حينما تكون الأخلاق غائبة عن حياتنا! / جمال نصار
لا شك أن الهدف العام في الإسلام أن يلتزم المسلم بالأخلاق الحميدة، ويكون هذا الالتزام إرضاءً لله عز وجل، ولا ينبغي بتاتًا أن يكون هدفه مدح الناس له؛ لأن ذلك يُعد من الرياء، وكذلك لا ينبغي للعاقل أن يكون هدفه من وراء ذلك الكسب المادي فقط، والإسلام أيضًا يهدف إلى بناء مجتمع يقوم على التراحم والتعاون والإيثار وحب الخير للناس، من خلال علاقات حسنة مع الوالدين والأبناء، والأزواج، والأرحام، والجيران، وجميع المسلمين، بل وغير المسلمين، بل يتعدى ذلك إلى الحيوان والجماد، فالإسلام، بحمد الله تعالى، يهدف إلى حمل المسلم على التحلي بمكارم الأخلاق، والعيش في ظلها.
وللأخلاق والقيم أهمية كبيرة في تحقيق نوع من الاستقرار الاجتماعي، يتم فيه احترام القواعد الأخلاقية السائدة في المجتمع، فإذا ضعف الالتزام الخلقي بين أفراد المجتمع، بدأت المتاعب والاضطرابات السلوكية، وبدأ الشك بالقيم والثقافة المحلية كذلك، حتى يصبح تحقيق الذات وحيازة الاعتراف الاجتماعي متعارضين مع احترام القواعد الأخلاقية السائدة، وعندها يكون تأثير القيم والضبط الاجتماعي قد ضعفا كثيرًا.
من هنا لا يوجد مجتمع بلا ثقافة، ولا مجتمع بدون قيم، فالقيم يتوارثها أفراد المجتمع.
ويجب أن يكون هناك حرصًا على بيان أن الخلق الإسلامي قائم على قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) أي أن القواعد الخلقية في الإسلام تدور على عدم السماح للمسلم أن يضر نفسه، أو أن يصدر عنه الإضرار بالغير إضافة إلى كونها مصدر خير عميم للفرد والجماعة، فعلى المربي أن يعي هذا ويوضحه في كل خلق يتناوله بالنقد أو القدح، ويـأتي بالبديل من الأخلاق الفاضلة في الإسلام، وبهذا يكون قد حقق ما يصبو إليه من تهذيب.
ومع أهمية الأخلاق في حياة الفرد، والمجتمع، والأمة بأسرها إلا أن هناك العديد من التحديات التي تعوق دون تطبيقها أو الالتزام بها أحيانًا منها:
أولًا: على مستوى الفرد والأسرة:
يتمثل ذلك في غياب القدوة الحسنة داخل الأسرة، فيجب على الأبوين أن يكونا مثالًا للقدوة الحسنة، وحثّ الأبناء الأكبر سنًا على أن يكونوا قدوة لمن هم أصغر سنًا داخل الأسرة الواحدة، فعادة يميل الصغار من الأطفال إلى تقليد أحد الوالدين، أو الأخ الأكبر، أو الأخت الكبرى، فإن لم يكن الآباء والأمهات قدوة حسنة أحدهما أو كليهما، فسوف يكون مصير الأولاد سوء الأخلاق والعادات.
كذلك غياب قانون الثواب والعقاب داخل الأسرة، لأنه المفروض أن يُثاب الأبناء على السلوكيات الحسنة، ويعاقبوا على السلوكيات السيئة، أما الإهمال في هذا القانون الأُسَري سوف يدفع الأبناء لتقليد سلوكيات أخلاقية غير مثمرة وغير مرغوبة، وخصوصًا أن الإعلام والبيئة مليئان بذلك.
حالة العزلة التي يعيشها الأفراد داخل الأسرة الواحدة، فحينما تجتمع الأسرة على مائدة الطعام يأوي كل فرد إلى وكره مما يُغيّب لغة الحوار الأسري والإرشاد، والنصح، وتقديم المشورة في مشاكل الأبناء، والكثير من الآباء يتعاملون مع الأبناء بالصراخ والنقاش الحاد المخيف مما يجعل الأبناء أحيانًا يتصرفون على طريقتهم الخاطئة والخاصة بهم على اعتبار أن الآباء والأمهات غير جديرين بعرض مشكلة ما عليهم، ومن البديهي أن المشاكل الأخلاقية متوفرة في الشارع، والمدارس، والجامعات!
التطور التكنولوجي الهائل الذي خلق للشباب والشابات متاهات كثيرة، وعندما يتعمقون فيها يزدادون ضياعًا وخسرانًا مبينًا، فالشبكة العنكبوتية (الانترنت) مليئة بالمغريات والمتاهات التي قد تُفسد البالغين، ومن أخطر مظاهر التطور التكنولوجي المحطات الفضائية التي لا تحترم دين ولا أعراف وتُفسد، في أغلب الأحيان، من يداوم على مشاهدتها.
وقد يكون الدخل المتدني لملايين الأسر، سببًا في أن يهرب الشباب من سوء الحالة المادية ليرتكبوا أخطاءً قاتلة مميتة مثل: تعاطي المخدرات أو بيعها، أو حتى السطو والسرقة.
ثانيًا: على مستوى البيئة والمجتمع:
البيئة والمجتمع لهما الأثر الكبير في إيجاد المحضن الأخلاقي السوي الذي يؤثر في تشكيل وبناء شخصية الإنسان، فالبيئة الاجتماعية التي تمثل الوسط البشري حيث يولد الإنسان، ويتربى فيه طفلًا، وينمو صبيًا مراهقًا، ثم شابًا فكهلًا، وهذا الحيز الاجتماعي ينطوي على منظومات فكرية وسلوكية، تهدف إلى ضبط وتنظيم العلاقات الاجتماعية المختلفة في المجالات كافة، وغالبًا ما يؤثر هذا المحيط في الإنسان، بل هناك حتمية في تشكيل شخصية الإنسان وفقًا لثقافة المحيط الاجتماعي الذي يولد ويترعرع فيه، فإذا كانت القيم والأخلاق والأعراف التي تسود في البيئة والمجتمع غير سوية، فبالتالي سينشأ الأفراد تنشئة سيئة، وخصوصًا إذا خالط الشخص أفرادًا لا يتحلون بالأخلاق الحميدة.
ولهذا قال النبي، صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ الجَلِيسِ الصّالِحِ والسَّوْءِ، كَحامِلِ المِسْكِ ونافِخِ الكِيرِ، فَحامِلُ المِسْكِ: إمّا أنْ يُحْذِيَكَ، وإمّا أنْ تَبْتاعَ منه، وإمّا أنْ تَجِدَ منه رِيحًا طَيِّبَةً، ونافِخُ الكِيرِ: إمّا أنْ يُحْرِقَ ثِيابَكَ، وإمّا أنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً) رواه البخاري.
ثالثًا: على مستوى التعليم والإعلام:
نستطيع أن نقول إن تنشئة الأجيال ليست عبءً فقط على الأسرة، بل للمناهج التعليمية والتربوية دور كبير في زرع الأخلاق والمثل الإسلامية في الأبناء، فتنشئة الأخلاق السليمة ليست منوطة بمُدرس التربية الإسلامية فقط، بل يجب أن يلاحظ جميع المدرسين سلوكيات الطلبة في كل زاوية من المدرسة ليكافئ الطالب حسن الأخلاق، ويعاقب سيء الأخلاق، أما ترك الحبل على الغارب وغض الطرف عن السلوك المشين يزيد من الفشل الدراسي، والأخلاقي والتربوي للطلبة الذين هم عماد أوطانهم في المستقبل.
والإعلام له دور كبير في توجيه سلوك الإنسان والتأثير عليه، لأنه أصبح الأن أكثر فعالية وانتشارًا، ومنه يأخذ قطاع كبير من المشاهدين أخلاقهم وسلوكياتهم، ولننظر مثلًا إلى ظاهرة العنف بين المراهقين، فنجد أن حجم العنف الذي يشاهده المراهقون في وسائل الإعلام، والأفلام، وألعاب الفيديو أمرًا مخيفًا، حيث يقضي المراهقون عدّة ساعات كلّ يوم في مشاهدة هذه المشاهد، ممّا يجعل العنف يبدو وكأنّه واقعهم، ويصبحون غير قادرين على التمييز بين الواقع والخيال، ممّا يجعل العنف طبيعيًا بالنسبة لهم.
ناهيكم على نشر ثقافة العري بين النساء، بسبب كثرة المشاهد الخليعة في البرامج والمسلسلات والأفلام، وأصبح المسيطر على وسائل الإعلام في أغلبها أناس لا يتحلون بالأخلاق الحسنة، ومن ثمَّ يساعدون على نشر الأخلاق المذمومة.
ومن أكبر المشاكل الأخلاقية التي يساهم الإعلام في بثها بين المراهقين أنه يتيح لهم الاطلاع على المعلومات والصور الإباحية التي لا تتناسب مع نموهم العضوي والعقلي والعاطفي، بحيث يؤدي ذلك إلى أن يصبح كل فرد في الأسرة له عالمه الخاص الذي تؤسسه لديه المادة المتدفقة في الإعلام، أو تكنولوجيا الإعلام.
في مقابل ذلك تضيع الفضائل الأسرية وتتآكل قدرة الآباء على متابعة ورقابة الأبناء، كما تتآكل قدراتهم على تنشئتهم، إلى جانب تآكل قدرة الأسرة على تأمل مشكلاتها سويًا، أو جماعيًا.
ويمكن أن نجمل أسباب الأزمة الأخلاقية في التالي:
ضعف التدين في نفوس المسلمين، والتصور الخاطئ لشرائع الإسلام وأحكامه وروحه، وغياب القدوة الصالحة في كثير من المجالات، وطغيان الجانب المادي والاهتمامات الدنيوية في العلاقات والأعمال، وقلة البرامج التوعوية والأنشطة التي تُعنى بالجانب الأخلاقي، وقلة التربية الخلقية في مناهج التعليم على كافة المستويات، وعدم سن أنظمة وقوانين تحافظ على المبادئ والقيم الأخلاقية العامة، وتوقع العقوبات المناسبة على مرتكبي الجرائم الأخلاقية المتجددة.