الموس يكتب: منحة صلاة التراويح في البيوت
وأنا أتابع الجدل الدائر بين الناس حول مسألة التراويح في ظل الحجر الصحي وإغلاق المساجد، وقلق كثير من الناس من أن يفوتهم خيرها، وبحثهم عن بعض الرخص التي تمكن من إتيانها خلف إمام عن بعد باستعمال الوسائط الرقمية، قلت وأنا أتابع وأقرأ وأبحث عن أدلة كل فريق وقعت عيناي على حديث في صحيح البخاري ومسلم عن َعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ – رضي الله عنه – قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ – صلى اللهُ عليه وسلَّم – فَسَأَلَهُ عَنْ الْهِجْرَةِ ، فَقَالَ: ” وَيْحَكَ إِنَّ الْهِجْرَةَ شَأنُهَا شَدِيدٌ , فَهَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟ ” قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: ” فَتُعْطِي صَدَقَتَهَا؟ “، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: ” فَهَلْ تَمْنَحُ مِنْهَا شَيْئًا؟ ” , قَالَ: نَعَمْ , قَالَ: ” فَتَحْلُبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا؟ ” قَالَ: نَعَمْ ، قَالَ: ” فَاعْمَلْ مِنْ وَرَاءِ الْبِحَارِ فَإِنَّ اللهَ لَنْ يَتِرَكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيْئًا” .
فهذا رجل اعتقد أن الأجر الكثير والثواب الجزيل يكون بأن يهاجر إلى النبي عليه السلام، وبأن يترك قريته ( من وراء البحار: تطلق البحار على القرى النائية)، ويأتي للمدينة المنورة، فأعلمه النبي عليه السلام أن الله تعالى لا يضيع الناس شيئا من أعمالهم الصالحة، عملوها في بيوتهم أو خارجها، تعبدوا في الحرم من خلال الاعتمار في رمضان أو بقوا في بيوتهم وأوطانهم…. إن أهم ما يطلب من المسلم أن يرابط حيث كتبه الله تعالى له المرابطة، ويقيم حيث أراد الله تعالى له الإقامة كما قال ابن عطاء الله: ” مقامك حيث أقامك” .
إقرأ أيضا: الأحكام الشرعية للصوم وفق المذهب المالكي |
إن بإمكاننا جميعا أن نحول هذا المنع من شهود التراويح بالمساجد إلى منحة ربانية، نكتسب فيها ومن خلالها حسنات كالجبال إن أخلصنا لله تعالى:
- يمكننا أن نجعل التراويح في بيوتنا فرصة لمراجعة سور من القرآن ضيعناها، أو أحزاب حفظناها وضاعت منا. وذلك بالاستعداد لها خلال اليوم ومراجعة ما نريد أن نصلي به في الليل.
- يمكننا أن نعلي من رصيد الاخلاص الذي نستفيده من الصوم، بأخذ جرعة كبيرة منه في صلاة النافلة في البيوت، وخاصة في آخر الليل.
- يمكننا أن نجعل منها فرصة لربط أفراد الأسرة كلهم بالصلاة، وتحقيق الأمر الإلهي: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132]. وتقتدي في ذلك بعمر ابن الخطاب رضي الله عنه. روى عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِكَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أَيْقَظَ أَهْلَهُ لِلصَّلَاةِ يَقُولُ لَهُمْ الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ ثُمَّ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ{ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى }.
- يمكننا أن نجعلها فرصة لتحفيز أبنائنا وتحميلهم مسؤولية الإمامة في الصلاة ولو بالمصحف، وفي ذلك تعليم وارتقاء بهم.روى الدارقطني عن عمرو بن سلمة رضي الله عنه قال: ” انطلق أبي بإسلام أهل حوائنا ذلك فقدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم فأقام عنده فلما أقبل من عند رسول الله صلى الله عليه و سلم تلقيناه فلما رآنا قال جئتكم والله من عند رسول الله صلى الله عليه و سلم حقا فإنه يأمركم بكذا … فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآنافنظروا في أهل حوائنا ذلك فما وجدوا أحدا أكثر مني قرآنا مما كنت أتلقى من الركبان فقدموني بين أيديهم وأنا بن سبع سنين أو ست سنين فكانت علي بردة فيها صغر فإذا سجدت تقلصت عني فقالت امرأة من الحي ألا تغطوا عنا أست قارئكم فكسوني قميصا من معقد البحرين فما فرحت بشيء كفرحي بذلك القميص” فهذا إمام يؤمن الناس وعو ابن سبع سنين؟
- يمكننا أن نربط تراويح البيوت بمواعظ تقيمها الأسرة ويتم التناوب في تحضيرها، ويمكن اشتراك مجموعة من الأقارب فيها عبر تقنيات التواصل الرقمي.
- ختاما أقول إن إقامة التراويح بالمساجد سنة عمرية، لكن شهودها يختلف بحسب قوة الناس وضعفهم عن أدائها في بيوتهم، وإذا كانت الضرورة تحول دون تحقيقها في المساجد كحالنا اليوم ، فنحرص على هذه المنح التي نستفيدها من خلال إقامتها في البيوت.
الدكتور الحسين الموس