د أوس رمّال: 1447ه عام جديد.. بين عِبَر الهجرة وأوجاع الأمّة وآمال الإصلاح

بحلول فاتح محرّم 1447، نستقبل عامًا هجريًا جديدًا، يُذكّرنا بحدث الهجرة النبوية المباركة؛ تلك اللحظة المفصلية التي لم تكن مجرّد تحوّل جغرافي من مكة إلى المدينة، بل كانت انطلاقة مشروع حضاري، أرسى قواعد أوّل مجتمع إسلامي على أساس الإيمان، والمؤاخاة، والعدل، ونصرة المستضعفين.
إنّ في هذه الذكرى عِبرًا متجدّدة. فالهجرة كانت مظهرًا من مظاهر التوكّل العملي على الله، والتخطيط الدقيق، والعمل الجماعي المنظّم، وبناء الإنسان على القيم والمبادئ قبل بناء الدولة والمجتمع. وفي هذا دلالة بليغة لمن ينشد التغيير اليوم: أن الإصلاح الحقيقي لا يتمّ بالشعارات، وإنما بالإيمان العميق، والتربية المتأنّية، والعمل الدؤوب، والتعاون الواسع.
نستقبل هذا العام الجديد، والأمّة الإسلامية تعيش واحدة من أكثر فتراتها إيلامًا، وعلى رأسها الجرح الغائر في غزّة، التي تُباد منذ ما يقارب عامين أمام أنظار العالم بلا رادع. دماء الآلاف من الأطفال والنساء والمدنيين لم توقِظ الضمير العالمي، وصمود الفلسطينيين لم يحظَ بما يستحقّ من دعم حقيقي من أمّتهم. ومع ذلك؛ فإنّ صبرهم وثباتهم قد رسّخ معاني العزة والكرامة، وجدّد إيمان الشعوب بعدالة القضية الفلسطينية ومركزية المسجد الأقصى المبارك.
إنّ هذا العدوان الصهيوني الوحشي، وما يواكبه من صمتٍ دوليّ مطبق، ومن استكبارٍ وظلم، يضعنا جميعًا أمام مسؤولية شرعية وإنسانية وتاريخية: مسؤولية دعم المقاومة والصّمود، ورفض التطبيع، وتوعية الأجيال، وبذل كل جهد ممكن لنصرة إخواننا في فلسطين. وهي مسؤولية نعتبرها في حركة التوحيد والإصلاح التزامًا ثابتًا لا يلين.
أما على الصعيد الوطني، فإنّ بلدنا؛ رغم ما ينعم به من أمن واستقرار ظاهرين، يواجه تحديات متعدّدة: ارتفاع كلفة المعيشة، واختلالات منظومتي التعليم والصحة، وتداعيات التغيرات المناخية، ومحدودية الأثر الاجتماعي للسياسات العمومية….. وهذا يتطلّب من كلّ الفاعلين تعزيز ثقة المواطنين في المؤسسات، وتجديد العقد الاجتماعي، والعمل الجادّ من أجل العدالة الاجتماعية والتنمية المتوازنة، بما يصون كرامة المواطن ويعزّز قيم المغاربة.
وفي خضمّ هذه التحوّلات، تواصل حركتنا أداء رسالتها الإصلاحية؛ بمنهجها الوسطيّ، وتجديدها المستمرّ، وتعبئتها الدائمة، ودعوتها الصريحة لمراجعات فاعلة تصون الهويّة في ضوء تحوّلات السياق.
إنّنا، مع مطلع هذا العام الهجري، ندعو أبناء وبنات الحركة، وكلّ الغيورين على دين المغاربة ووطنهم، إلى أن يجعلوا من هذه المناسبة لحظة مراجعة صادقة، وتثبيتٍ للنيّة، وتجديد للعهد على طريق الإصلاح، بالصدق والإخلاص، وبالاجتهاد والبذل، وبالوفاء لقضايا الأمّة والوطن.
نسأل الله تعالى أن يجعل هذا العام سنة خير ونصر وتمكين، وأن يُقرّ أعيننا بتحرير المسجد الأقصى، وزوال الغمّة، وبشائر الفرج والنصر القريب.
وكل عام وأنتم وكل الأمّة بخير، رغم استمرار الألم، مع دوام الأمل، والدّعاء بثبات العمل.
د. أوس رمّال
01 محرّم 1447ه/27 يونيو 2025م