عليلو يكتب: دروس من هول الفاجعة

عاش المغاربة نهاية الأسبوع الماضي مع هول الزلزال الذي ضرب مساحة واسعة من الوطن الحبيب، وخلف آلاف الضحايا والمصابين، وتدمير قرى ودواوير بأكملها، وهو الزلزال الذي لم يعرف له المغرب مثيلا منذ زلزال الحسيمة المدمر.

لكن هذا الزلزال رغم آثاره السلبية والمدمرة، والتي ولاشك ستترك آثارها على الناجين منه من شدة هول ما عاشوه وشاهدوه. لقد سجل هذا الزلزال مواقف إيمانية وتربوية وملحمة وطنية، يعتز بها كل مغربي أصيل، وتجعله يرفع رأسه عاليا بين الأمم، دروس كثيرة يمكن استخلاصها من هذا الزلزال للإعتبار نذكر منها:

أولا: الزلزال كما غيره من الظواهر الطبيعية، آية من آيات الله، يقع وفق سنن جارية أودعها الله سبحانه في كونه، ولا معنى للحديث عن أن ما أصاب القوم هو نتيجة ما عملت أيديهم، وما جنت جوارحهم من آثام ومعاص، والقرآن الكريم حينما يتحدث عن العذاب الذي حل بأهل القرى في مواضع متعددة، إنما كان يتحدث عن المكذبين بالرسل والمتجبرين في الأرض، ويحذر المشركين من أن يحل بهم مثل ما سبق ويدعوهم إلى النظر والتأمل في تاريخ الأمم السالفة ، وكما كتب أدهم الشرقاوي ” لا توزعوا أقدار الله على الناس حسب مزاجكم، ليس كل من هلك عاصيا، ولا كل من نجا تقيا، في طاعون عمواس مات أبو عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة، ومعه حشد من الصحابة، ونجا الروم على مقربة منهم وهم لا يساوون شساع نعالهم.

ثانيا: أثبت الزلزال أصالة هذا الشعب، وعمق تدينه من خلال المشاهد التي شاهدها العالم، صبر واحتساب ورضا بقضاء الله وقدره، حيث جسد الناجون من الزلزال هذه المعاني رغم الفقد، فقد الأب الام الزوج الأبناء.. ومع ذلك لم نسمع ما يدل على السخط والتذمر، بل كل ما سمعناه وشاهدناه يدل على عراقة هذا الشعب وعمق تدينه، الكل راض ” هذا أمر الله، ونحن راضون، ما ذهب من دور وأثاث يخلفه الله…” تعابير لأهل المناطق المنكوبة كلها تدل على هذه الأصالة المغربية المنبثقة من عمق تدينها.

ثالثا: مظاهر الستر والوقار عند عموم نساء وفتيات المناطق المنكوبة، فقد تناقلت وسائل الاعلام وشبكات التواصل الاجتماعي صورا لنساء هذه المناطق، وهن يرتدين لباسا ساترا محتشما، بل إن الكثير من النساء لا يرفعن وجوههن أمام الكاميرات وعدسات التصوير، ومنهن من يستخفين من أمام أجهزة التصوير، إنها المرأة المغربية الحرة الأصيلة.

رابعا: سجل الشعب المغربي في هذا الزلزال ملحمة بطولية، حيث جسد قيم التضامن والتكافل والتآزر، متمثلا قوله صلى الله عليه وسلم “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” فهب المغاربة يتنافسون ويتسابقون من أجل تقديم الدعم والمساعدة للقرى المنكوبة، بل لقد شاهدنا مشاهد تدمع لها العين ويخفق لها القلب لأناس جسدوا قوله تعالى “ويوثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة” من منا لم يتأثر بصورة رجل  يحمل كيسا من الدقيق للتبرع به، والمرأة التي تحمل قنينة زيت، والمرأة جاءت لتتبرع بخاتمها لأنه كل ما تملك…

وهكذا هم المغاربة في الشدائد والمحن يظهر معدنهم الأصيل يبهرون العالم ويقدمون له الدروس تلو الدروس .

خامسا: الزلزال اظهر للعالم أن المغرب العميق يحتاج الى تنمية، فالمغرب ليس هو المدن الكبرى التي نالت حظها من التنمية، لكن هناك مغرب عميق لم ينل حظه من أبسط شروط التنمية.

الطرق، الانارة والصحة…

فالحاجة ماسة اليوم الى سياسة تنموية حقيقية تراعي الفروق بين الجهات وتحدث العدالة المجالية بين جهات ليستفيد كل المغاربة من ثروة الوطن.

سادسا: اثبت الزلزال كما أثبتت احداث ووقائع من قبل أن المغرب يمتلك من الامكانات والمؤهلات ما يجعله في مصاف الدول الصاعدة، وأن الشعب مستعد للتعبئة الشاملة كلما دعت الضرورة الى ذلك، شعب يرسم صورة ايجابية عن وطنه، سجلنا هدا في مونديال قطر والقيم التي اعلاها المنتخب المغربي، الدي لقب بمنتخب الساجدين، والدي اعلى من قيمة ” مرضاة الوالدين”، وكذلك عند جائحة كورونا ومظاهر التضامن التي عمت البلد مع الفئات المعوزة والفقيرة، اليوم يجسد المغاربة هده المعاني والقيم الأصيلة، تجند وتطوع اذهل العالم، مبادرات مدنية وشعبية في تلاحم وتكامل  مع  الأدوار التي تقوم بها مؤسسات الدولة مشكورة.

وطننا يستحق ان يكون رائدا بين الأمم، وبإمكانه أن يسترجع مكانته واشعاعه الحضاري إذا خلصت النيات والتزم المغاربة كلهم على اختلاف مناصبهم ومسؤولياتهم بالجدية التي دعا إليها جلالة الملك في خطاب العرش الأخير: ”الجدية في الحياة السياسية والادارية والقضائية، الجدية كمنهج متكامل يقتضي ربط المسؤولية بالمحاسبة، إشاعة قيم الحكامة والعمل والإستحقاق وتكافؤ الفرص”. الجدية والإرادة السياسية واستثمار القيم الجامعة والاصيلة للأمة المغربية مفاتيح أساسية لتحقيق نهضة حضارية شاملة.

محمد عليلو عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى