كلمات حول العمل السياسي – عبد الحق لمهى

لا ينازع دراس لحركة التاريخ في محورية العمل السياسي ودوره في تطوير المجتمعات البشرية، بل والعالم كله، فلا يتصور بناء واستمرار لأي دولة دون الارتكاز على الدعامة السياسية.

وحديثنا في هذه المقالة سينصب حول العمل السياسي الحزبي، الذي يضطلع بمهام التأطير والدفاع عن المواطنين وتمثيلهم في مؤسسات الدولة، تشريعا ومراقبة للمؤسسة التنفيذية، وكذا إسهاما في تدبير الشأن العام الوطني والجهوي والمحلي على مستوى كل قطر من أقطار العالم.

 يشكل العمل السياسي وسيلة ضرورية في حياة المجتمع لما يسهم فيه من حفظ مصالحهم الدنيوية، ومن ثَمّ فهو وسيلة تحقق هذا المقصد ولازمة من لوازم الحياة المعاصرة.

إن القول بعدم جدوى العمل السياسي في حد ذاته قول متهافت عقلا وواقعا؛ فأما عقلا فإن الحياة لا يتصور استقامتها دونه وأما واقعا فالتاريخ يؤكد ارتباط الفعل السياسي ببقاء الدول واستقرارها، لكن إذا فسدت ممارسة الناس في قيامهم بالأدوار السياسية فإن ذلك صائر بالأمة الى فساد وتهارج، لهذا يبقى العمل السياسي مطلب وضرورة بالرغم مما قد يلاحظ عليه من صور الفساد .

 فالعمل السياسي غايته الإصلاح، والإصلاح عمل مستمر لا ينقطع، ومادام الأمر كذلك، فلا يوجد مسوغ للانسحاب من هذا المجال للاعتبار الذي ذكرناه قبل. قد تقع المراجعة أو اتخاذ موقف ما ولكن يبقى ضمن قاعدة عامة مفادها مواصلة مهمة التغيير من أجل معالجة الأوضاع العامة للمواطنين.

إن سنة التدافع من السنن الكونية التي لا تتخلف ما بقي الزمن، لأن الحياة البشرية لا تخلو من وجود الخير والشر، فلو فرض انعدام الشر لما كان للتدافع معنى، ولما لم يكن الأمر كذلك، جاز لنا أن نقول بتهافت دعوى العدول عن العمل السياسي بما هو وسيلة سلمية في دفع أسباب المفاسد وجلب النفع للناس.

والغاية تبرر الوسيلة، قاعدة من قواعد الفكر الاقتصادي عند بعض الاتجاهات الاقتصادية المعاصرة، ومعنى هذا القاعدة ان المهم هو بلوغ الهدف بغض النظر عن طبيعة الوسيلة مشروعة كانت أم غير مشروعة، فتراهم يعقدون مختلف المعاملات المالية التي تحقق لهم المنفعة وتنمي رأسمالهم، هذا الأمر إذا نظرنا إليه بمنظور شرعي ألفيناه مرفوضا لأن الشرع يعد حكم الوسيلة مثل حكم المقصد، ومنه أرى أن  للفاعلين في الحقل السياسي الأخذ بهذا المبدأ وعدم الانجرار إلى أي وسيلة مشروعة كانت أم غير مشروعة، من أجل الظفر بمصالحهم السياسية، أو جعلها منطقا في تدبير الشأن العام.

  ويعتبر العدل قيمة من القيم الإسلامية الأصيلة، وهو عام يشمل مختلف جوانب حياة الانسان، ومنه يكون الالتزام بالعدل في معارضة أو موافقة الأطراف السياسية المختلفة، من أرفع القيم في الممارسة السياسية المعاصرة، فما نراه من التحامل بين الفاعلين السياسيين فيما بينهم لا لشيء إلا لأن الآخر يختلف معك من حيث المرجعية، فذلك من فساد الممارسة السياسية ويعكس مستوى الانحطاط السياسي.

إن الاشتغال في المجال السياسي تارة يحالفه النصر وأخرى يمنى بالخسارة، والمتأمل في حركة التاريخ يلفي هذا الأمر جليا، وفي تقديري المطلوب معرفة أسباب تحقيق النجاح قصد التمسك بها والسير على منوالها، وإدراك الأسرار الكامنة خلف الفشل والقيام بالجهود الممكنة لتلافيها وتلك عين الحكمة في الممارسة السياسية.

وتبقى عمليات الانتداب السياسي من المسؤوليات المنوطة بالفاعل السياسي، وهي مهام تتطلب كفاءات ذات قدرات عالية مماثلة لمستوى المهمة المطلوبة، ومنه فإن اقتراح وترشيح ممثلي المواطنين ينبغي أن يراعي مواصفات الكفاءة التي تؤهل للقيام بما هو مطلوب من الشخص المرشح، وما نراه من ضعف في بنية الدول والمجتمعات إلا بأسباب كثيرة منها ما نحن بصدد، فمتى تجاوزت الهيئات السياسية هاته الحجرة العثراء أسهمت في تقدم أوطانها.

والعمل السياسي يتعرض مثل غيره من مجالات الاجتماع البشري إلى اضطرابات لأسباب مختلفة منها ما هو ذاتي ” داخلي” ومنها ما هو موضوعي ” خارجي” والحالة هاته فان القيادة الحكمية هي من تقدر طبيعة كل مرحلة وحجم الخسائر والتداعيات السلبية المحتملة فتتخذ القرار المناسب من أجل صيانة وحدة منظمتها.

وأخيرا فلكل عمل بشري مصالح ومفاسد، والقواعد المقررة عند بعض علماء الشريعة انه ليست هناك مصلحة خالصة ولا مفسدة خالصة وإنما الحكم يكون بما غلب، والامثلة على هذه القاعدة كثيرة منها الصلاة مثلا فعلى ما فيها من مصالح كثيرة كونها تريح بال الانسان وتنهى عن الفحشاء والمنكر إلا أن فيها مفاسد قليلة غير معتبرة منها الحرمان من النوم في الليل والهجيرة، هذه قاعدة دقيقة من قواعد أصول الفقه الإسلامي عند بعض العلماء ترتبط  ارتباطا وثيقا بمجال العمل السياسي، كما أن  النظر فيها  في سياقات العملية السياسية، عمل المتخصصين من العلماء وأهل الخبرة وليس بمقدور العموم تقليب النظر في هذا الامر وإبداء ما يمكن أن ينتج عن ذلك من أثر، وعليه يكون من المطلوب إحالة القضايا الشائكة لأهل العلم والمجتهدين الذين تحصلت لهم شروط الاجتهاد.

كما أن التشاور في اتخاذ القرار والقبول بنتائجها ولو كانت مخالفة لرأي فئة معينة داخل الهيئات، شرط ضروري في نجاح التنظيم السياسي، وضمان عافيته، ويجد سنده في تصرفات الرسول عليه السلام ودونك السيرة النبوية ففيها الغنية والاقناع في هذا المضمار، ولا أحسب النكوص على هذا السبيل إلا مسببة في إضعاف المؤسسات واحداث الفرقة فيها، وليس هذا الكلام دعوى إلى إكراه طرف على التزام رأي غالبية أخرى وإنما هو الرشد السياسي فيما أرى.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى