كيف نجدد فكرنا؟ – نورالدين قربال

يشهد التاريخ أن فكرنا الحضاري ساهم في انطلاقة النهضة الغربية. لكن الملاحظ أن فكرنا أصيب بدخن رغم محاولات الإقلاع المتعددة، وبذلك زاغ عن السنن الكونية لمفهومي الاطراد والتطور. وهذا مرتبط باختلالات ذاتية وأخرى خارجية، رغم أن فكرنا يتميز بميزة لاصقة به من حيث التأصيل والتنظير وهو مفهوم التجديد. إضافة إلى صدارة الوحي على مستوى المرجعية الذي يعفي فكرنا من البحث في القطعي والثابت، والاهتمام بالمساحات الواسعة للاجتهاد في الظني والتوفيقي ومنطقة التفويض الإلاهي، بل أحيانا فتح مجال التقدير في عملية تنزيل التوقيفي أخذا بمنطق الزمكان والسياق.

إن الاستلهام من التاريخ، والأخذ بمستجدات العصر سبيل ناضج للحضور الحضاري الذي يضمن تموقعه الجيوستراتيجي واقعيا ومستقبليا، إقليميا ودوليا، ثنائيا ومتعدد الأطراف. وبهذا المنطق يستطيع فكر الذات استيعاب كل الحضارات باعتباره منظومة تصالح بين السماء والأرض في ظل العبودية للمبدع لأنه الأحد الصمد، رب العالمين وملك يوم الدين. والبشرية سواء في الخلق والوجود مع بسط الحرية في الاختيار العقدي، لأنه لا إكراه في الدين، والحرية مضمونة منذ الولادة، فلا إكراه ولا قسر. والتحدي هو كيف نتعايش في ظل الاختلاف المحمود وليس الخلاف المذموم؟

إن عملية المد والجزر على مستوى البناء الفكري سنة شرعية وكونية، إذن لا داعي للقلق والانتقام لأننا نعيش في رقعة أرضية واسعة جدا تشمل الذكر والأنثى، والمشكلان للقبائل والشعوب. والأهم هو ضبط عملية التعرف لأننا أصلا “كلنا من الناس”، وبناء عالم الناس أولى من بناء عالم النحل والعقائد. بناء على قيم التوحيد والتوازن والوسطية والاعتدال والتجديد.

 إن الطبيعة الجبلية للإنسان هو النفور من فكر لم يساهم في بلورته. لذلك ركزنا على مبدأ التعارف رغم الاختلاف. وتجاوز ضياع الوقت في لوك المصطلحات لأنه ليس العبرة بشكلها ولكن بجوهرها. فالحداثة مثلا تتشكل بناء على خصوصية التربة، لذلك لكل حداثته. وآسيا نموذجا في التمييز بين الحداثة والتغريب. وتبقى آليات الفكر والثقافة والتربية مرجعيات بنائية للصرح الإنساني، والتقليص من القلاقل الدولية. وهذا فيه إقامة الحجة الكونية على الآدمية إذا ضلت الطريق وتوغلت في الأذى.

إن وضع المرأة عرف ظلما فكريا مما عرضها للحيف والإقصاء، ورغم ما جاد به الفكر المتنور من التقليص من هذا الحيف، فإن الطريق ما زال يتطلب حضور المرأة بقوة في البناء الحضاري تجاوزا للعطب الذي نعيشه اليوم. لأن هناك الفكر وأخلاق الفكر. لذلك بعثة النبي محمد عليه الصلاة والسلام كانت من أجل إتمام مكارم الأخلاق انطلاقا من مفهوم الرحمة للعالمين.

وللقيم بعد معياري وآخر دينامي يحضر شامخا على مستوى التنزيل من خلال الدساتير والاتفاقيات الدولية وقوانين الإطار والقوانين التنظيمية والعادية والنصوص التطبيقية والتنظيمية ثم اعتماد سياسات عمومية تخدم المقاصد العليا للفكر والمعرفة.

لكن كيف ننزل الفكر على مستوى الواقع المعيش؟ يبدو لي أن البوابة المؤهلة لهذ المهمة البعد السياسي في تشاركية مع المجتمع المدني. والرابط بين القطبين الحكمة والمرونة. وعقلنة حكامة الشأن العام الوطني والترابي، والمصالحة بين الدين والتدين، بين النقل والعقل، بناء على رؤية مقاصدية حيث مراعاة المنفعة والمصلحة.

وأخيرا وليس آخرا، نؤكد على أن فكرنا يتطور، لكن نحن في حاجة إلى مزيد من التنقية لبلورة التنمية. ومن تم ضرورة الاهتمام بالبحث العلمي، انطلاقا من التكوين والتربية والتنويع اللغوي، وتوظيف النظر والتفكر، انطلاقا من مرجعيات واضحة ومرنة نحو الوحي والعقل والحواس والوجدان. كل هذا يجلب المصلحة – وعلى رأسها التحسيس والتأسيس والتمكين لمقتضيات الإصلاح- ويدرأ المفسدة وفي قمتها الاستبداد والفساد، باعتبار أن الفساد هو العدول عن الاستقامة إلى ضدها، والاستبداد هو شرعنة الطغيان من أجل ممارسة القهر والعنف.

 

 

 

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى