هل يتحكم التحول الرقمي بالمجتمعات؟

جلب عصر المعلوماتية والعالم الافتراضي معه، جملة من التحولات الجذرية التي أثرت في الحياة الاجتماعية واليومية.

العالم الافتراضي والمعلوماتية، تمكنا في فترة وجيزة من التأثير على مختلف العلاقات الاجتماعية، كما حملت عملية الإنتاج ونقل المعرفة إلى أبعاد غير مسبوقة ما أدى إلى بروز تحولات اجتماعية كبيرة.

واحتلت المنصات الرقمية ومحركات البحث مكانة محورية في حياتنا، التي باتت محاطة بكابلات الألياف الضوئية التي توفر نقلًا عالي المستوى للبيانات، في خطوة تشي بقرب تحقق نبوءة مارشال ماكلوهان (فيلسوف وكاتب كندي) حول تحول العالم إلى قرية صغيرة وسيطرة وسائل الاتصالات على حياة الشعوب.

السيطرة والتحكم في عصر التحول الرقمي

حرّاس البوابة في العالم الرقمي، هو مفهوم قادر على اختبار مدى الآثار الاجتماعية لأدوات ووسائل الاتصالات، وقد دخل عالمنا بالتزامن مع انتشار وسائل الإعلام.

ظهر بادئ الأمر من خلال دراسة ركزت على دور ربات البيوت في تحديد الطبق الذي يجب تقديمه على مائدة الأسرة.

وكانت ربة المنزل تجسيدًا لسلطة اتخاذ القرار في أبحاث “كورت لوين”، عالم النفس الأمريكي الألماني، الذي يُعرف باعتباره أحد روّاد علم النفس الاجتماعي والتنظيمي والتطبيقي الحديث في الولايات المتحدة.

وفي عالم البث الإخباري، يلعب محرر الأخبار دورا مماثلاً (لربة المنزل)، وذلك وفق دراسة أخرى أجراها “ديفيد مانينغ وايت” (أستاذ الصحافة في جامعة بوسطن الأمريكية)، ومع مرور الوقت، تحول مفهوم حرّاس البوابة إلى أحد نظريات الاتصال الجماهيري الرئيسية.

ونظرا لاستحالة نشر أخبار حول الأحداث التي لا تعد ولا تحصى، والتي تحدث بشكل يومي حول العالم، فمن المنطقي اختيار قصص ذات أهمية إخبارية وتقديمها للجمهور.

إلا أن هذه العملية تمر في الوقت نفسه عبر مرشحات أيديولوجية وسياسية واقتصادية وتنظيمية، وغالبًا ما تكون مصحوبة بمشاكل لعل أبرزها التحيّز والأحكام المسبقة.

لقد تأثرت وسائل الإعلام التقليدية بعوامل مختلفة مثل القوى السياسية، وملكية وسيلة الإعلام، واللوائح القانونية، مما جعل الموضوعية والحياد هدفا بعيد المنال.

وفي عصر التحول الرقمي، ساء الوضع أكثر، حيث سيطر عدد قليل من الشركات متعددة الجنسيات على التدفق الإخباري وتوجيه الرأي العام واحتكار البيانات.

علاوة على ذلك، وخلافا للاعتقاد السائد، أصبح الجمهور في ظل التحول الرقمي أكثر عرضة للتضليل الإعلامي أكثر من أي وقت مضى، بدلاً من أن يكونوا أكثر انتقائية وحذرًا بشأن المحتوى الإعلامي الخاص بهم.

حرّاس البوابة في العالم الرقمي

ويتمتع حراس البوابة في العالم الرقمي بالقدرة على التحكم الفعال في تدفق المعلومات أثناء العمل كجسر بين منشئي المحتوى والمتلقين (المستهلكين).

كما يمتلك حرّاس البوابة أيضا القدرة على فرض رقابة على أي موضوع وشخص يريدونه، ومن خلال الوصول المباشر إلى مليارات المستخدمين، وكذلك تسليط الضوء على بعض الموضوعات والتعتيم على موضوعات أخرى.

لا بد من الإشارة إلى أن عصر التحول الرقمي يتميز بسهولة الوصول إلى المعلومات، لكن لا بد من الإشارة أيضا إلى أن المعلومات التي نصل إليها هي المعلومات التي توفرها لنا محركات البحث.

نشهد في هذا العصر زيادة كبيرة ويومية في البيانات التي يتم جمعها عن المستخدمين، بالتزامن مع تراجع معرفتنا بكيفية عمل الخوارزميات والأنظمة.

وفي هذا الإطار، يمكن لعدد قليل من المهتمين، ممن تحولوا إلى حراس بوابة في العالم الرقمي، تشكيل رأي عام في الوقت الذي تحولت فيه هذه الجهات الفاعلة بالفعل إلى مراكز قوة تمتلك مفتاح الوصول إلى المعلومات.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، تحول حراس البوابة في العالم الافتراضي إلى جهة لديها القدرة على التأثير في الانتخابات السياسية رغم عدم امتلاكهم سلطات مطلقة، فضلًا عن عدم قدرتنا على إنكار أن المنصات الرقمية تحولت إلى أحد أهم الوسائل التي يقوم المرشحون السياسيون عبرها بنقل رسالتهم إلى الناخبين لتشكيل موقف سياسي لدى الناخب.

ولا تقتصر هذه القدرة على التأثير على الوصول إلى الأخبار أو المعلومات المتعلقة بالقضايا الاجتماعية والسياسية فحسب، بل تتجلى أيضا في عالم التسوق عبر الإنترنت.

إذ يرتبط نجاح أو فشل المؤسسات التجارية ارتباطا وثيقا بالأولوية التي ستعطيها محركات البحث لنتائج البحث أو تصنيفات المنتجات في الأسواق الافتراضية. وباختصار، نستطيع القول إن أجهزة المراقبة الرقمية تؤثر تقريبًا على كل ما نراه ونستمع إليه ونتفاعل معه في عالم البيانات الرقمية.

الملكية واللوائح القانونية والمجتمع

لقد قيل الكثير عن الأسباب التي دفعت أحد أغنى الأشخاص في العالم إلى استثمار مبلغ كبير من المال في شراء منصة رقمية. ومع ذلك، فقد طغى التضليل الإعلامي والمناقشات حول الاستحواذ على القضايا الرئيسية الواجب مناقشتها.

يمكن القول إنه من الشائع أن يشتري المليارديرات منصات وسائط رقمية ذات شهرة عالمية، لكن في الوقت نفسه لابد من مناقشة الموضوع الذي اتخذ اتجاهًا متسارعًا على مدى السنوات العشر الماضية، من ناحية علاقة الثروة والسلطة وتعاظم دور أباطرة وسائل الإعلام في التأثير على الجماهير على نطاق لم يسبق له مثيل.

إن الجمع بين منصات مختلفة تحت سقف واحد ودمج ميزات جديدة في المنصات الحالية للحفاظ على حصة السوق والمكانة المهيمنة يكشف عن المنافسة الشرسة وغير العادلة من أجل امتلاك وسائط التكنولوجيا ووسائل الإعلام.

ورغم أن الربح المادي يشكل الدافع الرئيس لإيلون ماسك ومالكي التكنولوجيا العملاقة الآخرين، إلا أن هؤلاء الأثرياء يزعمون أن منتجاتهم تهدف إلى منح الناس مساحة عامة افتراضية أكثر حرية وأمانًا ومساواة.

وفي حين أن معظم اهتمام الجمهور مكرس من أجل موكبة التطورات في المنصات الرقمية وتحول “تويتر” (Twitter) إلى منصة “أكس” (X)، إلا أن مثل هذه الأحداث توجه الجمهور نحو أجندات ضحلة تتجاهل القضايا الرئيسية.

وكالة الأناضول

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى