هذا هو الفرق بين المال الاستهلاكي والمال الإنتاجي في منظور الشريعة الإسلامية

من الأمور التي تناولتها الشريعة الإسلامية، هي تفرقتها بين طبيعة المال، فهناك مال مخصص للإنتاج، وآخر مخصص للاستهلاك، والهدف هو تحقيق التوازن والتكافؤ بينهما، فبقدر ما ينتجه المجتمع من مال  إنتاجي، بقدر ما يوجهه لإشباع حاجاته ورغباته، على أساس أن المال الإنتاجي لا يمكنه أن يبدل صفته، ويصبح استهلاكيا.

يروي الإمام مسلم في كتاب الأشربة من صحيحه  عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: “خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم أو ليلة فإذا هو بأبي بكر وعمر فقال ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة قالا:  الجوع يا رسول الله،   قال: وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما، قوموا فقاموا معه فأتى رجلا من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته فلما رأته المرأة قالت مرحبا وأهلا، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين فلان قالت: ذهب يستعذب لنا من الماء. إذ جاء الأنصاري فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، ثم قال: الحمد لله ما أحد اليوم أكرم أضيافا مني، قال: فانطلق فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب فقال: كلوا من هذه وأخذ المدية، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إياك والحلوب، فذبح لهم فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا فلما أن شبعوا ورووا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة أخرجكم من بيوتكم الجوع ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم”.

الذي يفيد من هذا الحديث، هو قول النبي صلى الله عليه وسلم لذلك الصحابي الذي أراد أن يذبح لهم، إياك والحلوب،  فالحلوب هي في أصلها مال تنتج مالا، والإبقاء عليها لهذه الوظيفة هو عين تحقيق تنمية المال، إلا إذا حال حائل دون الاستمرار في أداء درها للحليب، وبالتالي فلا مبرر أن يستهلك الإنسان  أصل ماله، وسبب  رفاهيته ونماء حياته.

ويروي الامام أحمد في مسنده،  عن سعيد بن حريث قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من باع عقارا كان قمنا أن لا يبارك له إلا أن يجعله في مثله أو غيره”، إشارة  منه صلى الله عليه وسلم، أن العقار هو مال إنتاجي، ينتج منفعة تقوم بالمال، وبيع هذا العقار، هو بيع لمال إنتاجي، من تم ينبغي أن يوجه ذلك المال المحصل من البيع الى شراء  عقار آخر مثله أو عل الأقل، أن يوضع في موضع إنتاجي، ولا يسمح باستهلاكه، والا أصبح معه الإنسان البائع عالة على نفسه ، حينما ينتهي من استهلاكه .

كما أن  الصداق الذي تأخذه الزوجة من زوجها، يعتبر في أصله مالا انتاجيا، لا ينبغي أن تسمح لنفسها أن تستهلكه، مع العلم ان زوجها هو المسؤول عن نفقتها التي تشمل الطعام والشراب والإدام؛ والكسوة؛ والمسكن؛ والخدمة إن لزمتها أو  كانت ممن تخدم؛ وآلة التنظيف ومتاع البيت (الفقه الإسلامي وأدلته، الزحيلي 7/797).

والصداق  الذي تحوزه من عند زوجها يعتبر رصيدا  ماليا واقتصاديا للمرأة، فهو يشكل منطلقا لتنمية ذمتها المالية، الى جانب الحقوق المالية المترتبة لصالحها، ومن المعلوم عند علماء المسلمين انه ليس للمهر حد أدنى ولا أعلى، فهو خاضع لعرف  الزوجين، ولمستوى المعيشة الاقتصادي، يذكر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه  انه حاول  منع وتحريم المهر الغالي، فتصدت له امرأة وهو يخطب  في المسجد ويحرم التغالي في المهر قائلة له: كيف تحرم ما أحل الله  يا أمير المومنين؟ فأجابها عمر رضي الله عنه مندهشا، وهل حرمت شيئا مما أحله الله يا أمة الله؟ فقالت المرأة: نعم يا عمر، تريد ان تحدد ثمن المهر، وتحرم الصداق المرتفع، مع ان الله تعالى أحله  في قوله تعالى: [وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا(20)وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا](21)النساء.

 وتعني المرأة أن الله تعالى أحل للرجل أن يمهر زوجته قنطارا من الذهب، فقال عمر: أخطأ  ابن الخطاب وأصابت امراة.

بقلم: صالح أبو أنس

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى