عَنْ تَحْصِيلِ المُسِنِّينَ العِلْمَ أَحْكِي وَلاَ أُفْتِي – عبد الحق لمهى

كثيرا ما يأخذ الأسى والأسف مأخذه من أغلب الشيوخ والمسنين ممن لم يكتب لهم تحصيل حظ من العلم عامة ومن قراءة وحفظ وتعلم كتاب الله تعالى، فتجدهم كلما تذكروا أو ذُكِرَ بحضورهم موضوع طلب العلم أو حفظ القرآن الكريم يطرحون أسئلة كثيرة منها: كيف السبيل إلى استدراك ما فات من طلب العلم وخاصة منه قراءة وحفظ كتاب الله تعالى وليس بمقدورنا ذلك لما نجده من صعوبة في القراءة والكتابة لكتاب الله العزيز؟

لا شك أن هذا واحد القضايا الواقعية التي يعيشها الإنسان وليست حكاية من نسج الخيال.

ولما كانت كذلك كان من اللازم البحث عن إجابة تشفي القلوب والعقول الحائرة عساها تطمئن وتقبل على ما تبقى من الحياة بأمل وتفاؤل كبيرين، إذ ما جاء الشرع إلا ليدفع كل يأس وقنوط قال تعالىقال تعالى ” وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ” سورة يوسف، 87.

وفي محاولة الإجابة أقول ـ ولا أفتي ـ أن هذه القضية تجد جوابها في مجموعة من المعاني الواردة في هدي الشريعة الإسلامية الغراء. ومن ذلك:

ـ عموم رحمة الشريعة كما دلت على ذلك نصوص القرآن والسنة فمن القرآن” قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ” (سورة يونس، 58)، ومن السنة: “عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قاللن يدخل أحد منكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته.

وهذا لا يعني أن الأعمال ليس لها قيمة ولا تأثير في دخول الجنة، وإلا فقد قال الله تعالىوَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {الزخرف:72}.  وقالجَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{الواقعة: 24}. ونظائر هذا كثيرة.

والجمع بين هذه الآيات والحديث أن الجنة ليست عوضا للعمل، ولكن العمل سبب لدخول الجنة، وإنما يدخلها من يدخلها برحمة الله إذا أخذ بالسبب الذي جعله الله سببا لدخولها، فإن رحمة الله لا ينالها إلا من اجتهد في طاعة الله وأحسن العمل، كما قال تعالىإِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ {الأعراف:56}. وقال تعالىإِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {البقرة:218″ [1].

الشاهد مما ذكر حول عموم الرحمة، أن ثمة باب يعول عليه المؤمن عامة والكبار / المسنون الذين لم تتيسر لهم ظروف قراءة وحفظ القرآن الكريم، بشرط ألا يكون التعويل على الرحمة ذريعة لترك العمل الصالح مهما كانت درجته.

ـ محبة أهل القرآن : في هذا السياق فقد ورد عن رسول الله حديث في كون المرء مع من أن أحب :” وفي هذا السياق نتفيَّؤ وإياكم حديثًا عظيمًا، وبشارةً كريمة بشَّر بها نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث جليل، بشارة أفرحَت الصحابةَ رضوان الله عليهم، فما فرحوا بشيء كفرحهم بهذه البشارة النبوية الجليلة، وقد جاء هذا الحديث مِن طُرق متعددة في الصحاح والسنن والمسانيد، عن جملةٍ وعدةٍ من الصحابة رضوان الله عليهم، ومن ذلك ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه؛ أنَّ رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الساعة، فقال: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: ((وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟)) قَالَ: لَا شَيْء إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، فَقَالَ: ((أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ)).

قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ))، قَالَ أَنَسٌ: فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ أعْمَالَهَم.[2]

انطلاقا من حديث النبي عليه السلام ” المرء مع من أحب” يمكن القول بأن الكبار والمسنون مع أن أحبوا، ولكي يضمنوا هذه البشارة النبوية، فليس عليهم من أن يجتهدوا في حمل نفوسهم على محبة القرآن وأهله ويعلنوا ذلك ما استطاعوا ويدعموا كل بالطرق الشرعية كل وسيلة أو شكل يخدم هذه المحبة لكتاب الله، لعلهم يفلحون في دنياهم وآخرتهم. ولعل هذا مسلك من مسالك الإجابة عما يجده هؤلاء الكبار من آسا على ما فاتهم من القرآن قراءة وحفظا.

الاستماع للقرآن: لئن لم في وسع المسنين تلاوة كتاب الله العزيز، فلهم أن يستمعوا له بإنصات ينالوا الفضل من الفضل من دون شك، كما دلت على ذلك نصوص شرعية منها قوله تعالى: ” (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (، (الأعراف، 204)

القول في تأويل قوله: “وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ”
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين به، المصدقين بكتابه، الذين القرآنُ لهم هدى ورحمة: (إذا قرئ)، عليكم، أيها المؤمنون، (القرآن فاستمعوا له)، يقول: أصغوا له سمعكم، لتتفهموا آياته، وتعتبروا بمواعظه (58) =(وأنصتوا)، إليه لتعقلوه وتتدبروه، ولا تلغوا فيه فلا تعقلوه = (لعلكم ترحمون)، يقول: ليرحمكم ربكم باتعاظكم بمواعظه، واعتباركم بعبره، واستعمالكم ما بينه لكم ربكم من فرائضه في آيه.[3]

مختصر القول في قضية الانصات للقرآن الكريم، في هذه الوسيلة توسيع من الشارع وتيسر منه على المسنين الذين لا قدرة لهم على حفظ وقراءة القرآن الكريم.

مسك الختام، هذه كلمات مما يسر الله كتابته سعيا لكشف اللثام ورفع الملام عن الكبار /المسنين الكرام ممن لم يظفروا بحظ من القراءة والحفظ لكتاب رب الكون جل وعلا، عسى أن يجد القارئ لهذه الأسطر ما يغني من الفوائد المعينة على توصيل القول لمن يطلب الإجابة عن السول في قضية كيف السبيل لتدارك الكبار ما فاتهم من الخير والفضل في حفظ وقراءة كتاب الله عز وجل.

” إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين”

والحمد لله رب العالمين.

 

***

[1] ـ  https://www.islamweb.net/ar/fatwa/143299/%D8%AF%D8%AE%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D8%A9-%D8%A8%D8%B1%D8%AD%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D9%81%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%84

[2] ـ https://www.alukah.net/sharia/0/123672/%D8%B4%D8%B1%D8%AD-%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A1-%D9%85%D8%B9-%D9%85%D9%86-%D8%A3%D8%AD%D8%A8/

[3] ـ https://quran.ksu.edu.sa/tafseer/tabary/sura7-aya204.html

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى