حامي الدين: “طوفان الأقصى” أوقف مسار التطبيع وقلب الموازين لصالح القضية الفلسطينية

أكد الدكتور عبد العلي حامي الدين أن القضية الفلسطينية منذ السابع من أكتوبر عرفت مجموعة من التحولات الاستراتيجية التي تحققت بفعل عملية طوفان الأقصى، والتي شكلت ضربة عسكرية واستراتيجية واستخباراتية هي الأقوى منذ احتلال الكيان الغاصب للأراضي الفلسطينية سنة 1948، بل حتى منذ الانتداب البريطاني.

وأوضح أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بالرباط خلال مداخلة له في ندوة بعنوان “القضية الفلسطينية وسؤال العدالة الدولية” نظمها منتدى الزهراء للمرأة المغربية، أن أول تحول حصل هو أن عملية السابع من أكتوبر أوقفت مسار التطبيع مع دول الاحتلال وأوقفت المحاولات الحثيثة التي كانت جارية من أجل تصفية القضية الفلسطينية وإدماج كيان الاحتلال في النسيج الاقتصادي والسياسي والثقافي والاجتماعي العربي والإسلامي عبر ما عرف بصفقة القرن.

وقال حامي الدين في الندوة- التي أقيمت السبت الماضي عن بعد بشراكة مع المرصد الفلسطيني لحقوق الإنسان- إن دولة الاحتلال الإسرائيلي كانت تتهيأ للحظة حاسمة هي الأوسع منذ تاريخ النزاع وهي لحظة التطبيع الشامل مع المحيط العربي والإسلامي حيث كان من المتوقع أن تشكل نهاية العام الماضي لحظة مفصلية في تاريخ العلاقات العربية والإسلامية الإسرائيلية. 

وأشار الرئيس السابق لمنتدى الكرامة لحقوق الإنسان إلى أن ثاني تحول حصل بعد السابع من أكتوبر هو أن الموازين انقلبت بشكل كبير، وأصبح النقاش العالمي اليوم يتجه نحو الاعتراف بحق الفلسطينيين في بناء دولتهم، بل إن كثيرا من التحليلات ليس فقط تحليلات إعلامية أو سياسية وإنما تصريحات لقادة كبار من بينهم قادة دول كبرى اعتبروا وبدأوا يقتنعون أن السبب وراء السابع من أكتوبر هو انسداد الأفق السياسي أمام الفلسطينيين وانسداد أفق بناء الدولة الفلسطينية، وبالتالي المشهد الدولي ككل يتجه نحو الاعتراف بالقضية الفلسطينية والتلويح بضرورة بدء مفاوضات جديدة من أجل بناء الدولة الفلسطينية.

واعتبر المتحدث إلى أنه قبل السابع من أكتوبر كان لم يعد بالإمكان الحديث عن إمكانية قيام دولة فلسطينية، وتوقفت عمليا المفاوضات بشكل نهائي، وأصبح نتنياهو يفتخر بأنه صاحب مشروع وأد الدولة الفلسطينية ومع مجيئ هذه الحكومة المتطرفة التي وقعت على الانهاء الرسمي لاتفاق أوسلو التي حكمت على فلشها منذ البداية، ومعه تبخرت كافة الاحلام المتعلقة ببناء الدولة الفلسطينية حتى ولو كانت على مساحة 22 بالمائة من الأراضي الفلسطينية.

واستحضر حامي الدين وأد حلم الدولة الفلسطينية قبل السابع من أكتوبر، وذلك بفعل السياسات الموجودة على أرض الميدان المتعلقة ببناء المستوطنات بشكل غير مسبوق فوق الأراضي، التي كان من المتوقع أن تشكل دولة فلسطين، ووقف وتجميد المفاوضات بشكل نهائي والاكتفاء فقط ببند التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية الموجودة في رام الله.

واستعرض الأستاذ الجامعي من بين التحولات الاستراتيجية بعد السابع من أكتوبر؛ التغير والتطور الكبير والمهم على مستوى الرأي العام العالمي تجاه دولة الاحتلال الإسرائيلي، بحيث عبرت المظاهرات المتواصلة التي تخرج في مختلف العواصم الدولية ومدن العالم الكبرى ولا سيما في الدول الغربية، وارتفاع وزيادة الرفض الشعبي للسياسة الإسرائيلية مقارنة مع الماضي حسب ما سجلته عدد من استطلاعات الرأي الرسمية في الولايات المتحدة مثل استطلاع معهد غالوب.

وسجل حامي الدين تحولا كبيرا على مستوى فئة الشباب بحيث أن حوالي 51 بالمائة من الشباب الأمريكي حسب استطلاعات رأي، أصبحوا مقتنعين بحق الفلسطينيين في بناء دولتهم على حساب الاحتلال الإسرائيلي، وليس إلى جانبهم وهذا تطور مهم جدا يعكس أن مستقبل القضية الفلسطينية وصناع القرار داخل الولايات المتحدة مقبلون على تحول كبير، حيث سرعت عملية طوفان الأقصى بهذا الوعي خصوصا داخل أمريكا التي تقود النظام الدولي، وهي الدولة الأكثر تأثيرا في السياسة الدولية والتي تأثر من الناحية السياسية والاستراتيجية وحتى داخل منظمة الأمم المتحدة من خلال دورها البارز على مستوى مجلس الأمن. 

وأضاف الدكتور عبد العلي حامي الدين من ضمن التحولات الاستراتيجية العزلة الدولية للاحتلال الإسرائيلي وحتى للولايات المتحدة نسبيا في المحافل الدولية بشكل غير مسبوق، مستحضرا التصويت الكبير الذي عرفته الجمعية العمومية للأمم المتحدة لصالح في قرار وقف إطلاق النار حيث صوت مع القرار حوالي 193 دولة بما فيها الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن بريطانيا فرنسا روسيا الصين، بالإضافة إلى عدد من الدول الكبرى وانعزال الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي إضافة إلى ثمانية دول غير معروفة وصغيرة ومرتبطة بشكل وجودي مع الولايات المتحدة.

وأبرز أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بالرباط من بين التحولات الاستراتيجية موقف عدد من الدول تجاه دولة الاحتلال عبرت عن نفسها من خلال مجموعة من القرارات خاصة على مستوى أمريكا اللاتينية، نموذج بوليفيا التي قطعت علاقاتها بشكل نهائي مع الاحتلال، وكولمبيا والشيلي وهندوراس التي قامت باستدعاء سفرائها، بالإضافة إلى مواقف البرازيل وجنوب إفريقيا والأردن والبحرين.

وتابع المتحدث أن هذا التحول طال أيضا الإدارة الأمريكية بعد إقدام أكثر من مائة موظف على تقديم استقالتهم وتجميد عملهم داخل الإدارة، ناهيك عن بعض المشاهد داخل القوات المسلحة نفسها والمشهد الشهير للجندي الأمريكي الذي أحرق نفسه أمام سفارة دولة الاحتلال الإسرائيلية في واشنطن، لكن التحول الكبير كان على مستوى الكونغرس بحيث أن عددا كبيرا من أعضاء البرلمان تقدموا فيها بعريضة في رسالة موجهة إلى الرئيس يطالبون فيها بوقف التعامل مع “إسرائيل” على مستوى بيع السلاح من أبرزهم نانسي بيلوسي الرئيسة السابقة لمجلس النواب الأمريكي.

ونبه حامي الدين إلى أن التحول حصل أيضا على مستوى الأمم المتحدة نفسها بحيث منذ السابع من اكتوبر لم تتوقف الاجتماعات المتعلقة بمجلس الأمن، والتي تعلقت منذ مدة طويلة تقريبا أكثر من سبع أو ثمان سنوات إلا أن تكون هناك أزمة متعلقة بالحرب على غزة وسرعان ما تنطفئ جدوى الاجتماعات.

لكن الآن هناك اجتماعت متواصلة سواء على مستوى الجمعية العامة أو مجلس الأمن واستقبل عدد كبير من طلبات وقف إطلاق النار كان أولها طلب تقدمت به البرازيل، ولأول مرة يصدر قرار من مجلس الأمن بوقف إطلاق النار دون أن تتقدم أمامه الولايات المتحدة باستخدام حق النقض الفيتو، وهو ما يعني الإحراج الكبير الذي باتت تعيشه الإدارة الأمريكية أمام الطلبات المتكررة بالوقف الفوري لإطلاق النار وهو ما تسبب في أزمة صغيرة.

كما استحضر أيضا من بين هذه التحولات الاستراتيجية، وقوف دول الاحتلال أمام محكمة العدل الدولية، بغض النظر عن تعقد الإجراءات والتأخر الكبير في إصدار القرارات، وعدم التزام دول الاحتلال الإجراءت المؤقتة التي قضت بها محكمة العدل الدولية والقاضية عمليا بوقف إطلاق النار، ووقف التقتيل ومنه تدمير الأدلة كل هذه المعطيات، مشيرا إلى أنه سوف يأتي الوقت عاجلا أم آجلا لكي تنتشر لجان التحقيق في المنطقة ولكي تقوم بكتابة التقارير اللازمة حول ما حصل من عدوان والجرائم التي يتم اليوم توثيقها وكتابتها وسوف تشكل ملفا كبيرا سوف تقف أمامه دولة الاحتلال، ليس فقط أمام محكمة العدل الدولية باعتبارها هيئة معنية بمتابعة الدول ولكن أيضا أمام المحكمة الجنائية الدولية المعنية بمتابعة مجرمي الحرب.

وذهب الجامعي والحقوقي إلى أن هناك أيضا تحولات على المدى المنظور بممكنات تحول المنظومة الدولية على ضوء ما حصل من تطورات، ويمكن القول أننا سنؤرخ بعد سنوات قليلة بيوم السابع من أكتوبر كمنعطف تاريخي لتحول النظام الدولي من الأحادية القطبية إلى التعددية القطبية حيث أنه لا يمكن للولايات المتحدة أن تستمر في قيادة العالم بعدما سقطت هيبتها السياسية من جهة وهيبتها الأخلاقية لأنه لا يمكن أن تقود العالم وأنت تدعم جرائم أمام أنظار العالم 

وخلص حامي الدين إلى أننا أمام عزلة دولية متواصلة تعيشها دولة الاحتلال وهذا سيكون له آثار من الناحية السياسية على المدى المنظور وعلى المدى المتوسط، كما أن التحول الذي حدث في السابع من أكتوبر هو بداية التحرير لفلسطين التاريخية وليس فقط لسقف أوسلو، كما قدمت العديد من شعوب العالم دماءها من أجل الاستقلال سواء في العالم العربي والإسلامي أو في غيره من الدول التي لم تتحرر فقط بالأوضاع السياسية ولكن تحررت أيضا بالمقاومة.

وجاءت مداخلة الدكتور عبد العلي حامي الدين في إطار ندوة دولية عن بعد تحت عنوان “القضية الفلسطينية وسؤال العدالة الدولية” والتي نظمها منتدى الزهراء للمرأة المغربية بشراكة مع المرصد الفلسطيني لحقوق الإنسان بمناسبة يوم الأرض الفلسطيني. وعرفت مشاركة من فلسطين الدكتور فؤاد بكر مستشار قانوني في المحكمة الجنائية الدولية والأستاذة دعاء العامودي باحثة في علم النفس الإسلامي وناجية من حرب غزة، وأشرفت على تسيير الندوة الأستاذ الجامعية ونائبة رئيسة منتدى الزهراء للمرأة المغربية الدكتورة عزيزة البقالي القاسمي.

موقع الإصلاح

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى