خبراء يحللون توصية المجلس الأعلى للتربية والتكوين بالانتقال من منطق الشحن إلى تنمية مهارات التعلم

عقد المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي الثلاثاء الماضي لقاء تواصليا، بمقرّه عرض فيها آراءه التي أعدها، وصادقت عليها الجمعية العامة استجابة لطلب الحكومة بشأن مشروع قانون، وثلاثة مشاريع مراسيم بالإضافة لمشروع قرار، تهمّ المنظومة الوطنية للتربية والتكوين والبحث العلمي.

ويتعلق الأمر بمشروع القانون رقم 59.21 المتعلق بالتعليم المدرسي، ومشروع مرسوم بشأن التوجيه المدرسي والمهني والإرشاد الجامعي، ومشروع مرسوم بتحديد تطبيقات الهندسة اللغوية بالتعليم المدرسي والتكوين المهني والتعليم العالي، إضافة إلى مشروع مرسوم بتغيير وتتميم المرسوم رقم 2.04.89، بتحديد اختصاص المؤسسات الجامعية وأسلاك الدراسات العليا وكذا الشهادات الوطنية المطابقة، ومشروع قرار يهم دفتر الضوابط البيداغوجية الوطنية لسلك الإجازة.

غياب التجانس بين قانون التعليم المدرسي ومرسوم الهندسة اللغوية

وأوضح الدكتور خالد الصمدي الوزير السابق في قطاع التعليم العالي والبحث العلمي أن آراء المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، تناولت بشكل مركز مجموعة من النصوص القانونية أهم ما فيها هو القانون المنظم للتعليم المدرسي من حيث مكوناته، بداية من التعليم الأولي إلى نهاية التعليم الثانوي التأهيلي.

وقال الأكاديمي والأستاذ الجامعي، أن هذا القانون يتكلم عن مدخلات ومخرجات كل سلك من الأسلاك التعليمية، ويتكلم في نفس الوقت عن البرامج والمناهج، والمقصود بها طبعا الهندسة اللغوية المعمول بها في المنظومة التربوية التي كانت هي بدورها محط إبداء رأي من طرف المجلس في مرسوم الهندسة اللغوية.

الدكتور خالد الصمدي

وذهب الخبير في مناهج التربية والتعليم إلى أن الملاحظة الأولى التي لاحظها المجلس هو عدم وجود نوع من التجانس ما بين قانون التعليم المدرسي ومرسوم الهندسة اللغوية، بحيث أن المفروض هو أن يمر القانون بداية من الناحية التراتبية ثم بعد ذلك يمكن إعداد مرسوم الهندسة البيداغوجية.

دعوة الانتقال من منطق الشحن إلى تنمية مهارات التعلم وردت في الخطاب الملكي منذ مدة

و من بين أبرز آراء المجلس؛ دعوته في رأي له حول مشروع مرسوم يتعلق بتحديد تطبيقات الهندسة اللغوية بالتعليم المدرسي والتكوين المهني والتعليم العالي، إلى إرساء نموذج بيداغوجي جديد يمكن من الانتقال من منطق الشحن إلى منطق التعلم والاستقلالية الفكرية، حيث تتمفصل الكفايات اللغوية مع سائر الكفايات التي تسهم في التكوين الفكري والثقافي”.

وسجل الصمدي في هذا السياق في ملاحظة ثانية على مستوى البرامج والمناهج، أن الدعوة إلى الاهتمام بمهارات التعلم على حساب الشحن، ورد أصلا في خطاب ملكي سامي منذ مدة طويلة، والذي دعا فيه جلالة الملك إلى ضرورة التخفيف من الشحن العلمي والتركيز على الحفظ وما يرتبط به إلى تنمية مهارات التعلم، وهذا طبعا تم الاستجابة له في الرؤية الاستراتيجية وتم الحديث عنه في القانون الإطار.

وبدوره، أكد الخبير التربوي محمد سالم بايشى أن رأي المجلس  لم يأت بجديد، لأن مختلف التقارير سواء التي أعدها المجلس في تشكيلته السابقة، وخرجت خلاصاتها في الرؤية الاستراتيجية 2015-2030، وتمت ترجمتها في القانون الإطار 51.17 ، تتضمن المقترحات ذاتها وهو ما جاء كذلك في إشارات النموذج التنموي المتعلقة بالتربية والتعليم، “وهو موضوع لم يعد يجادل فيه أي مهتم بالتربية والتكوين في بلادنا، إلا من ينظر من زاوية تبررها السياسة أو موقع المسؤولية فلا أحد يبخس سلعته”.

لم نلامس بعد جوهر الإصلاح

واستخلص الأستاذ محمد سالم بايشى من آراء المجلس الأعلى مجموعة من المؤشرات التي ينبغي أن يتحمل الجميع مسؤوليته تجاهها، من بينها أننا ونحن نتجاوز منتصف السنوات المقررة للإصلاح لم نلامس بعد جوهر الإصلاح، وبقينا في جوانبه، “فالإصلاح لم يدخل بعد باب الفصول الدراسية ، ولم يصل إلى وضع نموذج بيداغوجي يؤطر العمل التربوي وينقله من نمط الشحن واسترجاع المعلومات في الامتحانات إلى نمط آخر يجمع المعرفة بالمهارات والقيم، ويوسع هامش حرية الأستاذ ومجال تفكير وتدخل المتعلم” .

الأستاذ محمد سالم بايشى

وأشار بايشى في هذا الإطار إلى أنه حتى الوزارة ذاتها حين تتحدث مؤخرا عن مدارس الريادة، وتعد عينة من المؤسسات للانخراط في تجريب هذا المشروع – بغض النظر عن مدى فاعليته وانسجامه ورضى مختلف المتدخلين عنه ومدى انخراطهم فيه- فهي بذلك تعطي الانطباع بأننا لم نبدأ الاصلاح على مستوى المؤسسات بعد.

غياب اللجنة الدائمة لتجديد وملاءمة البرامج والمناهج

الدكتور خالد الصمدي يرى  أن آراء المجلس ما هو إلا تنزيل لمقتضيات القانون الإطار الخاص بالبرامج والمناهج، ولكن ذلك يحيل إلى أمر غاية في الأهمية، هو غياب دور اللجنة الدائمة لتجديد وملاءمة البرامج والمناهج التي تختص في إعداد النموذج البيداغوجي المناسب للمدرسة المغربية الحديثة والذي يجسد عمليا توصية هذا المجلس، والتي هي الانتقال من الشحن العلمي والمعرفي إلى تنمية مهارات التعلم لأن هذا بالأساس اختصاص هذه اللجنة.

وأضاف الصمدي “قبل أن نتكلم عن النموذج البيداغوجي ينبغي أن نتكلم عن اللجنة أين هي؟ اللجنة صدرت بموجب مرسوم لأكثر من سنتين بتركيبتها ومهامها وكل ما يتعلق بها، وكان من المفروض أن تعمل الحكومة الحالية على إخراج هذه اللجنة إلى حيز الوجود والتي إن خرجت هي من ستعمل على إعداد دلائل مرجعية للبرامج والمناهج والتي في صلبها النموذج البيداغوجي والهندسة اللغوية ونظام التقييم”.

وزاد الصمدي ” لذلك المجلس الأعلى قبل أن يوصي بهذه التوصية تكلم أولا على ضرورة إخراج هذه اللجنة إلى حيز الوجود حتى تقوم بأدوارها، ولم نفهم لحد الساعة لماذا هذه اللجنة لم تخرج إلى حيز الوجود؟ علما أن القانون أناط بها إعداد النموذج البيداغوجي والدلائل المرجعية للبرامج والمناهج، وجودتها موكولة إلى هذه اللجنة التي تضم خبراء من مختلف التخصصات ومن مختلف الأسلاك التعليمية من التعليم الابتدائي إلى التعليم العالي”.

مجموعة من المشاريع المنجزة تخالف الرؤية الاستراتيجية والقانون الإطار

ويرى محمد سالم بايشى في هذا الإطار، أن الوزارة في مقاربتها للإصلاح تبدو كمن يضع العربة أمام الحصان، ذلك أن مجموعة من المشاريع التي قامت الوزارة بتنزيلها وعدتها ضمن منجزاتها كانت خارج ما حددته الرؤية الاستراتيجية والقانون الإطار. ومن ذلك تجديد المناهج والبرامج الذي تم على الاقل في التعليم الأولي والابتدائي قبل إخراج النص المنظم للجنة الدائمة لملاءمة البرامج والمناهج وهو ماض بعدما صدر النص وقبل تشكيل اللجنة.

واستعرض بايشى عددا من من الأمثلة من ذلك التخلي عن اللغة العربية في تدريس العلوم وفرض واقع لغوي جديد قبل صدور مرسوم الهندسة اللغوية. وهو المرسوم الذي أحيل قبل شهور على المجلس الأعلى وأبدى فيه هذا الأسبوع رأيه الذي تضمن أيضا هذه الملاحظة. وتعطي هذه الامثلة – حسب المفتش التربوي- أنها  تعطي الانطباع بأن القطاع في بعض القضايا يسير خارج الرؤية الاستراتيجية والقانون الاطار . مفيدا أن هذا ما سبق أن نبه إليه في كثير من المناسبات “لكن للانصاف فهذا الأمر لم يبدأ مع الحكومة الحالية، بل بدأ قبلها واستمر في عهدها”.

إعداد النموذج البيداغوجي وإعداد الهندسة اللغوية بشكل متكامل وتدارك الاختلالات

ويذهب الصمدي من جهته إلى أنه لكي نعالج هذا الإشكال هناك قضايا مسطرية غاية في الأهمية أشار إليها المجلس الأعلى، وهي إعداد النموذج البيداغوجي وإعداد الهندسة اللغوية بشكل متكامل بين أسلاك التعليم من الأولي إلى العالي وهذا كله منوط بلجنة مختصة هي اللجنة الدائمة للبرامج والمناهج.

وذكّر الصمدي في هذا الاتجاه أن هذا المطلب المتعلق من الانتقال الشحن إلى تنمية مهارات التعلم ورد في الخطاب الملكي وتم ترجمته في الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 وتم التنصيص عليه صراحة في القانون الإطار 51-17، وبالتالي الأمر يتعلق بالأجرأة فقط وليس هناك أي تغيير جذري يطالب به المجلس.

ومن جهته، تساءل محمد سالم بايشى في سياق الأجرأة، هل تستطيع الوزارة الوصية تدارك الاختلالات وإرجاع الأمور إلى نصابها بما يتناسب مع القانون الإطار والمخطط الاستراتيجي؟ أم أن التعديلات ستكتفي بالشكل وتعديل الصياغة وملاءمة النصوص مع الواقع المفروض، بدل ملاءمة الواقع مع متطلبات النصوص المؤطرة.

كما تساءل أيضا عن دور المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في هذا الاطار وهل يسير في اتجاه ضمان تفعيل رؤيته الاستراتيجية ومقتضيات القانون الإطار، أم سيكتفي بإبداء الرأي؟ معتبر أنه إن اكتفى بإبداء الرأي فلا يسعنا إلا أن نقول ما قال علي ابن أبي طالب لأصحابه ( لا رأي لمن لايطاع!).

واعتبر الدكتور خالد الصمدي من جهته أن هناك ملاحظات أخرى بخصوص آراء المجلس الأعلى متعلق بالتوجيه والهندسة اللغوية نفسها والتعليم عن بعد ومتعلقة بأدوار محيط المؤسسات التعليمية كالجماعات الترابية ومؤسسات المجتمع المدني وغيرها في إرساء هذا النموذج. مؤكدا أن المطلوب الآن أن نمكن المتعلم من كيفية البحث عن المعلومة وكيفية الاشتغال عليها وتحليلها وتنمية حس التحليل والنقد وغيرها من مهارات التعلم المعاصرة التي تمكن من استدامة التعلم. لأنه كلما مكنا المتعلمين من مهارات التعلم كلما ضمنا استدامة التعلم.

موقع الإصلاح

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى