صورة الإنسان.. المرأة في القرآن

بين يدي المقال

أبدع أحد الباحثين [1]في مجال الفكر الإسلامي عبارة مفادها أن القرآن الكريم يحتوي على مساحات كبيرة من المعارف والأفكار التي ينبغي للعقل المسلم بذل الجهد من أجل استكشافها، وأظن أن هذه الحقيقة التي جاء بها الباحث يوجد أصلها في كتاب الله العزيز، الأصل الأول من أصول المعرفة الإسلامية، يقول تعالى: ” قُل لَّوْ كَانَ اَ۬لْبَحْرُ مِدَاداٗ لِّكَلِمَٰتِ رَبِّے لَنَفِدَ اَ۬لْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَٰتُ رَبِّے وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِۦ مَدَداٗۖ (. سورة الكهف، 104. وبالرجوع إلى تفسير هذه الآية، فإن من معانيها أنه كلام لا حد له ولا منتهى؛ بمعنى أن له خاصية سعة المعاني، فالآية الواحدة تحتوي معاني كثيرة لا تكاد تنقضي ما دامت السماوات والأرض.

حول صورة الإنسان/ المرأة في كتاب الله العزيز

تأسيسا على ما سبق ذكره، يحاول المقال اكتشاف صورة الإنسان، من خلال بعض المواطن في القرآن الكريم.

جاء في القرآن الكريم ذكر لامرأة العزيز، سيدة نساء مصر زوجة عزيز مصر التي قامت بما قامت به من الجرأة على حدود الله، حيث راودت يوسف عليه السلام،  قال تعالى حكاية عن مشاهد المغامرة المشينة التي كانت بطلتها هذه المرأة: ” وَرَٰوَدَتْهُ اُ۬لتِے هُوَ فِے بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِۦ وَغَلَّقَتِ اِ۬لَابْوَٰبَ وَقَالَتْ هِيتَ لَكَۖ قَالَ مَعَاذَ اَ۬للَّهِۖ إِنَّهُۥ رَبِّيَ أَحْسَنَ مَثْو۪ايَۖ إِنَّهُۥ لَا يُفْلِحُ اُ۬لظَّٰلِمُونَۖ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِۦۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَآ أَن رّ۪ء۪ا بُرْهَٰنَ رَبِّهِۦۖ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ اُ۬لسُّوٓءَ وَالْفَحْشَآءَۖ ا۪نَّهُۥ مِنْ عِبَادِنَا اَ۬لْمُخْلَصِينَۖ (24) وَاسْتَبَقَا اَ۬لْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُۥ مِن دُبُرٖ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا اَ۬لْبَابِۖ قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنَ اَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوٓءاً اِلَّآ أَنْ يُّسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ اَلِيمٞۖ ( (25) سورة يوسف. ليس الغرض من القصة سرد مجمل تفاصيلها فذلك مما حفلت به كتب التفسير وغيرها من الكتابات التي تناولت سورة أو قصة يوسف عليه السلام، وإنما المراد الوقوف على مسألة غاية في الأهمية انطلاقا من هذه القصة، ألا وهي هل يكون الفقر وحده الدافع الوحيد والأوحد لركوب الإنسان أمواج الفواحش والمنكرات والسباحة في بحر التجاوز لحدود الله تعالى أم أن ثمة عوامل أخرى تحمل الإنسان على الانحراف على نهج طريق الله تعالى؟

جوابا على السؤال السالف الذكر، والنظر إلى شخصية امرأة العزيز التي لم تكن من أصحاب الحاجة أو الفئات المعوزة حتى تقدم على ما أقدمت عليه بمبرر الفقر والحاجة، فإن الظاهر من القرآن الكريم ومن اسم هذه المرأة ” امرأة العزيز” أنها من الطبقة البورجوازية التي تمتلك من أسباب العيش أوسعه وأفضله، ولكن مع ذلك كله تصنع بطولة من البطولات السيئة، وترسم صورة سلبية عن المرأة غير الفقيرة.

من خلال ما تقدم بيانه ودون مزيد إطالة في البيان والتفصيل، يتضح أن الفقر ليس بالضرورة دافعا نحو التجرؤ على حدود الله وارتكاب الكبائر والمنكرات، بل إن مع الغنى والجاه وعظيم المكانة الاجتماعية يكون ” التألق” في عالم الوقوع في براثن التصرفات الدنيئة، خاصة حينما يجتمع في الإنسان سمة الغني والثراء والبعد عن الله وعدم استحضاره مراقبته، كما هو حال امرأة العزيز التي يدل سياق القرآن على أنها لم تراقب الله تعالى في كل ما فعلته من الممارسات الدنيئة.

إن ما قامت به المرأة / امرأة العزيز، يجعلنا نطرح سؤال: ما العمل حتى نجنب المرأة ومعها المجتمع من ويلات هذه التصرفات؟ فنمنع سريان هذا الأمر أو قل على الأقل التقليل من دائرة وقوعه بين الناس.

بالتأمل في وصايا رسول الله عليه السلام يجد الإنسان المسلم أن من الوصايا الهامة التي وجه النبي عليه السلام أمته إليها، الوصية بالنساء، جاء في الحديث  :”عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء) متفق عليه)، وفي لفظ مسلم:  استوصوا بالنساء خيرا[2]، وأحسب أن هذا الحديث من جوامع كلم رسول الله عليه السلام في هذا الباب. فالوصية بالنساء عامة تشمل كل ما من شأنه تحقيق غاية صلاح وإصلاح الإنسان / المرأة. وإن شاء المقال إحصاء ما يتفرع عن هذه الوصية من قواعد تضبط سلوك المرأة وتهذبه حتى يسلم من كل شر وبلية ضارة بالنفس والغير، لما وسعته هذه الأسطر والصفحات، ولكن يمكن الإشارة إلى أهم ما ذكره القرآن من تشريعات تحمي من الانحراف والزلل، إنها الصلاة فهي المنجية من الوقوع والسقوط في الرذيلة، مصداقا لقول الحق سبحانه: “إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَاۤءِ وَٱلۡمُنكَرِۗ وَلَذِكۡرُ ٱللَّهِ أَكۡبَرُۗ وَٱللَّهُ یَعۡلَمُ مَا تَصۡنَعُونَ ﴾[العنكبوت 45.

ختاما، يتضح من خلال التحليل والمناقشة لهذا الموضوع، أن فرضية إمكانية اقتران الغنى والثراء الاجتماعي مع ارتكاب المخالفات الشرعية (الزنى وما في معناه)، فرضية صحيحة بالنظر إلى ما قدمه القرآن الكريم من الشواهد والحقائق الدالة على ذلك. ولست في هذا أزعم الصواب الذي لا شك فيه، ولكن أظن أن القرائن تدل على الاقتراب من الصواب إن لم يكن في الأمر الصواب عينه.

 

 

[1] ـ الدكتور سعيد شبار، أستاذ جامعي وباحث في الفكر الإسلامي.

[2]https://www.islamweb.net/ar/

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى