دراسة ترصد سيناريوهات ما بعد عملية طوفان الأقصى

رسمت دراسة جديدة صادرة عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، سيناريوهات ما بعد عملية طوفان الأقصى في قطاع غزة، التي شكَّلت نقطة تحول استراتيجية فعلية لا افتراضية، وكرَّست تزايد الاتجاه الفرعي في المسار التاريخي الفلسطيني، والمتمثل في انتقال المواجهة من يد الجيوش الرسمية إلى يد الحركات الشعبية المسلحة والمسنودة بتأييد شعبي عربي واسع.

ورصدت الورقة العلمية الحديثة التي أعدها الدكتور وليد عبد الحي لمركز الزيتونة، تداعيات محورية لعملية طوفان الأقصى التي كرَّست تغيرا إيجابيا في الرأي العام الدولي سرعه ليصل إلى مجتمعات الدول الأكثر عداء للحقوق الفلسطينية،وفرضت على العقل “الإسرائيلي” إعادة النظر في أدبيات التفاؤل السياسي بمستقبل كيان الاحتلال التي روَّج لها اليمين الصهيوني.

وتحمل سيناريوهات عملية الطوفان معها للعامين القادمين مسارات متعددة وتنعكس على ثلاث تداعيات لا بدّ من التنبه لها، والتفكير في إعداد الخطط الاستراتيجية للتعامل معها، من خلال المسار الفلسطيني والموقف الإقليمي والمسار الدولي.

وعالجت الورقة العلمية المسار الفلسطيني، وقالت إن القادة والمجتمع الفلسطيني سيواجهون هموما للعامين القادمين، ففي شقه المتعلق بإعادة تأهيل الحياة الاقتصادية والاجتماعية في قطاع غزة، توقعت الدراسة وصول المساعدات المادية لقطاع غزة في وقت مبكر، لكن الأموال ستأخذ وقتا قد يطول وقد يقصر طبقاً لدرجة الاستجابة له المرتبط بمواقف الدول المانحة.

كما ترى الورقة أن الدول العربية الأكثر قدرة على تقديم المساعدات هي الأقل تناغما مع توجهات المقاومة الفلسطينية، وهو ما سيدفعها إلى وضع شروط سياسية (من خلف الستار) لتقديم المساعدة، مثل أن يتم تسليم الأموال إلى جهة دولية أو إقليمية أو السلطة الفلسطينية، وإخضاع الصرف للرقابة لضمان عدم توظيف الأموال في مؤسسات المقاومة أو لمساعدة عائلات المقاومين.

وفيما يخص الولايات المتحدة والدول الأوروبية واليابان، فإنهم سيفرضون شروطا سياسية وإدارية على مساعداتهم، وستكون دالة تلك الشروط هو إضعاف المقاومة من كل الوجوه، ووضعها أمام خيارات سياسية صعبة ودقيقة. كما أن المساعدات الصينية والروسية قد تكون دون شروط سياسية، لكنها—وخصوصا الروسية—ستكون متواضعة قياسا لحجم المبالغ المطلوبة، ونظرا للظروف الحالية في روسيا.

وتوقعت الدراسة في الشق المتعلق بإعادة تأهيل الحياة الاقتصادية والاجتماعية في قطاع غزة، أن تربط مصر بين مرور المساعدات والمواد المطلوبة لإعادة البناء والتأهيل الاجتماعي، أن يكون لشركاتها نصيب وافر في مشروعات إعادة التأهيل، خصوصا المؤسسات التابعة للجيش المصري (على غرار ما جرى بعد العدوان الإسرائيلي في سنة 2021). وستواجه حركة المقاومة تنازعا في الاختصاص بينها وبين السلطة الفلسطينية خصوصا في مجال تلقي أموال المساعدات وكيفية توزيعها وأولويات الصرف منها.

وفي الجانب الثاني من التداعيات في المسار الفلسطيني، تطرقت الورقة إلى تحديد الموقف السياسي من المبادرات والقرارات الدولية، حيث تتوقع بعد وقف إطلاق النار، ومفاوضات الأسرى والرهائن التي قد تطول أو تقصر طبقا لمعطيات ميدان المعركة، أن تواجه المقاومة ضغوطا وإغراءات في معالجة هذا الملف، وسيحاول الكيان الغاصب والولايات المتحدة وبعض الدول العربية الضغط على المقاومة للتنازل عن فكرة “تبييض” السجون من المعتقلين الفلسطينيين، وسيتم ربط بعض هذه الجوانب بالمساعدات من باب الغواية.

وفي الموقف الإقليمي الذي يعد المسار الثاني في هذه الورقة، قسم وليد عبد الحي هذا المسار إلى بُعدين، الأول هو الموقف العربي، ويتمثل في جوهره في بعدين هما الموقف المصري وموقف محور المقاومة، ولا يبدو أن الموقف المصري سيمسّه أي تغيّر جوهري، بينما قد يخبو دور محور المقاومة أو يبقى على حاله طبقا للنتائج الميدانية في قطاع غزة.

فيما يذهب البعد الثاني إلى أندور إيران وتركيا، استناداً للواقع الميداني فإن كلا البلدين سيعملان على بقاء موقفهما، وهو التأييد العلني للحقوق الفلسطينية مع فارق أساسي هو استمرار الدعم الإيراني للمقاومة دون الدخول المباشر في أيّ مواجهة لاحقة، إلا إذا وقع تطور كبير يصيب إيران ذاتها. أما تركيا فسياق سياستها لن يتجاوز حدود النقد العلني لسياسة الاحتلال الغاصب، مع بقاء علاقاتها التجارية والسياسية معها دون تغيير عملي.

وتحدد الورقة العلمية في المسار الدولي وهو الثالث في هذه الدراسة، الاتجاه المحتمل المتمثل في تعزيز عملية طوفان الأقصى من القناعة بين القوى الكبرى خصوصا الولايات المتحدة بضرورة إيجاد تسوية سلمية، ولعل حلّ الدولتين هو الحل الذي تؤيده أغلب دول العالم، وهو ما سيضع كيان الاحتلال في موقف حرج وأمام خيارين.

ويكمن الخيار الأول في القبول بحل الدولتين (وقد تعمل على تكييفه بشكل يخدم أمنها)، مع احتمال أن يفجر هذا القبول صراعاً بين القوى السياسية في داخل “إسرائيل”، وقد يصل إلى قدر من العنف، فيما يتمثل الخيار الثاني في رفض حلّ الدولتين وهو ما سيزيد من تقلص مساحة التأييد الشعبي والدولي لـ”إسرائيل”، وسيضع الدول العربية التي تُطبِّع مع الاحتلال الإجرامي في موقف أكثر حرجا، وبالتالي ستزداد ظاهرة انتقال إدارة الصراع من يد الدول إلى يد الحركات العربية المسلحة.

وتذهب الورقة العلمية في ختامها إلى أن بناء مصفوفة من التأثيرات المتبادلة Cross Impact Martix بين المستويات الثلاثة وتداعياتها يعطي مؤشرا أوليا على استمرار الصراع، لكن النتائج المباشرة لمعركة طوفان الأقصى تؤسس خلال العامين القادمين لما بعدهما، أي أن نتائج المعركة العسكرية والإدارة العقلانية من طرف المقاومة للصراع للمرحلة المباشرة بعد وقف القتال سيبقى هو الطاغي في العامين القادمين، ولكي يعود القطاع إلى حياته الطبيعية على أقل تقدير فإن الأمر قد يستغرق أكثر من العامين القادمين.

موقع الإصلاح

 

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى