من مداخل تحصين الأسرة المسلمة – عبد الحق لمهى

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من بعثه الله وكان خير الناس لأهله.

يشهد المغرب الحبيب ورشا وطنيا هاما، له تعلق وثيق بالأسرة المغربية ألا وهو تعديل مدونة الأسرة، ولا شك أن المداخل والمقاربات إزاء هذا الورش المجتمعي الكبير والاستراتيجي، متعددة ومتنوعة الأبعاد بين ما هو اقتصادي واجتماعي ونفسي وغيره.

ويعد المدخل التربوي واحدا من المداخل المهمة من أجل النهوض والعناية بالأسرة، في هذا الصدد طرح أحد العلماء المغاربة المشهود لهم بالعلم الرصين والعمل الصالح والوطنية الصادقة، إنه العلامة فريد الأنصاري ـ رحمه الله ـ يعرف هذه الصفات فيه، من كتب له اللقاء معه في أحضان مجالس العلم والإيمان، سواء في فضاءات الجامعة المغربية، أو في مساجد مدينة مكناس الإسماعيلية، أو من خلال محاضراتها التي ألقاها ـ رحمة الله عليه ـ في العديد في الفضاءات العمومية، ومؤسسات المجتمع المدني هنا وهناك.

فما هو المدخل الذي اقترحه وعمل على تبليغه ونشره بين المهتمين بالشأن التربوي عامة والأسرة خاصة.

لقد أبدع رحمة الله عليه ـ ما اصطلح عليه مجالس القرآن الأسرية.

وقبل الوقوف عند تعريف هذه المجالس القرآنية الأسرية، لابد من التذكير بأنها عمل نبوي أصيل كما هو معلوم عند كل مسلم، يقول العلامة فريد الأنصاري ” ومن هنا؛ كانت مجالس القرآن خير أنواع مجالس الذكر، التي تضافرت الأدلة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنها محبوبة عند الله، مذكورة في ملئه الأعلى، تشهدها الملائكة، وتنزل عليها السكينة، وتغشاها الرحمة، ويذكرها الله فيمن عنده. وليس شيء أفيدَ منها في تربية الإنسان المسلم على الصلاح والفلاح. وهي من أهم الوسائل التربوية التي لا غبش فيها ولا غبار، من حيث استنادها إلى الأدلة المتواترة بالمعنى، عبر الأحاديث الوفيرة نذكر منها الحديث المشهور الذي رواه أبو هريرة مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والذي فيه:” وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده. ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه”  “

ويضيف قائلا:” وكذلك الحديث المتفق عليه الذي رواه أبو هريرة أيضا، مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال:” إنَّ للَّهِ ملائِكَةً سيَّاحينَ في الأَرضِ فضلًا عن كتَّابِ النَّاسِ، فإذا وَجدوا أقوامًا يذكُرونَ اللَّهَ تَنادوا: هلمُّوا إلى بُغيتِكُم، فيَجيئونَ فيحفُّونَ بِهِم إلى السَّماءِ الدُّنيا، فيَقولُ اللَّهُ: أيَّ شيءٍ ترَكْتُمْ عِبادي يَصنعونَ، فيقولونَ: ترَكْناهم يحمَدونَكَ ويمجِّدونَكَ ويَذكرونَكَ، قالَ: فيَقولُ: هل رَأَوني، فيقولونَ: لا، قالَ: فيقولُ: كيفَ لو رَأَوني؟ قالَ: فيقولونَ: لو رأَوكَ لَكانوا أشدَّ تحميدًا، وأشدَّ تمجيدًا، وأشدَّ لَكَ ذِكْرًا، قالَ: فَيقولُ: وأيُّ شيءٍ يطلُبونَ؟ قالَ: فيقولونَ: يطلُبونَ الجنَّةَ، قالَ: فيقولُ: فهل رأوها؟ قالَ: فيقولونَ: لا، قال فَيقولُ: فَكَيفَ لو رأَوها؟ قالَ: فيقولونَ: لو رَأَوها؟ لَكانوا أشدَّ لَها طلبًا، وأشدَّ عليها حِرصًا، قالَ: فيقولُ: فَمن أيِّ شيءٍ يتعوَّذونَ؟ قالوا: يتعوَّذونَ منَ النَّارِ، قالَ: فيقولُ: فهل رأَوها؟ فيقولونَ: لا، فيقولُ: فَكَيفَ لو رأَوها؟ فيقولونَ: لو رأوها لَكانوا أشدَّ منها هَربًا، وأشدَّ منها خوفًا، وأشدَّ منها تعوُّذًا، قالَ: فيَقولُ: فإنِّي أشهدُكُم أنِّي قد غَفرتُ لَهُم، فيقولونَ: إنَّ فيهم فلانًا الخطَّاءَ لم يُردهُم إنَّما جاءَهُم لِحاجةٍ، فيقولُ: همُ القومُ لا يَشقى لَهُم جَليسٌ.”

وعن عمل الصحابة واقتفائهم أثر النبي عليهم السلام في العض بالنواجذ على مجالس القرآن يقول رائد مجالس القرآن :” ولم يزل هذ ا النهج هو أساس التربية لدى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، سواء في تزكية أنفسهم وتذكيرها، أو في تربية الجيل الناشئ من التابعين.” 

كل ما سبق ذكره فيه تأكيد على أصالة مجالس القرآن في الإسلام.

بخصوص مجالس القرآن الأسرية التي يمكن اعتبارها وجعلها مدخلا لرعاية الأسرة، فقد عرفها رحمه الله تعالى، بأنها ” تقوم على تأسيس المجلس داخل الأسرة الواحدة”    

يضيف في نفس السياق: ” وكم من أب، أو أم تعبت وراء السراب؛ بحثا عن منهج قويم لتربية الأبناء والبنات، فتستغرق ما شاء الله من الأيام، في المطالعة للكتب التربوية، والمتابعات للبرامج التلفزيونية والإعلامية، مسائلة هذا العالم أو ذاك، وقاصدةً الأخصائيين هنا أو هناك؛ للحصول على وصفة تداوي بها انحراف أبنائها وتمرد بناتها، أو تعنت زوجها، وقسوة حماتها … إلخ، حتى إذا قيل لها ما قيل، وكانت النظريات ذات اصطلاح أنيق، والكلمات ذات ألوان وبريق؛ أخذتها فرحة مسرورة كأنما عثرت على كنز ثمين، لكنها عندما تشرع في التطبيق والتجريب لا تجد من مفهوم التربية فيها إلا السراب، وإنما هي كلمات جوفاء، ونظريات خرقاء، لا تُسمن ولا تغني من جوع.

” وعجبا لمن يطلب العلاج النفسي، والحل الاجتماعي، في أقصى الدنيا وأبعد الحدود؛ وهذا الشفاء الرباني أقرب إليه من حبل الوريد. القرآن، فهل عرفت ـ حقيقة ـ ما معنى القرآن؟ هل حاولت اكتشاف عالم القرآن؟ ذلك هو السؤال اْلُمرُّ؟ الذي يظن أغلب الناس أنهم على قدرة الإجابة عنه بالإيجاب، ولكن أكثرهم ـ مع الأسف ـ أبعد ما يكونون عن الصواب.”

تلك إذن إشارات خاطفة، تهمس في أذن من خشي الرحمان بالغيب، ورام القيام بواجب وأمانة الاسرة على هدى من الله.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى