لمهى يكتب كلمات على أبواب رمضان

الضيف الأحب إلى قلب الإنسان حينما يقترب موعد قدومه، يبذل جهدا كبير لاستقباله فترى الجميع في حالة تأهب قصوى للترحيب به واحتضانه. هذا الأمر كله مع الضيف البشر، فكيف بنا إذا كان الضيف الكريم هو شهر القرآن الكريم قال تعالى ” شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ” البقرة 185. حري بنا نحن عباد الرحمان أن نبتهج بهذا الشهر وأن ننشرح صدرا لقرب وصوله.
رمضان على الأبواب فمن وجد من نفسه سرورا وفرحا لرؤية الهلال وصيام الشهر المبارك، فليعلم أن ذلك علامة على صدق إيمانه وتعلقه بربه، ومن وجد من نفسه سهوا وغفلة غير آبه بحلول هذا الضيف ـ الذي يطل علينا شهرا في السنةـ ولم يتأهب له بأدوات التأهب التي تليق بمقامه، والأقبح والأسوأ من ذلك إن لم يكن يشعر بالبهاء والجمال عند لقائه، فليعلم أن نفسه بها علل تحتاج إلى تنقية وتخلية لها من كل الشوائب التي منعت النفس من الإشراق والابتهاج بمقدمه.
ذكر الله ـ جل في علاه ـ أن هذا الشهر شهر القرآن؛ لكن يا ترى كيف يكون التعامل مع كتاب الله حتى ينتفع به المرء المسلم وينفع به غيره؟ إذا عقد العبد المؤمن النية والعزم الصادق على صحبته، فليكن طريقه إليه كما يلي: قراءته، فهمه، الإيمان به ثم العمل به. فإذا تحقق العبد بهذه الشروط الأربع كما أشار اليها الدكتور الشاهد البوشيخي حفظه الله، كانت الفائدة الكثيرة بالدنيا والثواب الأفضل في الآخرة.
لقد كان رمضان شهر الانتصارات وبذل الجهد في طاعة الله تعالى، فلنكن في شهر الله هذا ممن انتصر على نفسه فهذبها من كل يضرها ويحملها على اقتراف كل سوء، الإتقان في الأعمال والوظائف في رمضان انتصار على كل غش، القيام نهارا بما يلزم القيام به انتصار على ركون النفس للدعة والراحة المذمومة، فلا يكن أحدنا خاملا ينام نهاره ويقوم ليله خوفا من الجوع والعطش فإن ذلك منقصة في حقه وخصلة لا يحبها الله ورسوله، واستقبال غير لائق بالضيف.
وسائل التكنولوجيا الحديثة تبقى وسائل ولها حكم المقاصد، والناس فيها أصناف فمن موظف لها في طاعة الله في شهرنا منتصر على نفسه وهواه، ومنهم من صارت تستعمله هذا الوسائل فيتوجه معها حيث توجهت وتوليه أي وجهت شاءت، فذلك هو المسكين المهزوم، وعليه يحسن بنا جعل محطة رمضان فرصة لتجديد التعرف على الله ورسوله من خلال هاته الوسائل.
القلوب على استعداد تام للنهل من معين هذا الشهر المبارك، فمن يكن له حظ سن السنن الحسنة في أيام هذا الضيف، حتى إذا عمل بها من عمل كان لمن سنها أجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيء، والحذر الحذر من الإسهام في سن أي نوع من السنن السيئة حتى لا يكون على صاحبها وزرها ووزر من عمل من غير أن ينقص من أجورهم شيء.
مضى من أيامنا عام نأكل فيه من أفضل الأطعمة ونشرب أعذب الأشربة، وغيرنا كان جوعانا أو أقرب إلى ذلك، رغم ما كان يعطى له من أهل الفضل والإحسان. لقد جاءنا رمضان ليذكرنا بحال هؤلاء لعلنا نرق لهم فنقاسمهم من عندنا من ألوان الطعام والشراب.
ألفت نفوسنا تصرفات من الأقوال والأفعال طيلة أيام السنة، وها قد حل بيننا شهر الله هذا، لتفطم فيه النفوس ـ التي أراد بها ربها خيراـ عن كل شر وبلية فتكون من الناجين دنيا وآخرة، فمتى انقضى رمضان ولم يجد المرء نفسه قد تبدلت من الخير إلى الشر فليعلم أنها لم تستفد من الصيام كما جاء به الهدي الرباني.
الجوارح قد تغلب صاحبها فتصير متحكمة فيه، وحتى يكون الصيام تاما لابد من التحكم فيها، فإنه من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه كما جاء في الحديث “عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن لم يَدَعْ قول الزُّور والعملَ به والجهلَ، فليس للهِ حاجةٌ أن يَدَعَ طعامه وشرابه))؛ رواه البخاري. لا يحسبن أحد بانه بصومه ذاك كأنما يوفر لله مخزونا يذخره لأيام قحط فالله خزائنه لا تنفذ.
بقلم الأستاذ عبد الحق لمهى

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى