“استمرار رسالة المسجد في ظل جائحة كورونا”

استمرار رسالة المسجد في ظل جائحة كورونا

 

تفاعل المغرب كبقية دول العالم الاسلامي مع جائحة كورونا- نسأل الله أن يرفعها- واتخذ إجراءات متعددة لحفظ الأنفس والتخفيف من انتقال العدوى.  وكانت وزارة الأوقاف مشكورة ممن تفاعل إيجابيا مع الحجر الصحي الذي يهدف إلى حماية الأنفس، فقررت بالتشاور مع المجلس العلمي الأعلى الإغلاق الكلي للمساجد إلى حين رفع الجائحة. وحين بدأت الحالة الوبائية تتحسن اعتمدت الفتح التدريجي للمساجد إعمالا لقاعدة الضرورة تزول بزوال السبب. وقد التزم المصلون بمقتضيات البروتوكول الخاص بفتح بعض المساجد وتفانوا في ذلك، كما تطوع بعض رواد المسجد وتعاونوا مع القيمين الدينيين لأجل التحقق من درجة الحرارة وحمل السجادة الفردية للصلاة والتقيد بالإجراءات الاحترازية المطلوبة.

لكن تأخر الاستمرار في فتح بقية المساجد، وكذلك تأجيل انطلاق الدراسة بالكتاتيب القرآنية وفضاءات التعليم الأولي جعل كثيرا من الناس يضجرون من التأخر في إتمام فتح بقية المساجد، وأطلق بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي عريضة تطالب بالتعجيل بإعادة فتح المساجد لصلاة الجمعة. 

ونرى أن قلق الناس بشأن استمرار إغلاق المساجد له ما يبرره، ولا شك أن الجهات المسؤولة عندما اتخذت قرار الإغلاق كانت واعية بقسوته على النفوس، لكنه مرتبط بعلته، وتعديلُه مطلوب كلما تيسرت ظروفه حفظا للأمن الروحي للمغاربة وللإبقاء على رسالة المسجد النبيلة، والتي لا تقل أهمية عن المدرسة والجامعة في تحصيل القيم وبناء المواطن الصالح. 

إن علماء الشريعة جعلوا حفظ الأنفس قريبا من حفظ الدين، وقد يتقدمه في بعض الحالات، وهو ما أملى الاحتياط واتخاذ إجراءات صارمة لمنع العدوى وحفظ أبدان الناس التي بدونها لا يحفظ الدين. لكن الموازنة تقتضي النظر المتبصر في كل القرارات، وتقليبها من كل الجوانب، والتجاوب مع المقترحات الوجيهة التي ينادي بها الناس.

وبالنظر لما هو متوفر بين أيدينا من معطيات تقدمها السلطات الصحية يوميا، ولمنهجية الرفع التدريجي لعدد من التدابير، المتبعة في باقي المجالات والفضاءات المشابهة، وللتجربة الناجحة لفتح نسبة من عدد مساجد المملكة على صعيد التراب الوطني- نقدر أنه يرجح ما يلي:

أولا : فتح مساجد المدن والقرى والبوادي الخالية من الوباء:

لقد تعاملت السلطات بمرونة كبيرة مع المدن والبوادي الخالية من حالات كوفيد 19، وترجح عند وزارة التربية الوطنية اعتماد التعليم الحضوري فيها مع مراعاة الاحتياطات الصحية. ومن ثم فإنه يمكن بالنسبة للمدن الخالية من حالات الإصابة البدء بفتح مساجدها للصلوات الخمس والجمعة ولدروس الوعظ والإرشاد ومحو الأمية وكذلك الكتاتيب القرآنية. وسيكون من ثمرات ذلك تحقيق بركات المسجد من حيث الطمأنينة، وتمكين القيمين الدينيين، لا سيما المستفيدين منهم أساسا من الشرط، من بعض الموارد التي يسدون بها حاجيات أسرهم.   

 

ثانيا: الاستمرار في الفتح التدريجي في بقية المدن

أما بالنسبة للمدن الكبرى والتي تعرف مراوحة في الوضع الصحي وعدم استقرار لمعدلات الإصابة، فإن الأمر يحتاج إلى تريث وإعمال قواعد الموازنة بين المفاسد والمصالح. إن الاستمرار في الفتح التدريجي لبقية المساجد يعتبر أولوية عندما يتأكد انضباط المصلين، وإن قلة المساجد المفتوحة حرم فئة كثيرة من صلاة الجماعة بسبب البعد، ومن ثم فإن فتح بقية المساجد الكبرى وخاصة تلك الواسعة والتي يتجدد فيها الهواء باستمرار لن يكون له بإذن الله تعالى أثر سلبي على صحة المواطنين. 

 

ثالثا انتقاء المساجد الجامعة لصلاة الجمعة 

أما بالنسبة لصلاة الجمعة فإن المساجد فيها تملأ عن آخرها، ويصلي الكثير من الناس في الساحات المجاورة، ومن ثم فإن الاحتياط للأنفس قد يقتضي الإبقاء على منعها في المدن الكبرى التي ينتشر فيها الوباء، لكن يمكن بشكل تدريجي وفي انتظار تحسن الحالة الوبائية فتح المساجد الكبرى التي لها فضاءات خارجية شاسعة كمسجد حسان بالرباط مثلا، أو مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء، مع تحديد ضوابط صارمة تتمثل في الحفاظ على التباعد ومنع الدخول للمسجد بعد ملئه في احترام للشروط المطلوبة، وأن يُصلي بقية الناس خارجه متباعدين في الفضاءات المحيطة بالمسجد والتي كانت تخصص لذلك في الظروف العادية.

 

رابعا: توسيع المستفيدين من القراءة الجماعية للحزب

رافق الفتح التدريجي للمساجد السماح بقراءة الحزب الراتب للإمام مع قارئين أو ثلاثة. إن الحزب الراتب الذي تميز به المغاربة وأسهم في تخريج أفواج من حفظة القرآن الكريم قد تضاءل في السنوات الأخيرة، ومن خلال المعاينة فإن عدد من يحضره لا يتجاوز العشرات في أحسن الأحوال، ومن ثم فإن السماح للراغبين في قراءة الحزب أو سماعه بحضورهم أثناء ذلك مع اشتراط التباعد الاجتماعي بينهم كفيل بتحقيق مصلحة كبيرة لن توقع في مفاسد العدوى في الغالب.

 

خامسا: الفتح التدريجي للكتاتيب القرآنية ولدروس محو الأمية:

قررت وزارة الأوقاف في مذكرة خاصة تأجيل انطلاق دروس الكتاتيب القرآنية والتعليم العتيق، ولعلها قدرت عدم تأثير التأجيل على المتعلمين وعلى القائمين على هذه المؤسسات، في مقابل ربح حفظ وسلامة طاقم التعليم والمتمدرسين. لكن هذا التأجيل قد يطول، ويؤدي إلى حرمان الراغبين من الأسر في تعليم أبنائهم حضوريا، وكذلك إلى فقدان مُدرري التعليم بالكتاتيب من مورد مالي محترم يغطي قسطا من مصاريف أسرهم. ولذلك نرى إسوة بالتعليم المدرسي ورياض الأطفال والمدارس الخاصة أن تستشار الأسر في رغباتها خاصة في الكتاتيب التي تُوفر ظروف التباعد، ويمكن أيضا اعتماد تفويج المتعلمين عند كثرتهم.  ولا شك أن التعجيل بالفتح يتأكد في القرى والبوادي التي لم تسجل بها سوى حالات ضئيلة.

 ختاما نقول بأن مصلحة الوطن نبتغي، وعليها يدندن كل من كتب أو حاضر في طرح مقترحات من شأنها الإسهام في ترشيد أداء مؤسسة المسجد لرسالتها في أحسن الوجوه، وتزويد المواطن بما يعينه على تجاوز الأزمات والصبر عليها إلى أن يأتي الفرج من الله تعالى.


توقيع

ذ. عبد الرحيم شيخيد. الحسين الموس
رئيس حركة التوحيد والإصلاحنائب مدير مركز القاصد للدراسات والبحوث

 

 

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى