التقوى في رمضان : مقاصد ومصالح

قال تعالى:”يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون “البقرة 183

أولا: تأملات حول الآية الكريمة

هذه الآية  تلخص قاعدة وهي: أن صحة التصور تقودنا إلى صحة الحركة، أي قبل الحديث عن أحكام الصيام، ورخصه بدأ الله تعالى بالتصور العام لحقيقة الصيام وما هو مرتكزه، وإذا تم الفهم السليم لمعنى التقوى سيكون الفعل صحيحا .

ينبني الصيام على مبدأ التقوى (لعلكم تتقون) والتقوى كلمة جامعة لمقاصد ومصالح كثيرة. فما هو الصيام؟ وما هي التقوى؟ وما هي المصالح المستنبطة من مبدأ التقوى ؟

معنى الصيام :

قال الإمام الرازي :”اعلم أن الصيام  مصدر صام كالقيام، وأصله في اللغة: الإمساك عن الشيء والترك له”، قال الطاهر بن عاشور :”الصيام وسيلة الارتياض بالصفات الملكية والانتفاض من غبار الكدرات الحيوانية. “

معنى التقوى:

  • في اللغة: من الوقاية وهي المسافة – الترك – الحفظ – الحذر – الحجز – الحاجز- الاحتراز- الصيانة
  • في المعنى القرآني:

الخشية والهيبة قال تعالى: (وإياي فاتقون)

الطاعة والعبادة قال تعالى:”يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته” ال عمران 102

تنزيه القلب عن الذنوب قال تعالى:”ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقيه فأولئك هم الفائزون “النور 42

التوحيد والشهادة قال تعالى :”أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى” الحجرات 3

الإخلاص قال تعالى :” فإنها من تقوى القلوب “

  • في الاصطلاح الشرعي :

قال الإمام الجرجاني هي: الاحتراز بطاعة الله عن عقوبته وهي صيانة النفس عما تستحق به العقوبة من فعل أو ترك ، قيل هي:”علم القلب بقرب الرب.”

نتقي ممن ماذا؟

من الأخطار المحدقة بنا، لأن الإنسان قبل الأمانة قال تعالى :”إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال وأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا” الأحزاب 72

أن الله تعالى ركب الملائكة من عقل بلا شهوة، وركب الحيوان من شهوة بلا عقل وهم لا يحاسبون، وركب الإنسان من كليهما لأن الإنسان خلق من طين، ومن نفخة روحية، فيه نوازع أرضية حيوانية، وميول علوية، فإذا غلبت نوازعه الأرضية أخل بالأمانة .

الشهوة هي المحرك، والمنهج القرآني هو المقود، ولا يمكن أن نتصور سيارة بدون مقود.

الخطر أن تتحرك وفق شهواتك من دون منهج الله .

الشهوات إن لم تضبط بمنهج الله تؤدي إلى الفساد، والفساد هو: إخراج الشيء عن خصائصه .

لعلكم تتقون

العلة لها معنيين :

الأول : الترقب

الثاني: العلة والحكمة

والإنسان مع التقوى نوعين : نوع قد يبلغ التقوى، ونوع لا يبلغها وإن صام الدهر كله.

إقرأ أيضا: إقليم الرباط يطلق مسابقة “الأوائل للإبداع الأسري” ويرصد جوائز هامة للفائزين

ثانيا مصالح التقوى المستفادة عند صيام رمضان

1 – مصلحة العلم والوسيلة  : لا تقوى بغير معرفة الله، ولا نتقي الله إلا إذا عرفناه، ورمضان شهر المدارسة لكتاب الله بامتياز قال تعالى:” اتقوا الله ويعلمكم الله ” البقرة282، وقال :”يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة ” المائدة 35

ومن أبرز الوسائل المؤدية إلى تقوى الله: طلب العلم والعمل الصالح والرفقة الصالحة….

2 – مصلحة الرعاية: المتقي يحضى برعاية ربانية  قال تعالى:”يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته”الحديد 28

3 – مصلحة النور : التقوى نور يقذفه الله تعالى في القلب قال ربي في كتابه:” يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به” الحديد 28

وعندما يقذف الله النور في القلب لا يرى صاحبه إلا الحق جاء في الحديث: (اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه).

4 – مصلحة السداد في القول والعمل : قال تعالى :” يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا ” الأحزاب 70. وجاء في الحديث : (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) رواه البخاري

5 – مصلحة الصدق: قال ربي في كتابه:”يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين” التوبة119

6 – مصلحة السلامة والأمان والرضى:

  • السلامة من الضيق
  • السلامة من الأزمات النفسية 
  • السلامة من التعسير قال تعالى :”ومن يتق الله يجعل له مخرجا” الطلاق 2 وقال تعالى:” ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا” وقال تعالى :”وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون”الأنعام 32/الأعراف 169

7 – مصلحة الرزق :قال تعالى “ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب “.

هذا يوسف عليه السلام عندما قال :”معاذ الله ” يوسف 23. سمع ملك مصر بعفته وقال الله على لسانه:”إنك اليوم لدينا مكين أمين” يوسف54 ، وأصبح عزيز مصر وقالت جارية في القصر :”سبحان من جعل العبيد ملوكا لطاعته.”

8 – مصلحة الجود بالنفس والمال الوقت وإخراج الزكاة قال تعالى:”فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة “الأعراف 156، هذا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه رأى أنه أمسك تفاحة فقال : (أكلتها ذهبت أطعمتها بقيت).

9 – مصلحة الهداية والرشاد قال تعالى:” إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا”الأعراف 201 ، قال ابن عاشور : (شأن الله في إرادته من تشريع الصوم التقوى …إنما كان الصيام موجبا لاتقاء المعاصي).

10 – مصلحة تزكية النفس ورياضتها لفعل الخيرات ذكر البقاعي في تفسيره للآية الكريمة “لعلكم تتقون” أي: (تجعلون بينكم وبين أسخاط الله وقاية بالمسارعة إليه والمواضبة عليه).

11 – مصلحة التنافس في تكميل الأعمال: رمضان فرصة للمسارعة إلى صالح الخصال قال تعالى :”وتعاونوا على البر والتقوى “المائدة 2

12 – مصلحة الإحسان:  من خلال التدريب على الإتقان في العمل، وتنظيم الوقت، والاعتدال في الأكل والشرب قال تعالى :”ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وعملوا الصالحات ” المائدة 93 وقال تعالى:”ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين”المائدة 93

13 – مصلحة الرهبة من سخط الله وعقابه :الاستحضار الدائم لمعنى التقوى في شهر رمضان وغيره يعود المسلم على الحذر من صفات الجلال قال تعالى :”واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب”البقرة 194

إعداد د. سعيدة أنوار

المراجع:

تفسير الإمام الرازي

نظم الدرر للبقاعي

التعريفات للجرجاني

التحرير والتنوير لابن عاشور

تفسير النابلسي

المعجم المفهرس لألفاظ القران .محمد سعيد اللحام

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى