أي عطلة نريد؟ – عبد الواحد رزاقي

حينما يكد المرء ويجتهد سعيا لطلب العلم أو و أو الرزق تنتابه فترات يود أن يخلد فيها للراحة والاستجمام حتى يتجدد نشاطه وتشحذ عزيمته ويشتد ساعده، درءا للسآمة والملل.

والطالب لا يشذ عن هذه القاعدة. فعلى مدى العام يراجع دروسه ويذاكر وينجز الواجبات، ويواظب على حضور الحصص الدراسية والدعم والتقوية ويتوج هذه الأعمال الجليلة بالفوز في الامتحان لينتقل إلى مستوى أعلى.

ثم تأتي العطلة الصيفية ليمتحن هذا الطالب امتحانا من نوع آخر في مدى استغلالها وحسن تدبير وقتها، ونفسه التي بين جنبيه تدعوه للتخفيف من الأحمال والأغلال ومن جميع الالتزامات والتفرغ لقضاء فترة ليست يسيرة من الراحة والاستجمام ونسيان كل شيء.

ويختلف الناس في قضاء هذه الفترة المحورية من عمرهم، خصوصا وأنها تدوم حوالي فصلا كاملا (3 أشهر). ومطلب الراحة وفراغ النفس من الهموم مطلب وجيه ومعقول وفطري، إلا أن عدم استغلالها فيما يفيد، ويعود على المرء بالخير والسعادة يكون وبالا عليه وعاقبة سوء.

وقت المرء كيفما كان العمل الذي يمارسه لا بد فيه من الاعتدال والتوسط وعدم الاستغراق في شغل محدد ونسيان أشغال أخرى. فذلك يشبه الملاكم الذي يمرن عضلة دون سائر العضلات فيحدث شدا وقوة وصلابة في العضلة الممرنة وترهلا ورخاوة في غيرها. فكذلك التعامل مع الأوقات والأعمال المنجزة خلالها.

عندما يجتهد الطالب ويجد في مذاكرة دروسه ويقوم بالمستحيل في هذا المضمار، يرتكب خطأ في إلزام النفس بالجد طول الوقت ويتم حرمان النفس من قسط من الراحة خلال يومه وليلته. كما أن تنويع الأنشطة وعدم التركيز على بعضها، وتغيير المكان هذا من شأنه أن يدفع السآمة ويقاوم “الروتين” ويمنح للنفس متنفسا وهامشا من الراحة المعنوية، وقد قال الشافعي رحمه الله في ذلك:

تغرب عن الأوطان في طلب العلى          وسافر ففي الأسفار خمس فوائد   

تفرج هم واكتساب معيشـــــــــــة               وعلم وآداب وصحبة ماجـــــــــد

ثم إن الماء الراكد هو الذي يتعرض للفساد والعفونة ويصبح مأوى للفطريات والبكتيريا، أما الماء العذب السلسبيل فطاهر ومستساغ، ولذلك فتغيير الحال مكانا وزمانا كفيل بإسعاف النفس ومعالجة همومها وتضميد جراحها.

والعمدة في هذا الأمر تنظيم الوقت وتوزيع مناشط اليوم على مختلف الأعمال، وذلك بوضع برنامج يشتمل على المطالعة الحرة والمطالعة المرتبطة بالمقرر الدراسي الخاص بالسنة الدراسية الموالية ودعم المواد التي قد يكون الطالب فيها ضعيفا ويحتاج إلى تقوية، وقد ينفتح الطالب على مراكز تعليم اللغات أو التدريب على إحدى المهارات التي تنفع في الحياة، وممارسة الرياضة والانخراط في الجمعيات للاستفادة من أنشطتها وخصوصا المخيمات والتسجيل في المكتبات الخ…

وما أعظم أن تكون هذه المبادرات نابعة من قناعة شخصية واعتقاد راسخ في ضرورة استغلال الوقت وعدم تضييعه في التفاهات، فإنما الأعمار أيام وليالي ودقائق وثواني فإذا ذهبت ذهب جزء من العمر، وإلا فإن تدخل الأسرة قصد التوجيه والنصح والإرشاد حتمي وضروري. وقد يصبح الطالب أستاذا لإخوته فيقوي ضعيفهم ويشحذ عزيمة متهاونهم.  

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى