الاحتجاجات في فرنسا تعيد مخاوف العنصرية ضد المهاجرين المسلمين إلى الواجهة

كشفت الاحتجاجات التي شهدتها فرنسا بعد مقتل فتى فرنسي من أصول جزائرية على يد الشرطة عن التوترات العرقية الكامنة في المجتمع الفرنسي، وانعدام المساواة فيه بطريقة تعزز الاتهامات بأن فرنسا عنصرية حتى لو قالت إنها تقوم على المساواة.

وفي عالم تقوده السياسات المستندة إلى البيانات، يحجب النطاق الحقيقي لانعدام المساواة في المجتمع، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Telegraph البريطانية. وتشير التقديرات إلى أن السكان المنحدرين من خلفية غير بيضاء تتراوح نسبتهم بين 10 و20%. وتظهر البيانات الرسمية عن بلد الميلاد أن حوالي 10.5% -أو 6.9 مليون شخص- ولدوا خارج فرنسا، منهم خمسة ملايين من خارج أوروبا، ومعظمهم من أصل إفريقي. 

فرنسا متخلفة في التمثيل السياسي للأقليات

تشير الأرقام المذكورة إلى أن فرنسا أقل تنوعا قليلا من المملكة المتحدة، فوفقا لآخر إحصاء سكاني في إنجلترا وويلز أُجري عام 2021، تبين أن  حوالي 20% من السكان من غير البيض.

وتتخلف فرنسا عن بقية دول شمال أوروبا في التمثيل السياسي للأقليات، حيث لا يشكل أعضاء البرلمان المنتمون للأقليات سوى 6% مقارنة بنسبة 11% في ألمانيا والمملكة المتحدة. ولا يحتل أيا من المناصب الفرنسية الأربعة المكافئة للمناصب الأربعة الكبرى في المملكة المتحدة -رئيس الوزراء، ووزير المالية، ووزير الخارجية، ووزير الداخلية- شخص ينتمي للأقليات، في حين أن جميع هذه المناصب ماعدا واحدا يشغلها أشخاص من الأقليات في المملكة المتحدة.

ورغم أن اثنين من أنجح إصدارات فرنسا السينمائية في العقود الأخيرة- La Haine وThe Intouchables- يناقشان انعدام المساواة التي تواجهها الأقليات في فرنسا، تعرضت صناعة السينما لانتقادات لعدم تمثيلها فرنسا الحديثة. ووجد أحد التحليلات أنه في عام واحد، لعبت الأقليات 13% من الأدوار الرئيسية في الأفلام الفرنسية، مقارنة بحوالي 17% في الأفلام التي أنتجتها هيئة الإذاعة البريطانية.

وهذا على النقيض مع المنتخب الفرنسي لكرة القدم، الذي ينتمي قرابة ثلاثة أرباعه لغير البيض، مما يجعله أحد أكثر الفرق تنوعاً في أوروبا.  ومع ذلك لم توقف انتصاراته الأخيرة، التي من بينها الفوز بكأس العالم عامي 1998 و2018، سيلاً من الإساءات العنصرية التي استهدفت الفريق بعد خسارته أمام الأرجنتين في نهائي كأس العالم العام الماضي.

ويتجاهل ساسة فرنسا عادة دور المهاجرين، لاسيما المغاربة القادمين من شمال إفريقيا في تاريخ البلاد، خاصة في الحربين العالميتين الأولى والثانية. وخلال السنوات الماضية، أقرَّت فرنسا مجموعةً من القوانين المثيرة للجدل التي وصفتها منظمات حقوقية كثيرة بأنها معادية للإسلام، ومن أبرزها قانون مكافحة النزعة الانفصالية وما يعرف بوثيقة “ميثاق الإمام” التي يفرض على المساجد والمؤسسات الإسلامية اعتمادها.

التمييز يدفع الكوادر الفرنسية المسلمة إلى الهجرة

و تأتي الهجرة على رأس جدول أعمال السياسة الفرنسية، رغم من أن الهجرة الفعلية إلى فرنسا متخلفة عن مثيلتها في معظم الدول الأوروبية الأخرى، حسبما تقول صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية. ولسنوات، ظلت فرنسا تفقد مهنيين متعلمين تعليما عاليا يسعون إلى مزيد من الفرص في أماكن أخرى. ومن بينهم- وفقا للباحثين الأكاديميين_عدد متزايد من المسلمين الفرنسيين الذين يقولون إن التمييز كان دافعا قويا لهجرتهم، وأنهم شعروا بأنهم مجبرون على المغادرة بسبب التحيز والأسئلة المزعجة حول أمنهم والشعور بعدم الانتماء.

وفي عام 2019، أظهر استطلاع أُجري بتكليف من هيئة التمييز التابعة للحكومة الفرنسية أن 42% من المسلمين يشعرون بأنهم يتعرضون للتمييز، خصوصا في مكان العمل والسكن. ووجدت دراسة حديثة عن مجموعة تمثل السود الفرنسيين أن 91% منهم شعروا بتعرضهم للتمييز في مرحلة ما. وقال قرابة نصف من شملهم الاستطلاع (49%) إنهم تعرضوا لشكل من أشكال الإساءة اللفظية خلال الدراسة.

ارتفاع حاد في جرائم الكراهية في فرنسا

شهد نصف العقد الماضي ارتفاعا حادا في جرائم الكراهية في فرنسا، ولا سيما كراهية الإسلام. وفي الوقت الذي شهدت فيه ألمانيا وإسبانيا ارتفاعا في جرائم الكراهية المبلغ عنها للشرطة بنحو 30% منذ عام 2017، ارتفعت لأكثر من الضعف في فرنسا.

وسبق أن أصدرت منظمة “كيج” Cage الحقوقية البريطانية تقريرا اتهمت فيه فرنسا باستهداف سكانها المسلمين استهدافا منهجيا بمجموعة من السياسات التي استحدثتها إدارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للتصدي لما يسمى “الانفصالية والإسلاموية”. وصُنفت مضايقات الشرطة الفرنسية واحدة من أكثر أشكال التمييز التي يتعرض لها المسلمون والسود شيوعا. 

ويُظهر تحليل أجرته صحيفة The Telegraph البريطانية أن المناطق الفرنسية التي تضم أعلى نسبة من الأجانب هي أيضا المناطق التي تعاني من أعلى معدلات الفقر.

اليمين المتطرف يجند أعضاءه لاستغلال الأزمة لصالحه

وفي سياق متصل، قالت صحيفة Financial Times البريطانية إن حزب مارين لوبان اليميني المتطرف وجد في أعمال الشغب التي تسود فرنسا فرصة للتغلب على إيمانويل ماكرون، وتجنيد أعضاء جدد في الحزب. وقال الحزب في رسالة بريد إلكتروني هدفها اجتذاب أعضاء جدد يوم الأحد 2 يوليوز: “أعيدوا النظام إلى فرنسا!”، ترفقها صورة لرجال شرطة يرتدون معدات مكافحة الشغب ويسيرون وسط الدخان.

ومع انتشار الاضطرابات إلى خارج باريس، أطلق رئيس حزب الجبهة الوطنية اليميني، جوردان بارديلا (27 عاماً)، العنان لخطاب يميني نمطي يهاجم “جحافل المتظاهرين المتوحشين”، منددا بالهجرة “الجنونية” في فرنسا. 

مواقع إعلامية

 

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى