قراءة في نتائج الانتخابات المهنية الأخيرة، الهلالي يكتب في مقال رأي: التراجع النافع

عندما تتراجع القوى الإصلاحية انتخابيا في مناخ عام يشي بالنكوص ووسط ميزان قوة يرجح لفائدة الاستبداد، فذلك يحمل عدة دلالات وتتأسست عليه مجموعة من الخلاصات الهامة أبرزها أن ما جرى قد  يكون نافعا على المستوى السياسي ومفيدا على الصعيد الديموقراطي.
وهذا النفع السياسي للتراجع الانتخابي المدروس، هو في العمق نفع متعدد: فهو نافع للديمقراطية ونافع للبلد ونافع على وجه الخصوص للمتراجع نفسه.
فهو نافع للديموقراطية من جهة تكريس معلم من معالم الاختيار الديموقراطي القائم على إرادة الصندوق عوض الاحتكام لغيره، ولأن من جاء بالانتخابات يحب أن لا يذهب إلا بها.
أما نفعه للبلد، فلأنه سيسهم في تجاوز حالة البلوكاج الخفي والمعلن، والذي لا تؤدي ثمنه الا الفئات الشعبية الفقيرة والمتوسطة سواء في اختياراتها القيمية والسياسية، أو في قوتها ومعيشتها اليومية ومصالحها المختلفة كما تؤديها البلد في تفويت فرصة نموها وإمكانات انتاجها لثروتها.
وهو في مقام ثالث نافع للمتراجع نفسه، كونه يتحرر من أمانة التصدر الانتخابي غير المنتج، ودون حيازة شروطه ودون التوفر على آليات إسناد هذه الأمانة على المستوى المؤسساتي والاقتصادي والاجتماعي والإداري، والافتقار، على وجه الخصوص، لآليات الدفاع عن هذه التمثيلية أو إمكانية الوفاء بمستلزماتها وترجمتها في مخرجات قانونية وبرنامجية وإصلاحية تلبي انتظارات أصحاب التفويض الانتخابي.
هذا الكلام العام قد لا ينطبق تماما على ماجرى بخصوص انتخابات الغرف المهنية تدبيرا ومشاركة وتنافسا ونتائجا، لأنها انتخابات محدودة الرهان السياسي ويكون التنافس فيها بين المآل السياسي والمال الريعي، ولكن ما يهم هو الانتخابات ذات الرهان السياسي: أي الانتخابات التشريعية بالأساس.
غير أن أهم ما يمكن استخلاصه من نتائج انتخابات الغرف المعلنة وقبلها انتخابات المأجورين هو أن هذه المحطة على جزئيتها تزكي المنحى العام الذي يتجه نحو توفير مناخ أكثر تقبلا للنتائج التي تتم هندستها، أي محاولة منع ولاية ثالثة لحزب العدالة والتنمية في الحكومة والبرلمان، بكل الطرق رغم أن المهندسين أنفسهم يقرون بصعوبة ذلك في غياب اللجوء الى خشونة سياسية قد تضر بصورة البلد وتضر بما يتم تسويقه على أنه نموذج مغربي في محيط غير مستقر ومتوتر، وذلك على غرار عملية التشطيب على قياديين بارزين يمثلان الحزب على رأس الجهة وفي البرلمان.
قد لا تخرج المعارضة الناعمة التي تقوم بها قيادة الحزب لبعض اجزاء هذه الهندسة، عن مقتضيات الهندسة نفسها، وربما قد تكون الأكثر رغبة في حصول مخرجاتها من غيرها.
ظهر ذلك في عدة محطات أبرزها محطة اعتماد القوانين الانتخابية واللعبة الجديدة التي تم الابداع في إخراجها وهي التمييز بين الأغلبية السياسية المتصدعة والمؤسسة الحكومية المنسجمة، فإذا عجزت الأغلبية السياسية بفعل البلوكاج يتم اللجوء الى الحكومة والعكس صحيح.
وهذا ما جرى بشأن القوانين الانتخابية حيث تم النأي بمؤسسة الحكومة عن تهمة النكوص عن الاصلاحات المعتمدة قبل عشرين سنة وتطوعت الأغلبية الضمنية لتتحمل هذا الوزر وتوزيع تبعاته السلبية على مختلف الأحزاب، في الأغلبية والمعارضة على السواء دون أن يجد من يتبنى هذا التراجع بشكل رسمي ومشؤول .
ومن ثمة تكون النتيجة هي تفادي الحزب المتصدر تحمل تبعات النكوص في القوانين الانتخابية التي تم تمريرها في عهده، ثم عدم تحمل أيا من الأحزاب لهذه المسؤولية بشكل مباشر، والأهم هو ابتعاد الدولة عن هذه الممارسة وتسجيل هذه “الجريمة على ذمة مجهول”.
أيا كان تقييمنا لهذا الأسلوب الذي قد يكون البديل عن العودة الى التحجيم الذاتي للوزن الانتخابي للحزب الذي تبناه البعض، الا أن النتيجة النهائية تبقى نافعة لأنها تفضي الى تحقيق “خطوة انتخابية الى الوراء لمنع تقدم الاستبداد خطوتين إلى الأمام كما يجري في بعض الأقطار .
ربما كان من الأفضل أن يتم الاعلان عن هذه الخطوة بشكل إرادي مشفوعة بنقاش عام ثري ويشرك المعنيين في تقريرها، والتأسيس لها انطلاقا من المنهج التشاركي المعتمد والذي يغلب مصلحة الوطن على المصلحة الحزبية ويجعل المحافظة على المكتسبات الديموقراطية مقدم على المكتسبات الانتخابية، ويفوت الفرصة على جميع المتربصين باستقرار بلادنا وأمنها، لكن العبرة بالنتيجة مهما تم الاختلاف مع الأسلوب والتباين مع هذا التدبير الذي قد نعود إليه بالنقاش والنقد.
بقلم امحمد الهلالي
-*-*-*-*
ملحوظة: 
المقالات المنشورة بموقع الإصلاح،  لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الهيئة الناشرة

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى