جفاف أنهار أوروبا والصين وأمريكا يهدد الأمن الغذائي العربي

بشكل غير مسبوق منذ عقود، أنهار عملاقة في أوروبا وآسيا وأمريكا الشمالية تواجه جفافا عنيفا يهدد بأزمة جوع عالمية، لن تسلم منها الدول المصدرة للغذاء، فضلا عن المستوردة له على غرار البلدان العربية.

ويهدد جفاف الأنهار والحرائق والاحتباس الحراريـ وسرعة ذوبان الجليد، المحاصيل الزراعية التي يوجه جزء منها للتصدير إلى مختلف الدول العربية. كما تهدد التغيرات المناخية بارتفاع أسعار السلع عالميا بشكل سيضاعف فاتورة استيراد الغذاء، وقد تعجز بعضها عن استيراد الكميات الكافية، بل قد لا تجد في السوق ما تشتريه حتى وإن توفرت لها السيولة الكافية.

وتضغط الحرب الروسية الأوكرانية بشدة على إمدادات الغذاء في العالم، وعلى أسعار الحبوب بالخصوص، ما يعقد الوضع الغذائي بالنسبة لدول عربية تستورد معظم الحبوب من روسيا وأوكرانيا وفرنسا والولايات المتحدة.

ويبقى الأمل مع اقتراب نهاية فصل الصيف ف عودة الأمطار وارتفاع مستوى مياه الأنهار، واستعادة الملاحة النهرية لذروة نشاطها، وبالتالي تقليل حجم الخسائر.

أنهار أوروبا تحتضر

نهر الراين العابر لحدود خمس دول أوروبية من جبال الألب في سويسرا إلى غاية هولندا مرورا بألمانيا ولختنشتاين وفرنسا، يهدد القارة العجوز بـ”شلل اقتصادي”، على حد قول صحيفة “لابانغورديا” الإسبانية.

لقد انخفض مستوى النهر إلى الثلث تقريبا (من متر ونصف إلى 56 سم) مما تسبب في خفض حمولة السفن 30 بالمئة، وسيضطر الشركات إلى نقل هذه النسبة من السلع عبر شاحنات، وبالتالي ارتفاع كلفة النقل ومدة التوصيل.

وستكون سويسرا ولختنشتاين، أكثر دولتين تأثرا بجفاف نهر الراين باعتبارهما حبيستين ليست لهما أي إطلالة بحرية، ويمثل ذلك “كابوسا” حقيقيا، سيزيد حجم التضخم لديهما.

 نهر اللوار في فرنسا الأطول بالبلاد، هو الآخر انخفض مستواه بشكل كبير بعد أن جفت جميع روافده، وانحصرت المياه عن ضفافه الرملية، وتقزم ليصبح أشبه بواد.  ولن يطول تأثير انحصار نهر لوار وارتفاع درجة حرارة مياهه الزراعة والسياحة وصيد الأسماك فحسب، بل أيضا إنتاج الكهرباء عبر أربع محطات للطاقة النووية تستعين بمياهه في عمليات التبريد.

ويواجه نهر “البو” الذي يقطع شمال إيطاليا على طول أزيد من 650 كلم، في مناطق تنتج معظم محاصيل البلاد، تراجعا حادا في مستوى مياهه، ما أثر على ري المحاصيل ومياه الشرب. وفي السياق نفسه  جفت منابع نهر التايمز لأول مرة في التاريخ، وهو أشهر أنهار بلاد الضباب، بحسب صحيفة الغارديان البريطانية.

وأعلنت بريطانيا رسميا أنها تمر بحالة جفاف غير مسبوقة، بعدما تخطت الحرارة القصوى 40 درجة مئوية، وشح تساقط الأمطار خلال الأشهر الماضية. ولا يمكن نسيان نهر الدانوب، ثاني أكبر نهر في أوروبا بعد الفولغا، الذي يعبر أو يحاذي 10 دول أوروبية، ويلقب بنهر العواصم لمروره عبر أربع عواصم فيينا (النمسا) وبراتيسلافا (سلوفاكيا) وبودابست (المجر) وبلغراد (صربيا). ولم يشفع له ذلك أمام قسوة الجفاف، حيث وصل إلى أحد أدنى مستوياته منذ قرابة قرن، وكشف عن هياكل أكثر من 20 سفينة حربية لألمانيا في زمن النازية، وفق موقع “دي دبليو” الألماني.

الجفاف يزحف

ولم تقتصر أزمة جفاف الأنهار على أوروبا، فنهر كولورادو في الولايات المتحدة -الذي ينبع من جبال الروكي ويوفر المياه لولايات الغرب الأمريكي ويصب في المكسيك-يعاني هو الآخر من تراجع حاد في مستوى مياهه. وينذر تراجع المستوى بفتح صراع غريب على تقاسم مياهه بين عدة ولايات في الغرب الأمريكي.

وقد أعلن مكتب الاستصلاح الأمريكي أن ممثلي ولايات ” أريزونا، وكاليفورنيا، وكولورادو، ونيفادا، ونيو مكسيكو، ويوتا، ووايومنغ”، فشلوا في التوصل إلى اتفاق حول كيفية خفض استخدامهم للمياه بنسبة 15 بالمئة على الأقل.

وفي الصين التي يزيد عدد سكانها على مليار و400 مليون نسمة، يثير الجفاف الذي ضرب 66 نهرا في 34 مقاطعة بمنطقة تشونغتشينغ (جنوب غرب)، مخاوف إمدادات السلع بين المقاطعات، حسب التلفزيون الرسمي. فنهر اليانغتسي، أطول أنهار الصين وثالث أطول نهر في العالم لم يسلم من ارتفاع درجات الحرارة والجفاف الذي يطول أجزاء واسعة من البلاد.

ومن مظاهر هذا الجفاف، تقلص بحيرة بويانغ إلى ربع حجمها لهذا الوقت، وأهميتها تكمن في أنها أحد أحواض الفيضان المهمة لنهر اليانغتسي، وفق وكالة شينخوا. هذا النهر العظيم يقطع الصين عرضيا ليصب في بحر الصين الشرقي، ونضوبه يعني أن أكبر بلد من حيث السكان مهدد بالجوع، ما سيخلق طلبا غير مسبوق على إمدادات الغذاء في العالم.

الأمن الغذائي العربي في خطر

إذا كانت أوروبا وشمال أمريكا، إحدى أكبر المناطق المصدرة للغذاء في العالم مهددة بتراجع المحاصيل الزراعية، فإن الأمر سيكون أسوأ بالنسبة للدول العربية التي تستورد بشكل متفاوت القمح والحبوب من هذه المناطق. ويتمثل الخطر في ارتفاع أسعار الحبوب العالمية بشكل يثقل فاتورة الغذاء العربية، خاصة للدول الهشة أو التي تعاني من أزمات أمنية واقتصادية أو لا تملك موارد كبيرة مثل النفط والغاز.

ومع إحجام عدد من الدول بما فيها العربية عن تصدير فائضها من القمح والأرز والذرة، إضافة إلى الفواكه والخضر، فقد يولد ذلك تنافسا شديدا على المعروض من هذه المنتوجات في السوق الدولية. وقد نجد أنفسنا أمام السيناريو ذاته الذي عاشه العالم في الأشهر الأولى من انتشار وباء كورونا، حول المستلزمات الطبية مثل الكمامات والمعقمات، ثم الصراع المحموم للحصول على اللقاحات.

ويعد الصومال واليمن أشد البلدان العربية تضررا من أزمة الغذاء، بحسب تقرير لمنظمة الغذاء العالمي. ولا تتجاوز نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح في الوطن العربي 41.6 بالمئة، وتنزل إلى 23.4 للزيوت النباتية. وتعد مصر والجزائر أكبر البلدان العربية استيرادا للقمح من روسيا وأوكرانيا وفرنسا.

وبالنظر إلى ارتفاع الأسعار فإن فاتورة استيراد القمح في مصر قفزت من 2.7 مليار إلى 4.4 مليارات دولار ولنفس الكمية، وفق تصريح لرئيس الوزراء مصطفى مدبولي، في مايو/ أيار الماضي. ويصبح هذا الوضع مأساويا بالنسبة لدول مثل الصومال واليمن والسودان وسوريا، التي تعاني من أزمات أمنية وسياسية واقتصادية متداخلة، يجعلها بحاجة إلى مساعدات دولية.

وإذا عانت دول مثل الصين وألمانيا وفرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة من جفاف الأنهار، وانهيار حجم المحاصيل فإن ذلك يعني أن المساعدات الغذائية للدول العربية الفقيرة ستتأثر وتكون شحيحة.

عن وكالة الأناضول

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى