندع الزنا أبدا ، لقد نزل بمكة على محمد -صلى الله عليه وسلم- ،وإني لجارية ألعبُ: { بل الساعةُ موْعِدُهُم والساعةُ أَدْهَى وأمَرُّ }[ القمر : 46] وما نزلت سورة البقرة ، والنساء إِلا وأنا عنده».

ومن جهة أخرى فإن الأسرة المغربية باتت اليوم تتساهل مع كثير من القيم الإسلامية المرتبطة بحفظ الأعراض والأنفس، والتي تحمي من وقوع الأطفال في الانحرافات الجنسية، أو التغرير بهم من خلال التكشف على عوراتهم. وقدأكد ديننا الحنيف على خلق الحياء منذ الصغر، ودعا إلى الستر والتفريق بين الأولاد في المضاجع.  كما أمر بالاستئذان على الوالدين وهما من أقرب الناس، قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النور: 58]. وحذرت السنة النبوية من خلوة الرجل بالمرأة ولو في تعليم القرآن؛ روي عنجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ – رضي الله عنه – قَالَ: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: ” َلَا يَخْلَوَنَّ أَحَدُكُمْ بِامْرَأَةٍ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا”. ونرى هذه التوجيهات أرضية مناسبة لوضع مقررات تعليمية حول التربية الجنسية السليمة تُمكن الأطفالمن المراقبة الذاتية لأنفسهم، وحمايتها من بعض الذئاب البشرية التي تتلذذ باغتصاب الطفولة.

ثانيا: المسجد والمدرسة والتربية وحماية الطفولة

نرى أيضا أن الحدث فرصة للتأكيد على دور المدرسة والمسجد في تربية النشء وتعليمه القيم البانية. إن مؤسساتنا التعليمية فقدت شق التربية وضعف فيها جانب التعليم أيضا، كما تشكو المؤسسات التعليمية وأحيانا دور القرآن وقيمي المساجد من القدوة الصالحة التي توجه وتحمي الطفولة.  إن انتقاء القائمين على التربية وعلى التوجيه الديني والإرشاد لا ينبغي أن يقتصر على جانب المعرفة؛ بل لابد أن يضاف لذلك التحقق من السيرة الحميدة، ومن الخلق الحسن، وإلا سنضع الأجيال عند ذئاب مفترسة وإن كان لها حظ من العلم الظاهري، وقد وصف الله تعالى العلماء الربانيين بأنهم أهل الخشية :{أَمنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } [الزمر: 9].

ثالثا: حفظ الطفولة ووسائل الإعلام والقنوات التلفزية

   لعل الأحداث المتتالية حول اغتصاب الطفولة واستدراجها للمهالك تدعو إلى وقفة صادقة مع قطب الإعلام العمومي ومع مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام الرقمي. إن كثيرا مما يعرض من مسلسلات وخاصة المدبلجة منها، أو تلك المستوردة والموجهة للطفولة  تدمر قيم الأسرة، وتسهم في إنشاء جيل لا يعطي اعتبارا للمحارم، ولا لقيم الحياء والعفة. وإذا أضفنا إلى ذلك الإشهار المجاني لحالات الاغتصاب والعنف ونشرها في المواقع دون أدنى تحفظ أو تنبيه، كل ذلك يجعل ضعاف النفوس يتطلعون للنيل من الطفولة، ويقتنصون الفرص لذلك.

رابعا: حفظ الطفولة والتماسك الاجتماعي

   إننا بحاجة أيضا لوقفة صادقة مع قيم الدين التي تدعو إلى الإحسان للأقارب وللجيران. قال الله تعالى: {واعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } [النساء: 36].  فأين الأسرة المغربية والفرد المسلم الآن من كل هذه التوجيهات القرآنية. إنالعلاقة بين الأقارب بات يطبعها التنافس غير المحمود، وتغيب فيها معاني الاحتضان والرعاية للنشء وحسن توجيهه، كما تتعرض لتأثير الغزو الإباحي الذي يشجع على الفاحشة وعلى زنا المحارم. أما العلاقة بين الجيران فقد أصابها برود شديد ، لا يسأل الجار عن جاره وقد لا يعرف أبناءه إن التقى بهم في الطريق. وهكذا أصبحت الأحياء غير آمنة لعدم وجود تلاحم بين أفرادها رغم توفر أجهزة المراقبة المتطورة. 

لقد ألح النبي عليه السلام على الإحسان إلى الجار وتفقده وأسرته ولو لم يكن مسلما. روى

الترمذي عن مُجَاهِدٍ قَالَ: ذُبِحَتْ شَاةٌ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو – رضي الله عنهما – فِي أَهْلِهِ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: أَهْدَيْتُمْ لِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ؟  أَهْدَيْتُمْ لِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ؟،سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ” مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ “.

خامسا: تشريع القصاص والحدود في الإسلام لحفظ النفوس

بعد كل ما سبق يأتي جانب الزجر لمن لم يُصلحه وازع القرآن. لقدكانت المقولة السائدة عند بعثة النبي عليه السلام إزاء الاعتداء على النفوس هي قولهم ” القتل أنفى للقتل”، بمعنى أن القصاص يحول دون الاسترسال مع قتل النفوس ظلما. ونزل القرآن الكريم يؤكد ذلك بقاعدة أبلغ بينت دور الزجر في منع غلاظ القلوب من القتل. قال الله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 179]. فالقصاص وقتل القاتل إحياء للنفوس بالزجر البليغ عن الإقدام عليه، ومن خلال إطفاء غضب الأسرة المكلومة ومنعها من التأثر لقتيلها. وتشريع القصاص مما كتبه الله تعالى على الأمم السابقة حيث  قال سبحانه: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } [المائدة: 45]. وسارت على ذلك التشريعات الجنائية في العالم ومنها المغرب، عدا بعض الاستثناءات ألغت عقوبة الإعدام.

سادسا: درء الحدود بالشبهات والتريث في تطبيق عقوبة الإعدام

وإذا كانت الشريعة قد جعلت من قتل القاتل سببا في حياة مجموع الأمة، فإنها وضعت ضوابط كثيرة لإقامته، وشددت في ثبوته، وجعلت الشبهة كافية في درء الحد ومنع القصاص. روى البيهقي عن عَلِيٍّ – رضي الله عنه – عن النبي عليه السلام قال: ” ادْرَأُوا اَلْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ”. إن حفظ النفوس كلية من كليات الشريعة، قال الله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32]. وحذر القرآن الكريم والسنة النبوية من التسرع في إهدار النفوس، ودعا إلى التريث والتبين قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: 94]. وغضب النبي عليه السلام على حِبِّهِ أسامة بن زيد حين قتل رجلا قال لا إله إلا الله.

إننا نتفهم دعوات من يسعون إلى إلغاء عقوبة الإعدام في التشريع الجنائي، أو على الأقل تضييق مجال إعمالها. ذلكأن كثيرا من أحكام الإعدام في الوطن العربي والإسلامي لا تنطلق من الشريعة، ولا تخضع لضوابطها؛ بل منها ما يقوم به حكام ظلمة قصد التخلص من المعارضين السياسيين. ولاشك أن الشريعة القائمة على العدل ترفض هذا المسلك الدنيء، ولا تمكن الظلمة من التنكيل بمخالفيهم. ومن ثم فتطبيق القصاص يحتاج إلى رَوِيَّة، وإلى وجود قضاة يخافون الله، ولا يخضعون لإملاءات الحكام. ومن ثم  نرى أن فتح الحوار حول القانون الجنائي والبحث عن أحسن السبل لتنزيله، مع مراعاة هوية الأمة وثوابتها  أمر محمود ومرغب فيه.

ختاما نسأل الله أن يرزق أسرة الطفل عدنان الصبر والسلوان، وأن يكون هذا الحدث حافزا للتصالح مع قيم ديننا، والسعي لترسيخها عبر كل الوسائل الشرعية الممكنة والاستفادة من الخبرة الإنسانية والتجارب الدولية المتقدمة في مجال حماية الطفولة وحسن رعايتها.

الدكتور الحسين الموس

عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح

ونائب مدير مركز المقاصد للدراسات والبحوث

 

اطلع أيضا على: 

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى