نحو إرادة فعلية للإصلاح – عبد الواحد رزاقي

حينما تختل الموازين وتضحى الوسائل غايات والأولويات هوامش وفضول أعمال، والبحث عن كبش فداء من الرعاع للتغطية عن حجم الاختلال وعموم الفساد في علية القوم، ينعدم المنطق وتفقد البوصلة.

مبدأ التفتيش والمراقبة أو ما يطلق عليه الافتحاص من مبادئ الحكامة الجيدة وتفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة، ومنطلق من منطلقات دولة المؤسسات التي تحترم نفسها. الجميل في المسألة هو الإيمان بهذه الأركان والسعي لتكريسها في الواقع. والأجمل منه أن تستعمل في محلها بالتعامل مع الهيئات والمؤسسات على قدم المساواة دون محاباة أو محسوبية أو زبونية. ولأنه بالمثال يتضح المقال أقول:

من العجائب أن يتم تركيز التفتيش والمراقبة على النزهاء ذوي الأيادي البيضاء في استعمال المال العام بالقيام بعمليات إنزال لمختلف المفتشيات ومن مختلف القطاعات للبحث والتنقيب عن شبهة اختلال أو “ريال” تالف في ردهات الصناديق الحديدية بغية إلصاق تهمة الاختلاس وتشويه سمعة هيئة سياسية عنيدة وعصية عن التطويع. في الوقت الذي يتم فيه التغاضي عن مسؤولين أزكمت روائح الفساد وسوء التدبير سائر الأنوف، وسارت بفضائحهم الركبان. بل تجدهم أساتذة في فنون الاختلاس ونهب المال العام ويعطون دروسا لأشباههم من التلاميذ الكسالى في تدبير الشأن المحلي والوطني. قد يصفنا البعض بالتجني على هذه الفصيلة من المسؤولين، لكن الحقيقة أن من يغتني بطرق مشبوهة ويفتح أرصدة في جميع البنوك ويكدس الثروة – هذه التي يشتكي الكل من اختفائها وعدم انعكاسها على التنمية في البلد- ويجتهد ويبدع في قضاء مصالحه الشخصية ويضرب صفحا عن المصلحة العامة ويجعلها آخر اهتماماته، فذلكم الشقي بميزان الله وهو المقصود بالمفلس في الحديث النبوي المشهور.1

لقد سكنت بعض أجهزة المراقبة وحطت الرحال واستحلت المقام في بعض الجماعات الترابية، ومكثت الشهور ذوات العدد حتى باتت حديث الخاص والعام. وتم توجيه رسائل مباشرة سلبية للمتتبعين ولعموم المواطنين بأن رئيس الجماعة الفلاني متهم حتى تثبت براءته، وأنه مظنة لشبهة الاختلاس والاغتناء غير المشروع.

وفي المقابل يتحدث الخاص والعام، المتمرس والهاوي في الشأن المحلي عن حجم الاختلالات لدى بعض رؤساء الجماعات، بل تجد الدليل والبينة في واقع المشاريع المنجزة. والأدهى من ذلك أن تكون مشاريع وأوراش ملكية مرت عليها سنوات طوال دون مباشرة أجهزة التفتيش والمراقبة لمسطرة الملاءمة بين التصاميم والمنجزات بين الاعتمادات المرصودة والمشاريع المنجزة ومدى تطبيق قواعد تنفيذها.

تجد بعض مفتشي المالية حاذقا وماهرا في مراقبة بعض المصالح الجماعية مثل الحالة المدنية وتصحيح الإمضاءات التي تتعامل بحجم معاملات أقصاه ألف درهم من خلال الطوابع التي تلصقها بالوثائق التي تسلمها للمواطن. لكن يتم غض الطرف عن مؤسسات ضخمة وعملاقة يقدر رقم معاملاتها بالملايير. وكم من مؤسسة تم إعلان إفلاسها.      

تحدث تقرير الهيئة الوطنية لحماية المال العام، عن الاختلاسات المعلن عنها رسميا منذ سنة 2000، حيث أقرت الدولة من خلال لجن تقصي الحقائق بمختلف أشكالها بعدة اختلاسات طالت مجموعة من المؤسسات والقطاعات وهي: الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي: بـ 115 مليار درهم، والمكتب الشريف للفوسفاط: 10 مليار درهم، وكومانف: 400 مليون درهم، والمكتب الوطني للنقل: 20 مليون درهم، والخطوط الجوية الملكية: قضية مدير عام سابق للخطوط الجوية الذي اختلس مليار سنيتم، إضافة إلى تبذير مبالغ مهمة على صيانة الطائرات بالخارج.2

وأشار نفس التقرير إلى استفادة كبار الشخصيات من أغلبية الأحزاب المغربية من أراضي الدولة خارج إطار الصفقات القانونية يرجع للتقرير قصد الإطلاع.

كما تحدث التقرير عن أوجه أخرى لنهب المال العام، وكمثال عن ذلك أشار إلى صندوق الضمان الاجتماعي الذي وصل التبذير والاختلاس فيه إلى 115 مليار درهم، وهو مبلغ يمثل لوحده: 14 مرة الاحتياطي المغربي من العملة لسنة2001 و34% من الناتج الداخلي الخام لنفس السنة. وحسب الدراسة التي أنجزتها الهيئة بواسطة مختصين، فإن المبلغ المذكور سيكفي لوحده ل:ـ توفير 2 مليون منصب شغل، أو بناء 22 ألف و400 مدرسة نموذجية، أو بناء مليون و67 ألف وحدة سكنية اقتصادية، أو حوالي 25 ألف مستشفى متوسط.

هذا غيض من فيض وقطرة في بحر متلاطم من أمواج الريع والاغتناء غير المشروع والاختلاس الممنهج دون متابعات قضائية تشفي الغليل وتردع لصوص المال العام عن هذا الفساد الذي ينذر بالويل والثبور.

ليس غرضي ذكر أسماء ناهبي المال العام وإحصاء عمليات الاختلاس في مختلف القطاعات وإنما غرضي التركيز على المنهج والوصفة الناجعة لوضع قاطرة الإصلاح على سكتها الطبيعية.

لماذا يستأنس المسؤولون ويقنعون أنفسهم بأن متابعة صغار اللصوص والتشهير بهم واتخاذهم كباش فداء جزء من الإصلاح؟؟

لماذا لا يتم الضرب بيد من حديد على كبار اللصوص وإنزال أقسى العقوبات في حقهم، حتى يرتدع أشباههم ويتعظ الآخرون.

لبلوغ مقام الإصلاح لا بد من التوبة إلى الله من قبل جميع المسؤولين في مختلف مواقعهم واستحضار المراقبة الإلهية وتحكيم الضمير والبدء بالنفس مصداقا لقوله تبارك وتعالى:”إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”.3 مع إدراج أخلاق القوة( الأمانة، الصدق، احترام البيئة، الإيثار، حب الخير للغير، الطموح، النظام….) ومبادئ المواطنة الصالحة وحب الأوطان في المنظومة التربوية في جميع أسلاك التعليم والتركيز على التعليم الأولي والأساسي لأن التعليم في الصغر كالنقش على الحجر وإعمال مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة والقطع مع سياسة الإفلات من العقاب….

———

الهوامش:

1 – عن أبو هريرة رضى الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( أتَدرونَ ما المُفلِسُ؟ إنَّ المُفلسَ من أُمَّتي مَن يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ، وزكاةٍ، ويأتي وقد شتَم هذا، وقذَفَ هذا، وأكلَ مالَ هذا، وسفكَ دمَ هذا، وضربَ هذا، فيُعْطَى هذا من حَسناتِه، وهذا من حسناتِه، فإن فَنِيَتْ حَسناتُه قبلَ أن يُقضَى ما عليهِ، أُخِذَ من خطاياهم، فطُرِحَتْ عليهِ، ثمَّ طُرِحَ في النَّارِ) صحيح الجامع

  1. https://www.scoopmaroc.ma/index.php/2015-02-26-22-35-17/akhbar-watania/3123-

3 – سورة الرعد الآية 11.

 

 

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى