عن المقاطعة الاقتصادية أَحْكِي ولا أُفْتِي – عبد الحق لمهى

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد،

فإن الخطب صار جللا، لما آلت إليه أوضاع الأراضي الفلسطينية من تقتيل ودمار وتشريد لأهل الأراضي الشرعيين.

ويبقى السؤال المطروح الذي يفرض نفسه على أحرار العالم والمسلمين منهم خاصة في مختلف بقاع العالم، كيف السبيل لنصرة المستضعفين في أراضي بيت المقدس. خاصة مع إعلان خصوم القضية الفلسطينية دعمهم الواضح وتأييدهم المطلق للعدوان على غزة الصمود.

من الأجوبة التي يمكن تقديمها إسهاما في الجواب عن السؤال. جواب المقاطعة الاقتصادية لكل منتجات العدو التي ينتجها بشكل مباشر وغير مباشر، وكذا مختلف منتجات الأطراف الداعمة للعدوان في حربه على أراضي الفلسطينيين.

كتبت مقالات عدة حول المقاطعة الاقتصادية منها ما ورد في موقع اسلام ويب، وفيه: ” من سنن الله الكونية الصراع بين الحق والباطل، وبين الخير والشر، ولا يزال الأمر كذلك أينما وجد الحق أو كان له أتباع، فالحق ممتحن، ولكنه منصور ولو بعد حين، {يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون} (الصف:8).

 وأقرب مثال لبيان حقيقة ما سبق موقف المشركين من النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته، حيث لم يتركوا وسيلة لحربه إلا سلكوها، ولا سبيل إيذاء إلا اتبعوه، ولما رأت قريش أن عدد الداخلين في الإسلام قد ازداد، وأن شوكة الإسلام قد قويت بعد إسلام عمر وحمزة، بدأت في التفكير في أسلوب جديد وطريقة أخرى للقضاء على هذه العصبة المؤمنة.

فمن طرق الحرب التي سلكها المشركون ضد المسلمين، الحصار الاقتصادي، فقد تمخض حقد المشركين عن عقد معاهدة تعتبر المسلمين ومن يرضى بدينهم، أو يعطف عليهم، أو يحمى أحدا منهم، حزبا واحدا دون سائر الناس، ثم اتفقوا فيما بينهم على أن لا يناكحوهم، ولا يبايعوهم ولا يجالسوهم، ولا يدخلوا بيوتهم، وكتبوا بذلك صحيفة فيها عهد وميثاق ” أن لا يقبلوا من بني هاشم صلحا أبدا، ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتل “.

وعلقت هذه الصحيفة في الكعبة لتأخذ بنودها طابع القداسة، وأنه يجب التقيد والالتزام بها، فالعرب قاطبة تقدس الكعبة، لذا عمدت قريش إلى تعليق الصحيفة داخل الكعبة.

وقد فعلوا ذلك في الوقت الذي كانت فيه العرب عامة وقريش خاصة تتغنى بالكرم والجود والبذل والعطاء، وتعتبر هذه الخصلة من مواطن الفخر والمنافسة والسباق، ولكن لما تمكن الحقد من قلوبهم، وسرى الغل في نفوسهم، نسوا كل هذه المعاني التي تعارفوا عليها، وأصبح الذين يطعمون الضيفان، ويلتمسون المحتاجين، يبخلون بالحقوق على قرابتهم وجيرانهم، فقطعوا الأرحام وأجاعوا الأطفال والنساء، ونزعت من صدورهم كل معاني الإنسانية.

فاضطر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه إلى الاحتباس في شعب بني هاشم، وانحاز إليهم بنو المطلب كافرهم ومسلمهم عدا أبا لهب، فقد انحاز لقريش في خصومتها لقومه. وضيق المشركون الخناق على المسلمين، وقطعوا عنهم المؤن، ونفد الطعام حتى بلغ بهم الجهد والتعب أقصاه، وسمع بكاء أطفالهم من وراء الشعب، حتى رثى لحالهم بعض خصومهم.

وكان الصحابة المحاصرون إذا جاءت عير إلى مكة، يأتي أحدهم السوق ليشتري قوتا لعياله، فيقول أبو لهب للتجار: يا معشر التجار غالوا على أصحاب محمد حتى لا يدركوا معكم شيئا، وقد علمتم مالي ووفاء ذمتي، فأنا ضامن أن لا خسار عليكم، فيزيد التجار عليهم في قيمة السلعة أضعافا مضاعفة، فيرجع أحدهم إلى أطفاله من غير شيء، وهم يصرخون من الجوع، قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: “خرجت ذات ليلة لأبول فسمعت قعقعة -أي صوتا- تحت البول، فإذا هي قطعة من جلد بعير يابسة، فأخذتها وغسلتها، ثم أحرقتها، ورضضتها بالماء ، فتقويت بها ثلاثة أيام”. وهذا يدل على مدى الشدة والحال التي وصلوا إليها بسبب ذلك الحصار.

وفي أيام الحصار، وفي تلك الحال، كان المسلمون يخرجون للقاء الناس في موسم الحج لدعوتهم إلى الإسلام، فلم تشغلهم آلامهم وما هم فيه عن تبليغ دعوتهم وعرضها على كل وفد يأتي إلى مكة، فإن الاضطهاد لا يقتل دعوة الحق، بل يزيد جذورها عمقا وفروعها امتدادا .

وقد كسب الإسلام -خلال فترة الحصار- أنصارا كثر، وكسب – إلى جانب ذلك – أن المشركين قد بدؤوا ينقسمون على أنفسهم، ويتساءلون عن صواب ما فعلوا، حتى قيض الله تعالى فريقا منهم لإبطال هذه المقاطعة، ونقض الصحيفة الجائرة، وذلك بعد ثلاث سنين من الشدة والبلاء.

وإذا كان ظاهر المقاطعة يلحق المشقة والعناء برسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته، وهذا الذي كانت تأمله قريش، فإن المقاطعة ألقت بآثارها السيئة على غير المسلمين من أهل مكة من حيث لا يشعرون، فقد تأثرت الحياة الاجتماعية من صلة رحم ونكاح ومخالطة، كما تأثرت الحياة الاقتصادية على كلا الطرفين،

وما أشبه الليلة بالبارحة، فأعداء الله في كل زمان ومكان حرب على الحق وأهله، كما قال الله تعالى: {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا } (البقرة: 217) وهم يستخدمون في ذلك من أساليب الحرب وأسلحتها ما يشبه بعضهم بعضا فيه، ويرثه المتأخر عن المتقدم، ومن ذلك ما تقدم معنا من الحرب الاقتصادية، والتي استخدمها أعداء الإسلام في هذه الأزمنة أسوأ استخدام، ففعلوا بها الأفاعيل، فكم قتلوا بها من أطفال وشيوخ ونساء، بمنعهم الطعام والشراب والدواء، فأهلكوا الحرث والنسل على مسمع ومرأى من العالم الذي يرعى حقوق الحيوان، ويزعم أنه يحفظ حقوق الإنسان”  

وبخصوص مشروعية مقاطعة المعتدين اقتصاديا يذهب بعض الباحثين إلى القول بأنه :” لازالت اعتداءات الكافرين على الإسلام والمسلمين مستمرة بلا رادع ولا دافع وفي ظل غياب فريضة الجهاد لدفع هذه الاعتداءات رأى بعض المسلمين في مقاطعة الكافرين مقاطعة اقتصادية وسيلة فعالة لرد عدوانهم أو على الأقل التخفيف منه ” 

خلاصة القول أن المقاطعة الاقتصادية خيار فعال لرد العدوان، فالبدار البدار إلى المقاطعة لعلها تسهم في تسريع إنهاء العدوان على المسلمين في فلسطين العزة.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى