12 قرنا على تأسيس جامعة القرويين.. احتفاء بطعم الافتخار والاستشراف

شهدت رحاب كلية الطلب والصيدلة بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس احتفالية علمية بمناسبة مرور 12 قرنا على تأسيس جامعة القرويين أقدم جامعة في العالم التي تأسست على يد الكريمة الشريفة العفيفة فاطمة الفهرية سنة 245 هـ إلى 1445هـ.

 وقد تعاونت في تنظيم هذه الاحتفالية العلمية مجموعة من المؤسسات العلمية على رأسها مركز المقاصد للدارسات والبحوث ومركز القرويين للدراسات والبحوث، وكذلك مركز دراسات التراث بكلية الطب جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس. وعرفت حضور شخصيات علمية وأكاديمية وأساتذة وطلبة باحثين وخبراء وعدد من الفاعلين والمهتمين.

وتميزت الجلسة الافتتاحية بكلمات لكل من عميد كلية الطب وكذلك ممثلي المؤسسات الثلاث المنظمة لهذا النشاط العلمي الأكاديمي، ركزت على الترحيب بالمشاركين وإبراز مغازي الاحتفال بهذه المناسبة العلمية العظيمة، والدعوة إلى تظاهر الجهود للإسهام في استئناف هذا الصرح العلمي لأدواره العلمية والدينية والحضارية.

تلتها محاضرة افتتاحية متميزة للعلامة الأستاذ مصطفى بنحمزة، التي خصصها لبسط الحديث عن الأوقاف وأثرها في تطوير التعليم والبحث العلمي عبر التاريخ الحضاري الإسلامي، مستعرضا نماذج كثيرة من الأوقاف التي حبسها المغاربة على المؤسسات العلمية وخاصة على مستوى المساجد العظمى في كل المدن المغربية، وكذلك على حلقات حفظ القران الكريم ودراسات العلوم الشرعية وغيرها.

ومعلوم أن جامع القرويين كان من المؤسسات العلمية الكبرى التي تعتمد في تدبيرها على أوقاف المغاربة وحتى أوقاف غير المغاربة في دعم الطلاب، وحلقات العلم وتمويل كل ما يتعلق بهذه المؤسسة العلمية في مختلف العلوم والفنون سواء منها العلوم الشرعية أو اللغوية أو العلوم البحثة من طب وفلك ورياضيات وصيدلة وغيرها. وبهذه العناية والدعم الذي وفره الوقف الإسلامي تخرَّج من جامعة القرويين عشرات الآلاف من العلماء والباحثين على مر تاريخها في مختلف التخصصات.

وفي هذا السياق ذكر المحاضر بأن نظام الوقف كدعم أساسي لمجال التعليم استلهمته مجموعة من الدول وخاصة بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وأسست من خلاله مجموعة من الجامعات العالمية لتي تعتمد إلى اليوم على الوقف.

 وكانت محاضرة العلامة بنحمزة فرصة لعرض أمثلة غنية من بعض الأوقاف الطريفة التي عرف بها المغرب مثل الأوقاف على الطيور، وعلى البيئة وعلى الأطفال لحمايتهم من كل ما يمكن أن يؤذيهم، وطبعا على التعليم وما إلى ذلك، كما استعرض جملة من الدراسات والأبحاث التي تطرقت لهذا الموضوع بالتفصيل، وذكر أحداثا تاريخية في غاية الأهمية ودعا إلى استئناف الأوقاف لدورها الرئيسي في الارتقاء بالحياة الاجتماعية والثقافية والعلمية ببلادنا تأسيا بهذا التاريخ العريق الذي عرفه جامع القرويين.

وبعد هذه المحاضرة الافتتاحية المتميزة انطلقت الجلسات العلمية للندوة حيث قدمت مجموعة من الأوراق العلمية القيمة، افتتحت بعرض عام في موضوع : نحو بناء رؤية  استشرافية لاستئناف الدور العلمي والحضاري لجامعة القرويين في ضوء التحولات التي يعرفها التعليم العالي وبالبحث العلمي سواء على الصعيد الوطني أو الدولي،  قدمه الدكتور خالد الصمدي كاتب الدولة السابق المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي عرف فيه بالتطورات القانونية التي عرفتها هذه الجامعة بعد صدور الظهير الشريف  سنة 2015 الذي تم بموجبه إلحاق هذه الجامعة بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ووضعها تحت الرعاية السامية لأمير المؤمنين حفظه الله ، حيث بدأت مسارا جديدا من الأصالة والتحديث .

 كما قدم الأكاديمي والخبير في مجال التربوي وصياغة المناهج والبرامج التعليمية  في عرضه اقتراحات عملية لتطوير العرض التكويني والتربوي بها لينفتح على التخصصات المختلفة في إطار التكامل المعرفي الذي ميز جامعة القرويين على مر تاريخها ، مع الحفاظ على صلابة وعمق التكوين بها ، وكذا انفتاح جامعة القرويين على الرقمنة واستخدام تكنولوجيا الإعلام والاتصال في التكوين والبحث العلمي ، وعلى التعليم الافتراضي  بلغات مختلفة حتى يعم إشعاعها مختلف دول العمور ، بالإضافة  إلى استثمارها في التدبير الإداري والتربوي والمالي، الذي ينبغي أن يستثمر كل ما يمكن أن تتيحه التكنولوجيا في التدبير خاصة على مستوى الموقع الإلكتروني لهذه الجامعة، وما يمكن أن يقدمه من خدمات تواصلية وعلمية ومعلوماتية بلغات مختلفة حتى تصل هاته المعلومات إلى العالمِين في بلدان مختلفة ومتعددة.

وقد قدم الدكتور الصمدي رؤية لتشجيع البحث العلمي في تاريخ القرويين وتراثها وآثارها خاصة آثارها المعاصرة، بحيث تخرج من هذه الجامعة آلاف الطلبة من جميع أنحاء العالم وعادوا إلى ببلدانهم، فأسسوا مؤسسات تعليمية لتدريس اللغة العربية والتربية الإسلامية والعلوم الشرعية سواء في  أوروبا وما يليها من منطقة البلقان  شرقا ، أو في دول جنوب شرق آسيا مثل أندونيسيا وماليزيا وسنغافورة وغيرها من البلدان، وكذلك دول الساحل والصحراء التي تزخر بخريجي هاته الجامعة ومؤسساتها المباركة على مستوى العالم ، ينبغي رصد جهودهم وتتبعها بالدراسة والتحليل من أجل إبراز الإشعاع المستمر لهذه الجامعة بصفة خاصة الإشعاع الديني والعلمي والحضاري للمغرب على الصعيد الدولي  بصفة عامة.

وبعد ذلك، قدمت عروض متخصصة  تفصيلية متكاملة؛ منها ما تناول على وجه التفصيل العلوم التي كانت تدرس في هاته الجامعة كالتفسير والحديث والفقه والعقائد وغيرها من معارف الوحي ، أو العلوم الدقيقة كالفلك والطب والرياضيات وتسليط الضوء على أعلامها ومؤلفاتها عبر التاريخ ،  وأثر مجالسهم التعليمية ومؤلفاتهم المكتوبة باللغة العربية في إغناء الحضارة الإنسانية، وهي التجربة التي يتم استلهامها اليوم في بعض التكوينات والتخصصات في الجامعة المغربية  بصفة عامة وفي كليات الطب منها على وجه الخصوص حيث تناقش أطروحات في الطب وعلوم باللغة العربية إلى اليوم.

كما قدمت في الندوة نفسها عروض حول التطور التاريخي لهذه الجامعة، وما عرفته عبر العصور من إضافات وتحديث وتطوير بالإضافة إلى ما واجهته من صعوبات على المستويات المختلفة حينما كانت الدولة تعرف مدا وجزرا فكانت هاته الجامعة تتأثر بمحيطها وبسياقها،

بالإضافة إلى ذلك، تم تسليط الأضواء على الجهود الكبيرة التي قام بها العلماء إلى جانب الأهالي والطلبة والعامة، في الدفاع عن حوزة الوطن في العديد من المعارك التي شاركوا فيها سواء تعلق الأمر بالمعارك التي عرفت في تاريخ المغرب مثل معركة وادي المخازن أو المعارك التي كانت في أرض الأندلس خاصة في معركتي الزلاقة والأرك حيث تم تثبيت الخلافة الإسلامية هناك، واستمر إشعاعها بعدها لمدة 4 قرون إضافية.

وبالجملة فقد قدمت بهذه المناسبة عروض وأوراق علمية قيمة ومتنوعة، يأمل الباحثون والمهتمون بتاريخ هذه الجامعة واستشراف مستقبلها أن تجمع في سفر يؤرخ لهاته المناسبة العظيمة ذكرى مرور 12 قرنا على تأسيس جامعة القرويين، في انتظار مبادرات أخرى خلال هذه السنة بكاملها تأخذ على عاتقها التعريف بهاته الجامعة، وغناها وثرائها العلمي والأكاديمي. خاصة من طرف اتحاد العالم الإسلامي التابع لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة إيسيسكو، وكذلك إلى كل الفاعلين من جهات وصية على هاته الجامعة إلى مؤسسات المجتمع العلمي والمدني للاحتفاء بهاته الذكرى في شكل محاضرات وندوات وعروض وتحقيق مخطوطات وإبراز جهود العلماء في التأليف والنشر وما إلى ذلك.

 وفي الختام تقدم المشاركون بكل عبارات الشكر والتقدير إلى القائمين على هذه المبادرة العلمية القيمة احتفاء بذكرى تأسيس أول جامعة في العالم، والتي منها انبثق هذا الخير العميم في الجامعات المغربية، وكذلك على الصعيد الإقليمي والدولي.

موقع الإصلاح

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى