الخطاب الملكي وجدلية الاقتصادي والاجتماعي والإداري – نورالدين قربال

طالما أكد جلالة الملك على الجدلية الحاصلة بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والإدارية. خاصة في الخطاب الذي ألقاه  جلالته يوم الجمعة  9 أكتوبر 2020 بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية العاشرة.

وللإشارة فإن المرحلة  اليوم مرحلة غير عادية، وطنيا ودوليا نظرا لانتشار جائحة كورونا. وأي خطأ في المنهج يؤدي إلى نتائج غير سليمة. لذلك فالخطاب الملكي يوحد بين المنهج والتيمات المطروحة. بين الدال والمدلول. إذن كيف قارب جلالة الملك المعادلة المطروحة  انطلاقا من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والصحية والنفسية؟

أول خطوة أشار إليها الخطاب الملكي خطة طموحة لإنعاش الاقتصاد. ثم مشروع كبير لتعميم التغطية الاجتماعية. وتوظيف صفتي طموحة اقتصاديا وكبير اجتماعيا يؤكد  على المغرب الذي يريده جلالته للمواطنات والمواطنين.

وهذان الورشان الكبيران مرتبطان باعتماد مبادئ الحكامة الجيدة، واصلاح مؤسسات القطاع العام. واعتبرت هذه المشاريع كلها شروطا ضرورية وواجبة لتجاوز الأزمة، وحسن تنزيل النموذج التنموي الذي يتطلع له المغاربة جميعا.

إذن ما هي الأسس المعتمدة في وضع خطة طموحة لإنعاش الاقتصاد؟  أول أهدافها دعم القطاعات الإنتاجية، خاصة المقاولات الصغيرة والمتوسطة من حيث الاستثمار وخلق فرص الشغل، والحفاظ على مصادر الدخل.

ومن أجل إنجاح هذا المشروع يؤكد جلالته على تعاقد وطني بناء، بين الدولة والشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين. انطلاقا من التلازم بين الحقوق والواجبات.

وهذا المنهج الذي اختاره المغرب بقيادة جلالة الملك يجب أن يستمر خاصة من قبل الأبناك، وصندوق الضمان المركزي، والجمعيات المهنية المقاولاتية. وتعتمد خطة إنعاش الاقتصاد على صندوق الاستثمار الاستراتيجي، والذي أطلق عليه جلالة الملك “صندوق محمد السادس للاستثمار”. ومن أهدافه السامية  النهوض بالاستثمار، والرفع من قدرات الاقتصاد الوطني، من خلال دعم القطاعات الإنتاجية، وتمويل ومواكبة المشاريع الكبرى، في إطار شراكات بين القطاعين العام والخاص. هذا الصندوق سيتصف بالشخصية المعنوية وتمكينه من هيآت التدبير والملاءمة، ويكون نموذجا للحكامة والنجاعة والشفافية ليقوم بمهامه على الوجه الأمثل. حسب المنطوق الملكي. وهذا في تقديرنا هو مربط الفرس.

وسيرصد لهذا الصندوق 15 مليار درهم من ميزانية الدولة، وهذا تحفيز للشركاء المغاربة والدوليين لمواكبة تدخلاته. إذن هو صندوق مفتوح وطنيا ودوليا. كل هذا من أجل دعم خطة الإنعاش وتوسيع آثارها الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. وذكر البيئة فيه إشارة قوية لمراعاة الاستثمارات التغييرات المناخية. مما يوحي بخطة مندمجة لهذا المشروع الملكي الكبير.

كما سيعتمد الصندوق كذلك على صناديق قطاعية متخصصة، حسب الأولويات وحاجيات القطاع. مركزا جلالة الملك على الأولويات التالية: الصناعة، الابتكار، المقاولات الصغرى، والمتوسطة، والبنيات التحتية والفلاحة  والسياحة والتنمية القروية، مما سيساعد على تحفيز الاستثمار والتشغيل، وتسهيل الاندماج المهني القروي، مع توظيف مليون هكتار التي عبئت من الأراضي الفلاحية، لفائدة المستثمرين وذوي الحقوق .

وقد حدد الخطاب الملكي حوالي 38 مليار درهم، كحجم للاستثمارات المنتظرة  على المدى المتوسط. مما سيضيف نقطتين إضافيتين سنويا من الناتج الداخلي الخام، وإحداث عدد مهم من مناصب الشغل. لهذا كله دعا المنطوق الملكي إل تشجيع الشباب في العالم القروي على خلق المقاولات ودعم التكوين، لا سيما في المهن والخدمات  المرتبطة بالفلاحة.

إذن ما علاقة هذه الاستراتيجية الاقتصادية بالنهضة الاجتماعية وتحسين ظروف عيش المواطنين؟

من ملامح هذه النهضة الاجتماعية تعميم التغطية الاجتماعية لجميع المغاربة، اعتمادا على أربعة مكونات: تعميم التغطية الصحية الاجبارية في أجل أقصاه نهاية 2020. لصالح 22 مليون مستفيد إضافي. على مستوى التطبيب والدواء والاستشفاء والعلاج. ثم تعميم التعويضات العائلية لتشمل حوالي 7 ملايين طفل، في سن الدراسة، تستفيد منها ثلاث ملايين أسرة. ثم توسيع الانخراط في نظام التقاعد. لحوالي 5 ملايين من المغاربة الذين يمارسون عملا، ولا يستفيدون من معاش. ثم تعميم الاستفادة من التأمين على التعويض على فقدان الشغل، للذين يتوفرون على عمل قار. ونظرا لأهمية هذا المشروع  الاجتماعي الكبير دعا جلالته إلى التشاور، واعتماد قيادة مبتكرة وناجعة. في أفق إحداث هيأة موحدة للتنسيق والاشراف، على أنظمة الحماية الاجتماعية.

إن مضامين الخطاب الملكي حقق جدلية الاقتصادي والاجتماعي والإداري والبيئي، ومن تم لابد من اعتماد هذه المعادلة كفلسفة ورؤية لكل المشاريع المذكورة في الخطاب الملكي ومن الشروط  المؤسسة لهذه الأوراش الكبرى نستنبط من المنطوق الملكي ما يلي:

-الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة.

-إعطاء  مؤسسات الدولة النموذج الأمثل لهذه الحكامة من خلال مؤسساتها ومقاولاتها العمومية حتى تكون فعلا رافعة للتنمية وليست عائقا لها.

– المراجعة الجوهرية لهذه المؤسسات خدمة للكيف وليس الكم غير المجدي في غالب الأحيان.

-قيام الوكالة التي ستشرف على مساهمات الدولة وتتبع أدائها بدورها أحسن قيام.

-التأسيس لعقد جديد يحتم التغيير الحقيقي في العقليات، وفي مستوى أداء المؤسسات العمومية.

-المراجعة العميقة لمعايير ومساطر التعيين في المناصب العليا.

-تحفيز الكفاءات الوطنية، على الانخراط في الوظيفة العمومية ، وجعلها أكثر جاذبية.

-تعبئة وطنية شاملة، وتضافر جهود الجميع ، لرفع تحدياتها.

-ارتقاء كل المؤسسات والفعاليات الوطنية إلى مستوى تحديات هذه المرحلة، وتطلعات المواطنين.

-مسؤولية النجاح مسؤولية مشتركة فهو جماعي لصالح الوطن. أو لا يكون كما أكد على ذلك جلالة الملك.

-رفع التحدي يتم في إطار الوحدة الوطنية والتضامن الاجتماعي.

-اليقظة والالتزام  للحفاظ على صحة  وسلامة المواطنين ، ومواصلة دعم القطاع الصحي، بالموازاة مع العمل على تنشيط الاقتصاد وتقوية الحماية الاجتماعية.

إذن لنتعبأ جميعا من أجل بناء مغرب المستقبل الذي ينتظر منا الكثير.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى