د محمد بولوز يكتب: أين الأوفياء لجامع القرويين الذي وفى؟

بحلول السنة الهجرية 1445 يكون قد مر على تأسيس جامع القرويين قرابة اثني عشرة قرنا، وهي مناسبة جليلة يحسن بالأوفياء من العلماء وطلبة العلم ومختلف المؤسسات العلمية والجامعية ببلادنا وكل البلاد في المغرب الإسلامي الكبير بل وكثير من البلاد الأفريقية وغيرها ممن لهذه المعلمة العلمية الكبيرة فضل عظيم عليها، يحسن بكل هؤلاء وكل الفضلاء الأوفياء في هذا الوطن وفي جهة فاس وفي مختلف المواقع العلمية والسياسية والاقتصادية والثقافية والفنية.. أن يؤدوا بعض الواجب اليسير في حق جامع القرويين، تذكيرا بدور جامع القرويين الحضاري وما ساهم به في بناء المغرب إسلاميا وتاريخيا وثقافيا وعلميا، وما بثه هذا الصرح العظيم من إشعاع داخل المغرب وخارجه، وما ساهم به في تنمية ونهضة الغرب الإسلامي، وإعادة بعث الروح في هذه المعلمة العلمية التاريخية والحضارية لتستأنف عطاءها وإبداعها وتواكب المغرب الحديث بكل تحدياته وحاجاته وخصوصا ما يتعلق بهويته وأصالته وتجديد بوصلته لاستئناف رسالته الحضارية في العالمين، فإلى كل الأوفياء هذه المادة التذكيرية، لإطلاق احتفالية وطنية ودولية تنخرط فيها مختلف المؤسسات الرسمية والشعبية والفعاليات المدنية والثقافية والفنية والعلمية تخلد للحدث وتستشرف الدروس للمستقبل.

المغرب علميا وحضاريا “هبة القرويين”

أكرم الله بلاد المغرب الأقصى بهبة ربانية يمكن القول فيها باطمئنان بأن المغرب علميا وحضاريا “هبة القرويين” كما قيل قديما في مصر التي جعلها الله تعالى “هبة النيل”.

إنه مسجد أسس من أول يوم على تقوى من الله تعالى، فصاحبته رحمها الله قررت أن يكون مسجد القرويين من المال الطيب الذي لا شبهة فيه وقررت أن تستمر في الصيام حتى ينتهى بناؤه. إنه مسجد احتضن لحظات غالية من تاريخ مغربنا الأصيل. فقد تغيرت الدول التي تعاقبت على حكم المغرب الأقصى، لكن جامعة القرويين -التي شيدتها فاطمة الفهرية قبل 12 قرنا بمدينة فاس (٢٤٥ه)- ما تزال شاهدة على عصور أنجبت “منارات” المعرفة الإنسانية في مختلف المجالات.

يقول الحجوي الثعالبي رحمه الله تعالى في كلمة جامعة عن القرويين بعد أن أورد كلاما عن إصلاح الأزهر (فلنقل كلمة عن أختها القرويين لما عسى أن يكون لهذا المعهد من التأثير على ارتقاء الفقه أو انحطاطه أثناء القرن الجاري؛ لأنه المعهد الأعظم في إفريقيا الشمالية للعلوم العربية والدينية والآداب الإسلامية، لا سيما بعد سقوط الأندلس، فهو الينبوع النمير لهاته العلوم، والقبس النير للدين الحنيف، ومادة حياة القومية المغربية العربية، وبه قوامها، وقائد رشدها، وشمس نورها، وقد بلغ صيت الرعيل الأكبر من المؤلفين المتخرجين منه أقصى المغارب، ولا تزال تآليفهم سراجا وهاجا في الأقطار الشاسعة، ومعاهدها الجامعة). (الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي ج٢ ص ٢٢٥).

في القرويين بصمة بارزة للمرأة المغربية الأصيلة:

ففي القرويين بصمة بارزة للمرأة المغربية الأصيلة، إنها فاطمة الفهرية التي بنت الجامع في الوقت الذي بنت فيه أختها مريم الفهرية مسجد الأندلسيين في العدوة الأخرى من فاس، يقول عبد الله كنون رحمه الله عن القرويين في مجلة الرسالة لحسن زيات رحمه الله عدد٢٦١: “فأولى الميزات التي تبعث على الفخر والازدهار، وهي مما اختص به هذا الجامع، أن مؤسسه امرأة، وامرأة من صميم الشعب، لا ملكة ولا أميرة. وفي هذا ما يكفي لرد ما يتقوله المتقولون على المرأة المسلمة ويصمونها به من الجهل والتأخر عن مجاراة سنن الحياة”. 

مسجد القرويين: القلب النابض لفاس والمغرب الأقصى:

يقول الدكتور عبد الهادي التازي رحمه الله: “هناك في مدينة فاس نصف هكتار يحتضن -منذ القرن الثالث الهجري- قلب المغرب النابض الذي ظل يشع على كل أطراف المملكة، ذلك القلب هو: «جامع القرويين» الذي يعتبره المؤرخون، وفي صدرهم كريستوفيتش Christovitch أقدم جامعة في العالم استمرت في أداء رسالتها العلمية منذ إنشائها عام 245هــ – 859م، وقد كانت القرويين بما يتبعها من عشرات الفروع المنبثة في أرجاء المدينة، كانت تتوفر في فترة من الفترات على مائة وأربعين كرسيا علميا يقصدها الناس من كل جهة، وقد تنافس العلماء على اعتلاء منبرها ولو ليوم واحد من حياتهم، وعاد من المعهود المألوف أن الطلبة الذين درسوا في جنوب المغرب أو شرقه أو شماله، يقصدون في النهاية، جامع القرويين إذا كانوا يريدون لصيتهم أن يعلو ولعلمهم أن يروج” (ذكر هذا في شهادته في حق المحتفى به: عبد الهادي بوطالب رحمه الله تعالى “نمط فريد من أنماط المعرفة وعلم من أعلام السياسة”.

وقد ازدهرت هذه الكراسي التي أشار إليها د.عبد الهادي التازي في جامع القرويين أكثر سنة ٦٥١هـ / ١٢٣٥م بمبادرة من إمام جامع القرويين على بن الحاج (٦٥٣هـ/ ١٢٥٥م)، وقد رُصدت أوقاف كثيرة على هذه الكراسي والعلماء الذين يقومون بالتدريس فيها، ومن الأمثلة على ذلك كرسي المحراب الذي وُقف عام ٦٥١هـ /١٢٥٣م، فكان عدد العقارات المحبسة عليه ٢١ عقارًا، (١٢عقارًا للقراءة في الصباح، و٩ عقارات للقراءة في المساء)، وكان هذا الكرسي مخصَّصًا في بدايته لتدريس تفسير القرآن الكريم للثعالبي وحلية الأولياء لأبي نعيم، ثم أضيف إليه لاحقًا كتاب إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي، وكتاب الشفاء للقاضي عياض.

ويُعدُّ كرسي الفقيه الونشريسي من أثرى الكراسي العلمية وأغناها بالقرويين؛ لذا كان معروفًا لدى الناس باسم كرسي القاضي، فكان من ضمن أحباسه ٨٧ حانوتًا وعقارًا وأرضًا موزعة في أهم جهات المدينة.

وجامع القرويين لم يكن خاصا بالعلوم الشرعية بل ازدهرت فيه مختلف العلوم المادية النافعة، ففي ترجمة أحد طلابه “ابن السنوسي المتوفى سنة ١٢٧٦هـ” الذي قدم إليه لأخذ العلم عن رجاله، حيث وصف العلوم التي تدرس فيه ذلك العهد، “وذكر منها علم الفرائض والحساب والإسطرلابَيْن وصناعتهما، والرياضيات والهندسة والهيئة، والطبيعية، والأرثماطيقي، وأصول قواعد الموسيقى، والمساحة والتعديل والتقويم وعلم الأحكام والينس “بكسر النون” والوقف والقواعد الجفرية، وأصول الزايرجية، والبسط والتكسير، والجبر والمقابلة، وغيرها”. 

القرويين يعطي أول شهادة لتخرج طبيب في العالم:

فالإجازة الأقدم من نوعها منحتها جامعة القرويين، التي توصف بأنها أعرق جامعة في العالم، سنة 603 هجرية، الموافقة لـ1207 ميلادية، على يد لجنة علمية ضمت طبيبين أندلسيين، لفائدة طبيب يدعى عبد الله بن صالح الكتامي.

وتوجد النسخة الأصلية من هذه الشهادة العلمية التاريخية بمديرية التاريخ العسكري بالعاصمة الرباط، فيما تتوفر جامعة فاس على نسخة ثانية منها.

وبحسب رئيس جامعة القرويين أمال جلال، فإن الشهادة موثقة عدليا ومشهود بصحتها من طرف قاضي مدينة فاس خلال القرن 13، خلال حكم السلطان الموحدي أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن الكومي.

وتعد هذه الشهادة واحدة من عدة وثائق ومخطوطات تاريخية نادرة، تؤرخ لحقبة ذهبية من تاريخ جامعة القرويين بمدينة فاس.

خزانة القرويين:

ومن كنوز القرويين خزانتها العامرة الغنية الثرية والتي أسسها السلطان أبو عنان فارس المريني وأودعها كما يقول الجزنائي: (من الكتب المحتوية على أنواع من علوم الأبدان والأديان واللسان والأذهان وغير ذلك من العلوم على اختلافها وتنوع ضروبها وأجناسها ووقفها ابتغاء الزلفي ورجاء ثواب الله الأوفى، وعين لها قيما لضبطها ومناولة ما فيها وتوصيلها لمن له رغبة. وأجرى له على ذلك جراية مؤبدة تكرمة وعناية وذلك في جمادى الأولى سنة ٧٥٠). وقد وقف كثير من العلماء كتبهم على خزانة القرويين، ومن هؤلاء ابن خلدون، الذي وقف كتابه “العبر” على خزانة القرويين في نهاية القرن الثامن.

من أعلام وعلماء القرويين:

وابتدأ نجم القرويين يلمع في سماء العلم منذ أواخر القرن الثالث وأوائل الرابع، وما كاد القرن الرابع يبلغ النصف حتى كان مثل عبد الله بن أبي زيد القيرواني صاحب الرسالة والنوادر والذي يعرف بمالك الصغير يشد الرحلة إلى أحد رجاله وهو دراس بن إسماعيل المتوفى سنة ٣٥٧هـ وفي هذا العهد كان أيضاً أبو جيدة ابن أحمد وهو فقيه فاس ومحررها من سطوة عامل المنصور بن أبي عامر. ولا شك انه كان أحد أساطين هذه الكلية وممن عملوا على رفعة شأنها وعلو قدرها، وتتوالى حلقات السلسلة حتى تصل إلى العصر الحاضر مؤلفة من رجال وقفوا حياتهم على خدمة التشريع الإسلامي تحت راية مالك وأصحابه فبلغوا به الغاية التي ما بعدها غاية في الكمال، وطارت لهم شهرة مطبقة في أرجاء العالمين الشرقي والغربي. فما منهم إلا إمام فتوى ومجتهد مذهب مثل الفقيه ابن عمران الفاسي المتوفى سنة ٤٣٠ والفقيه ابن محمد صالح المتوفى سنة ٦٣١ والفقيه راشد الفاسي المتوفى سنة ٦٧٥ والفقيه أبي الحسن الصغير المتوفى سنة ٧١٩ والفقيه أبي عمران العبدوسي المتوفى سنة ٧٧٦ والفقيه القوري المتوفى سنة ٨٧٢ والفقيه أبي علي بن رحال المتوفى سنة ١١٤٠ والفقيه الرهوني المتوفى سنة ١٢٣٠ وغيرهم.

وفي الحقيقة إن أكثر الجهود في الكلية في كل عصر كانت موجهة إلى هذه الناحية من التعليم، ومعظم إنتاج رجالها كان في هذا العلم: علم الفقه وما إليه على مذهب مالك رحمه الله حتى ليصح القول إن أهل كل بلاد لم يخدموا مذهبهم بقدر ما خدمه أهل المغرب، وإن المذهب المالكي لم يصل إلى ما وصل إليه من الخصب والنماء والنضوج -حتى أن أتباع غيره من المذاهب ربما اضطروا إلى الأخذ عنه والاقتباس منه كما في بعض قوانين المحاكم الشرعية بمصر- إلا بفضل القرويين وما أبدوه من الهمة الصادقة في هذا السبيل.

ومن ثبت أسماء النابهين في هذه العلوم وأسماء مؤلفاتهم تدرك مبلغ القيام الذي كان لأهل القرويين عليها. وممن يذكرون من أعلام هذا الجامع العظيم: العالم الصوفي الجامع علي بن حرزهم المتوفى سنة ٥٥٠ والمتكلم أبي بكر السلالجي صاحب البرهانية في علوم الاعتقاد، وكان يعد في طبقة أبي المعالي الجويني؛ توفى سنة ٥٦٤، والمفسر المحدث ابن عبد الجليل القصري المتوفى سنة ٦١٥، والمفسر الأصولي أبي عبد الله المزدغي المتوفى سنة ٦٥٥ والمحدث الرواية ابن رشيد السبتي المتوفى سنة ٦٩٢، والعالم الصوفي الجامع الشيخ زروق المتوفى سنة ٨٩٩، ومن أعلام القرويين شيخ الجماعة، الإمام العالم المجاهد أبو عبد الله، ابن غازي (ت 919ه)، والحافظ أحمد بن يوسف الفاسي المتوفى سنة ١٠٢١، والحافظ أبي العلاء العراقي المتوفى سنة ١١٨٣ والمفسر المتكلم الشيخ الطيب ابن كيران المتوفى سنة ١٢٢٧.

ومن نبغاء خريجي القرويين في هذه العلوم ميمون الفخار صاحب التحفة والدرة وغيرهما المتوفى سنة ٧١٦ وابن بري صاحب الدرر اللوامع المتوفى سنة ٧٣١ والخراز صاحب مورد الظمآن المتوفى سنة ٨١٨ وسواهم كثير.

ولقد درج في الكلية من فطاحل علماء اللغة وكبار أهل الأدب ما بقي فخراً لها على مر السنين والأعوام، مثل الشاعر الأديب يحيى بن الزيتوني الذي قهر ابن زيدون في بلاط ابن عباد، والشاعر الباقعة ابن حبوس الفاسي، والعلامة ابن رقية من ذرية المهلب ابن أبي صفرة كان حجة في الأدب وله كتاب في الشعر والأنساب توفى سنة ٦٠٦هـ. والشاعر المشهور أبي العباس الجراوي الذي يعد من مفاخر هذه العدوة، وصاحب كتاب صفوة الأدب وديوان العرب المعروف بالحماسة المغربية الموجود مختصره في مكتبة بالأستانة توفى سنة ٦٠٩ والنحوي أبي عبد الله بن آجروم المشهور المتوفى سنة ٧٢٣؛ والنحوي اللغوي أبي زيد المكودي المتوفى سنة ٨٠٧ والنحوي أبي العباس القدومي المتوفى سنة ٩٩٢، والأديب الشاعر الناثر عبد العزيز القشتالي، مفخرة المغرب في عصره، المتوفى سنة ١٠٣٢؛ والنحوي محمد المرابط الدلائي المتوفى سنة ١٠٨٩؛ والشاعر الأديب أبن زاكور شارح الحماسة والقلائد وصاحب كثير من الكتب الأدبية القيمة المتوفى سنة ١١٢٠؛ والشاعر الرقيق ابن الطيب العلمي صاحب الأنيس المطرب المعروف المتوفى سنة ١١٣٤؛ وإمام أهل اللغة في عصره أبي عبد الله محمد بن الصميلي صاحب الحاشية الفريدة على القاموس الذي استقى منها كثيراً السيد مرتضى صاحب (التاج)، وعنه يعبر بشيخنا وله عشرات الكتب غيرها في اللغة والأدب توفى سنة ١١٧٠، إلى غير ذلك…

فمن رسل الثقافة العلمية من أهل الأندلس إلى المغرب أبو بكر ابن باجة الفيلسوف والعالم الطبيعي والرياضي والطبيب والموسيقار المشهور، وأبو العلاء بن زهر الطبيب البارع المدقق في شتى الأمراض، وابنه أبو مروان صاحب كتاب التيسير في المداواة والتدبير، والذي أثر تأثيراً بليغاً في الطب الأوروبي بترجمة كتبه وهو ميت فكيف يكون تأثيره في المغرب وهو حي؟ وأبو بكر ابن طفيل الفسكسي والطبيب والفيلسوف المشهور صاحب قصة حي بن يقظان وأبو الوليد بن رشد الذي ما أثر تأثيره أحد في نهضة العلوم بأوربا. وقد كان في بلاط الخليفة الموحد يوسف بن عبد المؤمن الذي بلغ في رعايته وإكرامه وهو الذي حمله على شرح كتب أرسطو وتلخيص فلسفته،

ومن الأفراد النابغين في هذه العلوم من أبناء البلاد الذين درجوا من الكلية وتخرجوا فيها العلامة أبو الياسمين كان فرداً في العلوم الرياضية من هندسة ونجوم وعدد، وله أرجوزة في الجبر قرأت عليه بأشبيلية سنة ٥٨٧ وكان هو الذي نشر ذلك العلم بها. ومنهم ابن البناء العدوي، العلامة الرياضي والفلكي والطبيب المشهور له موضوعات كثيرة في الحساب والجبر والفلك وغير ذلك وتفوق على كثير من علماء الرياضة قبله سواء في الشرق أو المغرب وخاصة في حساب الكسور، توفى سنة ٧٢١؛ وابن أبي الربيع اللجائي العالم الرياضي الفلكي المبدع له أعمال متفوقة وآلات نافعة في علم الهيئة، وكانت وفاته سنة ٧٧٣ والعلامة الجادير صاحب روضة الأزهار في علم الهيئة المتوفى سنة ٨١٨؛ وأبي الفديم الوزير الطبيب والعالم النباتي المشهور صاحب مدينة الأنوار في شرح ماهية العشب والأزهار، وكان طبيب المنصور الذهبي الخاص. وأبي القاسم الغول العالم الرياضي والطبيب مؤلف كتاب حافظ المزاج ولافظ الأمشاج المتوفى سنة ١٠٥٩ وابن حميدة المطرفي صاحب المقرب في الهيئة المتوفى سنة ١٠٠١، وأبي سليمان الشروداني الفيلسوف والرياضي البارع له أعمال وآلات لم يسبق بها في الفلك توفى سنة ١٠٩٥ وعبد الرحمن العبابي العلامة الطبيعي والرياضي والفيلسوف مؤلف الأنتوم في مبادئ العلوم تكلم فيه على زهاء (١٥٠) علما واستوعب نظرياتها واستوفى حدودها فهو من الموسوعات العظيمة الفائدة توفى سنة ١٠٩٦، وعبد الوهاب أدران الطبيب المدقق صاحب الذيل على أرجوزة ابن سينا وغيره من الكتب الموضوعية المتوفى سنة ١١٥٩، وعبد القادر بن شقرون صاحب الشقرونية وغيرها في الطب، وكثير غير هؤلاء لم نشر إلى أسمائهم اختصاراً لحصول المقصود على ما قامت به هذه الجامعة في الماضي من نشر الثقافة العلمية وتأدية رسالة العربية كما حملت. ولهذا لا يستغرب أن يؤمها الطلبة من أقصى بلاد أوربا وغيرها،

وقد اشتهر كثير ممن درس فيها من الأجانب وكان لهم تأثير قوي على العقلية الأوربية في ذلك الحين، ومن أعظمهم البابا سلفستر، الذي هو أول من أدخل إلى أوربا الأعداد العربية التي لا تزال مستعملة في المغرب إلى الآن وتعرف بحروف (الغبار) أو (بالغباري) بدون إضافة ومن يتتبع تاريخ العلوم في القرويين يجد أنها اجتازت ثلاث مراحل مهمة:

الأولى: عند قيام الدعوة الموحدية في منتصف القرن السادس حيث انتصر مذهب الأشعرية في الاعتقاد على مذهب السلف الذي كان عليه أهل المغرب منذ البدء، فدخل علم الكلام على طريقة الأشعري بما يستلزمه من نظريات الفلسفة ومقدماتها إلى القرويين وتوطد أمره فيها منذ ذلك العهد إلى يوم الناس هذا؛

والثانية: عندما أعلن يعقوب المنصور ثالث خلفاء الموحدين الحرب على علم الفروع وعمل على نشر السنة بالترغيب والترهيب وأحرق كتب الفقه من المدونة والتهذيب والواضحة وغيرها، فانصرف الناس إلى علوم الحديث والتفسير وإحياء ما اندثر من أصولهما وكان ذلك فاتحة عهد جديد في الدراسات الإسلامية بالقرويين؛

والثالثة: عندما أصدر السلطان سيدي محمد بن عبد الله العلوي منشوره الإصلاحي الهام إلى الشيخ التاودي بن سودة، وكان رأى ما آلت إليه الحركة العلمية في القرويين من الفتور والاضمحلال فساءه ذلك المآل وعمل على بعثها وتجديدها بما أثر في حياتها المستقبلية بعد ذلك تأثيراً بليغاً؛

وفي عهد الموحدين كان معظم مباني ومنشآت فاس ملكا لأوقاف القرويين، ويذكر الجزنائي أن غلات أوقاف القرويين على عهد المرينيين ناهزت في بعض الأعوام عشرة آلاف دينار فضة، وقد غدت ميزانية القرويين تنافس ميزانية الدولة، بل إن الدولة استقرضت من خزينته في كثير من الأحيان.(انظر: جني زهرة الآس في بناء مدينة فاس، الجزنائي، ص ١٩٥-١٩٦، وجامع القرويين، عبد الهادي التازي، دار الكتاب اللبناني، ٢/ ٤٥٦).

ومن الأعلام المعاصرين:

عبد الكريم الخطابي (1882 – 1963 م). زعيم سياسي وعسكري مغربي. قاد الثورة ضِدّ الاستعمار الإسباني والفرنسي، ومن أشهر المعارك التي خاضها معركة أنوال والتي انهزمت فيها إسيانية هزيمة ساحقة.

علال الفاسي (1910 – 1974 م)، عالم ومفكر إسلامي وأديب وسياسي مغربي، مُؤسس حزب الاستقلال وزعيم الحركة الوطنية المغربية،  شارك في المقاومة الاستعمارية ومعارك الاستقلال والتحرر في المغرب والعالم العربي.

محمد تقي الدين الهلالي (1893 – 1987 م)، محدث ولغوي وأديب وشاعر ورحالة سلفي ظاهري مغربي، ومن أبرز أعماله ترجمة صحيح البخاري والمجمع للقرآن الكريم باللغة الإنجليزية.

عبد الله بن الصديق الغماري (1910 – 1993 م)، فقيه وعالم دين مسلم من المغرب.

فاطمة القباج (1932م)، واحدة من أوائل الطالبات القلائل اللواتي التحقن بجامعة القرويين. أصبحت فيما بعد العضوة الوحيدة في المجلس العلمي الأعلى المغربي سنة 2004.

ومن الأعلام: أبو شعيب الدكالي ومحمد بن العربي العلوي ومحمد المختار بن علي بن أحمد السوسي الإلغي الملقب برضا الله والمعروف بمحمد المختار السوسي (1318هـ-1383هـ/1963م) مؤرخ وأديب وعالم ومجاهد مغربي.

والعلامة سيدي أحمد النجاري رحمه الله. والعلامة محمد التاويل وأحمد الغازي الحسيني،وعبد الكريم الداودي ومحمد بن حماد الصقلي، الطيب برادة، عبد الهادي بوطالب عبد الهادي التازي والرحال الفاروقي وأحمد بونو وعلال الكنبور الحاج أحمد بنشقرون والعلامة المدغري. والعلامة عبد الهادي اليعقوبي خبيزة.والعلامة الغازي مختوم. والعلامة عبد الحي العمراوي. والعلامة بنسالم الفاسي. والعلامة محمد بن علي الكتاني. والعلامة محمد الزيزي… وغيرهم كثير.

القرويين والاحتلال الفرنسي:

جاء في كتاب: “كتاب أعلام وأقزام في ميزان الإسلام [سيد حسين العفاني]” صليبيون حتى النخاع قد بدت البغضاء من أفواههم *المارشال ليوتي أول حاكم فرنسي للمغرب عمل على هدم اللغة العربية وإحلال الفرنسية محلها، وخلق الخصومة بين العرب والبربر:

قال ليوتي لأحد أعوانه أنه: إذا تم لفرنسا القضاء على القرويين فقد ضمنت فرنسا لنفسها الخلود في المغرب؛ ذلك لأن خريجي القرويين كانوا أهم عنصر في المقاومة التي واجهت الاستعمار الفرنسي، ولقد تعرضت جامعة القرويين منذ أواخر القرن الثامن عشر إلى حملة ضخمة قادها كتاب الأفرنج وطعنوا في معارف أهلها وكفاءاتهم، وكان هذا تمهيدًا للتدخل في مناهجها ومحاولة إماتتها والقضاء عليها.”

فأوفياء ليوتي ببلادنا مستمرون في إضعاف العربية وتهميش الشريعة وشطب القيم الأصيلة، وأين أنتم يا أوفياء جامع القرويين؟

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى