الموس والبقالي في ندوة بسلا: بدون بنائها على الثوابت والقيم الدينية والوطنية، يتعطّل دور الأسرة في المجتمع

أكد المشاركون في ندوة ”الأسرة المغربية : أسس القيم ومنهج البناء” نظمها الفرع الإقليمي لحركة “التوحيد والإصلاح” بسلا يوم السبت 27 ماي 2023 على أهمية القيم التي تنبني عليها الأسرة باعتبارها أحد السبل المهمة جدا للحفاظ على استقرارها، واستمرارها وبالتالي استقرار المجتمع. وشدد المشاركون في الندوة على أهمية الوعي باختلاف التصورالغربي للأسرة المؤطر للاتفاقيات الدولية والتوصيات الأممية عن التصور الإسلامي حتى يكون النقاش مثمرا ومستحضرا للثوابت الدينية والوطنية المقررة في الدستور.

وقال الدكتور الحسين الموس أن بناء الأسرة لا يكون فقط من خلال إصلاح جوانب الخلل التي كشفها تنزيلها على الواقع، بل بالتأكيد على ما يحمي الأسرة، المتمثل في ترسيخ القيم التي تنبني عليها في المغرب منذ أكثر من 14 قرنا .

وأضاف عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح، في مداخلته في الندوة العلمية “الأسرة المغربية : أسس القيم ومنهج البناء”، إننا اليوم بحاجة إلى أن ننظر إلى واقعنا، كيف نربي الأجيال وكيف نورثهم القيم في هذا الوطن، دون أن ننسحب من جانب الدفاع القيمي”، مشيرا إلى أن الغزو المفاهيمي والضغوط التي تمارس على كل الثقافات وخاصة الشرقية منها – حيث لا زالت الأسرة اللبنة أساسية فيها – يأتي من المواثيق الدولية والتي هي غربية بالدرجة الأولى وليس عليها إجماع كوني.

وزاد نائب رئيس مركز المقاصد للدراسات والبحوث ” إننا  كمسلمين لدينا من الأسس والقيم ما يمكن أن نسهم به لكي نحفظ هذه الأسرة، ونحفظ المجتمع، لأن الأسرة كما جاء في دستور المملكة المغربية هي الخلية الأساس لبناء المجتمع”.

وقدم المتحدث 5 حزم لقيم بانية يراها أساسية، ينبغي العض عليها بالنواجد، والعمل على توريثها وترسيخها إذا أردنا الاستقرار للأسرة المغربية، مشيرا إلى أن النسب المرتفعة للطلاق يرجع لضياع هاته القيم من واقعنا الأسري، وهي على الشكل التالي:

قيمة المودة والمحبة بين أفراد الأسرة، وهي قيمة كبرى أشار إليها القرآن الكريم في سورة الروم، “وجعل بينكم مودة”، فالتزاوج بين بني الإنسان له شكل راقي مقارنة مع باقي المخلوقات، يثمر أسرة فيها مودة ومحبة ينبغي ترسيخها، وهي شرط أساسي وقيمة كبرى لا تنحصر في المودة بين الزوج وزوجته بل يجب أن تنتقل إلى المودة بين الآباء والأبناء.

قيمة الرحمة والتراحم:  أكد عليها الله في كتابه العزيز وتجسدت في سيرة رسولنا العظيم، التراحم بين الزوج وزوجته وبين الآباء والأبناء، باعتبارها قيمة كبيرة لها أهمية في العلاقات الاجتماعية،  تدعونا إلى حسن المعاشرة.

قيمة العطاء والمكارمة: مقابل الأنانية والفردانية، حيث يدعو الإسلام للإعلاء من جانب العطاء وما يسمى بالمُكارمة، فنتحرر من الشح من المشاعر بالدرجة الأولى، ثم يتبعه الشح المادي، موضحا أن من علامة الساعة وشقاق ودمار الأسرة أن يشيع الشح فيها، يقول تعالى :”وأحضرت الأنفس الشح”، فالتصالح بين الزوج والزوجة يعطي القدوة للأبناء والحفدة لما فيها  تغليب خلق العطاء والبذل والذي يجب أن يُربى عليه أبنائنا وبناتنا.

قيمة العدل والتغافل: التغافل عما يقع فيه الشريك وأطراف الأسرة من جوانب التقصير، ويعني به أن نضع الميزان في العلاقة، بحيث ينظر الإنسان لنفسه قبل أن يطالب بسلوك من الآخر، مشيرا أن ما يخرب الأسرة اليوم هو التركيز على العيوب والسوءات وننسى أننا كلنا عيوب، ولهذا يجب الحرص على التغافل، قال تعالى “وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا”.

قيمة التقوى: بإشاعتها في العلاقة الأسرية، وهي قيمة تُسيج كل القيم التي قبلها، بحيث تعمل الأسرة على تسييج الخلاف بمراعاة حدود الله، فكل الأحكام المتعلقة بالأسرة والمبثوثة في سور القران الكريم ربطها الله بالتقوى، وبالتالي علينا أن نراعي التقوى في علاقاتنا.

ولترسيخ هاته القيم في واقع الأسرة المغربية المسلمة، عدَّد المحاضر المؤسسات المعنية بذلك وأولها الأسرة، فهي اللبنة الأولى في ترسيخ هذه القيم، وكان الأجداد يورثون القيم للأحفاد والآباء يورثونها للأبناء، وهذا الدور يبدأ بالقدوة الحسنة، مشيرا إلى أن الطفل الصغير في عمر سنتين والثلاث سنوات يسجل الكلام الذي يحدث بين الزوجين ويتأثر به، فلا بد من التلقين والتدريب والرياضة من أجل ترسيخ هاته القيم في الأجيال.

أما المؤسسة الثانية فهي مؤسسات ما يعرف بالمجتمع المدني، منوها بمشروع حركة التوحيد والإصلاح “الأسرة مودة ورحمة رسالة ومسؤولية”، وهو مشروع فيه مداخل وروافع متعددة وفيه تحديد للقيم البانية للأسرة، ودورات الوساطة الأسرية، مما يبين الحاجة لكل جمعيات المجتمع المدني في مقابل تيارات “تريد استدراجنا إلى مساحتها حيث يصبح الهم الكبير هو أن نترافع حول موضوع القيم المرتبطة بالأسرة في مدونة الأسرة، في الوقت الذي نحن مطالبون فيه علينا بالتأكيد على القيم ونبين أن الذي يسعى الى منع إقامة الأسرة والزوجية بين الزوجين، سيدمر المجتمع ويخربه”.

ولمؤسسات التنشئة الاجتماعية دور كبير يقول المحاضر في تثبيت القيم وترسيخها وأهمها المسجد، محذرا  من إضعافه فهو ليس للصلاة فقط، وإنما هو مؤسسة لإشاعة القيم البانية وضمنها قيم الأسرة، ومنها دور الإمام في الكلمة الطيبة وإصلاح ذات البين والتأليف بين القلوب، ودروس محو الأمية.

وتأتي بعد المسجد المدرسة والكلية والجامعة وهي مؤسسات ينبغي العمل على أن تقوم بدورها، وأن ننظر أين هي القيم الأسرية في مقررات التعليم، فلا ينبغي للأبناء أن يدخلوا لمؤسسة الأسرة دون علم بأسسها وقيمها البانية، وبالتالي فالمؤسسة التعليمة لها دور كبير في ترسيخ هذه القيم وينبغي لكل مربي أن يقوم بدوره.

وذكّر الموس بدور مؤسسة الإعلام الخطير في ترسيخ القيم الأسرية، قائلا ” إننا مهزومون في هذا الجانب للأسف مما يعرض فيه من أفلام تحمل قيم سلبية بعيدة عن قيم الإسلام”، داعيا الى البحث عن الأفلام التي تحمل القيم الأسرية الإيجابية ومشاهدتها، مضيفا أنه علينا أيضا أن نصحح بعض المفاهيم المتعلقة بالوقف الإسلامي وبالعطاء لنصرة الدين.

من جهتها، أكدت الأستاذة زكية القاسمي البقالي في مداخلتها، غياب اتفاقية دولية خاصة بالأسرة، حيث جاء الحديث عن الأسرة في ثنايا اتفاقيات ومعاهدات متفرقة ومختلفة، كالإعلان العالمي لحقوق الانسان، واتفاقية الرضا بالزواج والحد الأدنى للسن الزواج، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز سيداو، وبعض الوثائق كوثيقة المؤتمر العالمي للمرأة ووثيقة مؤتمر المرأة بنيروبي وإعلان الأمم المتحدة بشأن القضاء على العنف ضد النساء، ووثيقة مؤتمر السكان والتنمية، ووثيقة المؤتمر الرابع العالمي المتعلق بالمرأة، ووثيقة مؤتمر الأمم المتحدة المرأة والمساواة، والميثاق الإفريقي لحقوق الشعوب.

وأضافت عضو منتدى الزهراء للمرأة المغربية، أن ما يميز هذه المقتضيات المتعلقة بالأسرة أنها مصبوغة بالصبغة الغربية المختلفة عن الفلسفة الإسلامية المبنية على التكامل وتوزيع الأدوار والقدسية والرابطة الزوجية، مشيرة إلى أن عددا من الدول تحفظت على بعض بنود هاته الاتفاقيات، كما أنها تتناول فئات معينة، إما موضوع المرأة أو موضوع الطفل أو موضوع المسن، أي كأفراد في المجتمع دون أن تراعي آثار هذه الحقوق على المجتمع ككل باعتبار أن الاسرة وحدة متماسكة، وأنها في التصور الإسلامي نسق  بين الرجل والمرأة يقوم على التكامل لا على الصراع والمساواة المطلقة.

وأشارت المتحدثة إلى تحديد مفهوم الأسرة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: “إنها الخلية الطبيعية والأساسية بين المرأة والرجل وينشأ بينهما الأبناء ولها الحق في حماية المجتمع والدولة”، وهو التعريف الذي لازال موجودا إلى الآن، وفي المادة 23 من العهد المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، والعقد الدولي المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية “يجب أن تحظى الأسرة كخلية طبيعية وأساسية للمجتمع للحماية والدعم اللازمين ولا سيما من أجل تكوينهم، وباعتبارها قد تحملت مسؤولية صيانة وتربية الأولاد منذ زمن طويل”، كما نجد في هذه الاتفاقيات مقتضيات الحماية للزواج وكذلك موضوع العنف الأسري إلا أنه يتم تناول فقط الاغتصاب الزوجي، ولا تعترف هذه الاتفاقيات بالقوامة.

وأوضحت المتحدثة أن مجموعة من التطورات عرفها تناول الأسرة في منظمة الأمم المتحدة، حتى حصل الاختراق والاتجاهات الشاذة، مشيرة إلى ضرورة  استثمار الجوانب الإيجابية، من خلال ثراء إنساني جمع كل الشعوب والحضارات فنأخذ ما يصلح لنا ونترك ما يخالف طبيعتنا وعقيدتنا.

وقالت البقالي إن الأمر بدأ بطرح مفهوم جديد للأسرة من قبيل” المتعايشين”  الذين بدأوا يطالبون بحقوقهم، وهو ما رفضته الدول العربية والإسلامية حينها، ودعت وثيقة القاهرة إلى القضاء على كل أشكال التمييز للسماح بالتطبيع مع أشكال أخرى للزواج. وفي السياق نفسه أقر مؤتمر بكين أن هناك تنوع في أشكال الأسر كالمعاشرة بدون زواج أو المثليين، مشيرة لعدد من المفاهيم والتوصيفات التي شوهت مفهوم الأسرة. 

ونبهت المتحدثة إلى أن الدول العربية ضعيفة الحضور في التدافع بين الدول سواء في التقارير أو الدراسات بهذا الخصوص، باستثناء قطر التي جاءت بالكثير من الدراسات في الهيئات الأممية والاقتراحات في مجال الأسرة وتم اعتمادها، داعية الدول العربية لإخراج مجموعة من المشاريع الإصلاحية للأسرة التي من شأنها تحقيق إشعاع في المنظمات الدولية، والاهتمام بالدراسات حول الأسرة.

موقع الإصلاح

 

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى