ترشيد الحجر الصحي – جمال بخوش

شاهدت قبل أيام تقريرا إخباريا على إحدى القنوات التلفزية الفرنسية حول العلاقات الأسرية في ظل أزمة كرو نا، يدق ناقوس الخطر بسبب تنامي حالات العنف الأسري جراء إجراءات الحجر الصحي، وفي نفس السياق ظهرت إحصاءات رسمية صينية تبين ارتفاع نسب الطلاق بين الأزواج في العديد من المدن الصينية التي تضررت كثيرا بالإجراءات الصارمة المتخذة خصوصا الحجر الصحي، فالصورتان معا تبينان خطورة الوضع داخل الأسرة والآثار السلبية الناجمة عن هذه الجائحة. فما السبيل يا ترى لعدم السقوط في مثل هذا الوضع في واقعنا المغربي ؟

لقد أبان مجتمعنا المغربي في هذه الظرفية الحرجة عن وعي متزايد خصوصا في ظل تجاوبه الكبير مع الإجراءات التي اتخذتها السلطات المختصة، ناهيك عن التجسيد الفعلي لقيم التضامن والتآزر والتعاون من خلال المبادرات الميدانية التي تجعل فعلا المجتمع المغربي جسدا واحدا، لا يسمح بمعاناة عضو من أعضائه بأي حال من الأحوال، إن هذه الصورة الإيجابية لا يجب أن تنسينا بعض السلبيات التي قد تظهر خصوصا في واقعنا الأسري، مما يستدعي من الجميع الحرص على ترشيد فترة الحجر الصحي من خلال :

1 – اعتبار هذه الظرفية فرصة لتغيير ذواتنا، ومساحة زمنية لتأمل أدورانا داخل أسرنا خاصة، ومجتمعنا بشكل عام، ولا يجب أن نعتبر الحجر الصحي سجنا أو كبتا لرغباتنا وقدراتنا، وإلا سيصير الإنسان فاقدا لكل معاني الحياة، فديننا الحنيف يحثنا دائما على الإقبال على الحياة في جميع الأحوال والأوضاع، والعمل في كل الظروف على تطوير ذواتنا وتغييرها نحو الأفضل .

2 – التحلي بالروح الإيجابية ونفس التفاؤل والأمل، فنحن أمام خيارين في هذه الظرفية لا ثالث لهما، فإما أن نكون إيجابيين متفائلين متشبثين بالأمل، وإما أن نكون سلبيين متشائمين فاقدين للأمل، ووقتئذ سوف لن يكون لحياتنا أي معنى، وستتحول إلى صراع مع ذواتنا ومع الآخر، فالخيار الأول  من صميم ما يدعونا إليه ديننا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل الحسن، ويكره الطيرة” رواه البخاري .

وصدق الشاعر في قوله : أعلل النفس بالآمال أرقبها    ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل

وقد اهتمت الدراسات النفسية المعاصرة بهذه الجوانب ( الإيجابية – التفاؤل – الأمل …)خصوصا ما يسمى علم النفس الإيجابي الذي يركز على العوامل التي توصل الإنسان إلى السعادة .

3 – تبعا لذلك فهذه الإيجابية هي ما يجب أن نتعامل بها داخل أسرنا بحكم أن العلاقات المباشرة اليوم ستكون بشكل أساسي مع أفراد أسرنا، فالزوجان يجب أن يتعاملا فيما بينهما بالحسنى ويسعيان معا لتحقيق المودة والسكينة، وهذا هو مقصد الزواج، يقول الله تعالى :”  وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” الروم الآية 21.

إن هذه الظرفية فرصة للزوجين لإحياء رابطة الحب ونبذ كل الخلافات التي من شأنها أن تؤثر على الأسرة كلها، بالإضافة إلى ذلك فإن لهما دورا كبيرا في تمتين وتقوية التواصل الأسري مع أبنائهم، وبين الأبناء فيما بينهم، إنها فرصة سانحة لتجديد أواصر الحب بين كل أفراد الأسرة، ولن يتأتى ذلك إلا بوعي ربي الأسرة بهذا الأمر، ومن تمت وضع خطة واضحة لتحقيق هذه الأهداف واستدامتها مستقبلا، خطة متكاملة تستحضر تكامل الأدوار داخل الأسرة .

من المؤكد أن ترشيد الحجر الصحي داخل أسرنا يحتاج إلى تضافر جهود الجميع بدء بتوسيع وعينا الجماعي وتعزيز فعلنا الإيجابي ووضع خطط عملية وبرامج قابلة للتنفيذ وجالبة للمنفعة لكل أفراد الأسرة، والأساسي أن نستحضر أن خلاصنا الجماعي ونجاحنا والخروج من هذه الأزمة هز نجاح لكل فرد ولكل أسرة، وقبل ذلك نجاح لوطننا وبزوغ لواقع أفضل إن شاء الله .

 

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى