قراءة متدرجة لوعد بلفور – فايز أبو شمالة

صدر وعد بلفور في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني سنة 1917 بعد أن وافقت عليه الحكومة البريطانية، والتي ستنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، شرط ألا يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى.

سأعاود قراءة جملتين وردتا في نص وعد بلفور: الأولى: وطن قومي للشعب اليهودي، ولم يقل الوعد: دولة للشعب اليهودي، فالفرق بين الدولة والوطن محكوم بالتوسع والأطماع، فالوطن القومي لليهود هو أرض فلسطين كلها، ولكن الدولة مفتوحة على القدرات العسكرية، والمساحة التي تتم السيطرة عليها ميدانياً، فمن الممكن أن تتمدد الدولة اليهودية يوماً إلى ما هو أبعد من فلسطين، وقد تتقلص بحكم الواقع إلى مساحة أقل من كامل تراب فلسطين، فالوطن القومي لليهود هو كل أرض فلسطين، والدولة مفتوحة على كل احتمال.

الثانية: لقد حدد الوعد أرض فلسطين وطناً قومياً لليهود، أي أن ما ورد في قانون القومية اليهودية في السنوات الأخيرة، والذي تحرص “إسرائيل” على تطبيقه، قانون القومية هذا ورد في وعد بلفور قبل أكثر من مائة عام، وما تباطؤ “إسرائيل” في تطبيع قانون القومية اليهودية إلا تقدير للتوازنات القائمة.

إن الأخطر من جملة الوطن القومي لليهود هو تحديد أرض فلسطين مكاناً لهذا الوطن، وهذا يعود بنا إلى اتفاقية سايكس بيكو 1916، الاتفاقية التي قسمت بلاد المسلمين، وأوجدت مساحة جغرافية أسمتها سياسيًّا “فلسطين”، فكانت التسمية لهذه البقعة من الأرض بهدف تخصيصها لليهود وطناً قومياً.

إن تحديد فلسطين جغرافياً وسياسياً في اتفاقية سايكس بيكو ليعود بنا إلى مؤتمر كامبل بانيرمان الذي عقد بين عام 1905وحتى عام 1907، وشاركت فيه فرنسا وبريطانيا وإسبانيا وإيطاليا وهولندا وبلجيكا، وخلص المؤتمر إلى أن “البحر الأبيض المتوسط هو الشريان الحيوي للاستعمار! لأنه الجسر الذي يصل الشرق بالغرب، والممر الطبيعي إلى القارتين الآسيوية والأفريقية، وملتقى طرق العالم، وأيضا هو مهد الأديان والحضارات، ويعيش على شواطئه الجنوبية والشرقية بوجه خاص شعب واحد تتوفر له وحدة التاريخ والدين واللسان”.

لقد أوصى المؤتمر بإبقاء شعوب هذه المنطقة مفككة جاهلة متأخرة، ومحاربة أي توجه وحدوي فيها.

مؤتمر كامبل بانيرمان جاء متمماً للمؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في مدينة بازل بسويسرا 1897، وجاء متناغماً مع البند الأول من مقرراته، والتي تقول: إن هدف الصهيونية هو إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين من خلال تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وتنظيم اليهود وربطهم بالحركة الصهيونية، واتخاذ السبل والتدابير للحصول على تأييد دول العالم للهدف الصهيوني.

لقد حدد المؤتمر الصهيوني الأول فلسطين وطناً قومياً للشعب اليهودي، فجاء مؤتمر كامبل بانيرمان ليعزف على الوتر نفسه، ثم جاءت اتفاقية سايكس بيكو فرسمت خارطة فلسطين جغرافياً، ثم جاء وعد بلفور، فخص فلسطين سياسياً وطناً قومياً لليهود، ثم تواصلت المؤامرة كسلسلة لم تكتمل حلقاتها بعد، فإذا كانت البداية أرض فلسطين، فلن تكون النهاية أرض الإمارات أو البحرين أو السودان، بل ستتواصل في بسط نفوذها وهيمنتها على المنطقة إلى أن تصحو هذه الشعوب، وتثور بحثاً عن وحدتها وحريتها ومستقبلها من خلال تحالف عربي إسلامي يتصدى لحلف الصهاينة.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى