الفاعل النقابي ومطلب العدل في العلاقة الشغلية

ورث العمل النقابي منطقا في تدبير العلاقة بين النقابة والإدارة يقوم أساسا على منطق “الصراع”؛ بين أرباب العمل والعمال أو الموظفين، وهذا الأمر له جذور تاريخية غربية لها سياقات مختلفة عن سياقات باقي الدول التي أصبحت تشهد ظهور الحركات النقابية.

إن الحكمة تقتضي أخذ كل وسيلة تسهم في الدفاع عن حقوق الإنسان ما تخالف الأصول المرجعية لكل حضارة أو أمة، وعمر بن الخطاب كان قد أخذ أغلب تراتيبه الإدارية عن حضارة أخرى.

ولعل آليات العمل النقابي مشترك إنساني يستفاد منه ما يجعل كل ممارسة تنحو هذا المنحى من صميم الشرع وحقيقة الدين. ومن العيوب التي تؤخذ على هذا الاتجاه الصدامي كونه ينحاز إلى جهة العمال، ولو أن تكون ظالمة مخالفة للقانون الجاري به العمل كأن يدافع الفاعل النقابي عن موظف قام بمخالفة معينة ويحاول بكل ما أوتي من آليات إثبات عدم ارتكاب الموظف لهذه المخالفة أو أحيانا أخرى يسعى الفاعل النقابي إلى الدفاع عن الإدارة في معركتها مع العامل أو الموظف، وقد يخلط الأوراق ويقوم بكل ممارسة من شأنها إثبات براءة الإدارة

 إن العمل النقابي عمل إنساني نبيل وحتى يحافظ على إنسانيته ينبغي له الارتكاز إلى مبادئ تضمن له الاستمرارية في العطاء. وتعد قيمة العدل قيمة إنسانية يعترف بها الإنسان ويدين بها في حياته، ونقصد بها : الوقوف موقفا عدلا في العلاقة بين أطراف الشغل والوظيفة وهم الإدارة والعمال والموظفون والفاعل النقابي الذي يسهم في حماية الحقوق والدفاع عنها، والعدل على مستوى الوساطة الاجتماعية، واقتراح الحلول، وعقد الاتفاقيات الجماعية…. فلا تميل ميلا جائرا لأحد على الآخر بدون مسوغات لذلك.

إن قيمة العدل متى التُزِم بها ضمنت للفاعل النقابي مكانة معتبرة ومحترمة ومهمة ضمن المجتمع عامة والشركاء الذين ترتبط بهم خاصة، والتاريخ شاهد على مرحلة عطاء قوي وفعّال لبعض الأطراف الفاعلة في الحقل النقابي حيث استطاعت من خلال تمثلها لهذه القيمة كسب عدد كبير من المنخرطين والمهتمين والمتعاطفين بنضالاتها وخطابها وتوجهاتها وبرامجها المختلفة حتى صارت شريكا أساسيا في بناء واقتراح السياسات العمومية ذات الصلة بما هو اجتماعي فظفرت بتمثيلية مهمة في مؤسسات الدولة بل غدت مستشار خبرة في المجال الاجتماعي يستند إليها فيه، كما أن ثقة الشركاء فيها ظلت كبيرة إذ توقع معها اتفاقيات جماعية في مجال الشغل. لكن بعد ردح من الزمن عرفت هذه المنظمات تراجعا كبيرا في خطابها وممارستها مما أثر على نتائجها ومكانتها بين الشركاء والفاعلين والمنخرطين والمتابعين لعملها.

والجدير بالذكر أن مقاربات عوامل التراجع تلك تختلف، وفي تقديري، يعد غياب العدل سببا من أسباب هذا التراجع ولا سبيل لتلك الهيئات إلا بمعاودة التمسك بذلك المبدأ في سبيل إعادة الرقي والتطور الذي تنشده في المستقبل. صحيح أن الالتزام بالمواقف والتحلي بمبدأ العدل قد يكون على حساب عدد من المصالح الأخرى التي قد تضيع على الفاعل النقابي، ولكن في نظري الحفاظ على المؤسسة وإن فقدت بعض المكتسبات أمر مهم جدا.

وحينما نتحدث عن العدل في هذا السياق لابد من الإشارة الى أنه مفهوم عام مجرد، وتنزيله في واقع العمل النقابي ذي الطبيعة البنيوية المعقدة يفرض على الباحثين والدارسين بذل مجهود في تفكيك هذا المفهوم في تعلقه بهذا المجال المتجدد والمحكوم بتداخل المصالح وتعددها وتضاربها أحيانا، فكيف يمكن تنزيل العدل والحالة هذه؟ الاجابة على هذا السؤال عملي رصين يحتاج إلى بحث ونظر بغية تنوير العاملين في مجال العمل النقابي.

 بقلم : عبد الحق لمهى

 

أطلع أيضا على:

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى