“لننجح بشرف” .. شعار حملة ضد الغش في المؤسسات العمومية
نظم قسم الشباب ل”حركة التوحيد والإصلاح” الحملة الوطنية لدعم النجاح الدراسي ومناهضة الغش في نسختها الثالثة، تحت شعار” لننجح بشرف”. وتأتي هذه الحملة، حسب مديرتها خديجة رابعة ، امتدادا لسابقاتها، وتروم من جهة إعادة الاعتبار لقيم الجد والاجتهاد كوسائل ثابتة لتحصيل النجاح والتفوق الدراسي.
ومن جهة أخرى إعادة التميز للمدرسة المغربية، ولمصداقية شواهدها، خاصة بعد استشراء ظاهرة الغش. وتتوخى حملة “لننجح بشرف”، حسب رابعة، جعل قضية النجاح الدراسي ومناهضة الغش قضية مجتمعية ينخرط فيها كل الفاعلين، بدءا بالتلميذ والطالب فالأستاذ وصولا إلى الجهات المسؤولة، وفي مقدمتها الوزارات الوصية على التربية والتعليم. ناهيك عن المجتمع المدني الذي له دور كبير في خلق الوعي داخل المجتمع بضرورة الإسهام في مناهضة الغش وبناء قيم النجاح عند التلميذ.
ويساهم في هذه الحملة التي تتعدد واجهاتها وآلياتها، عدد من الكتاب والباحثين. من صفات المتوفقين والناجحين لا شك أن النجاح والتفوق مطلبان حضاريان وشرعيان وواقعيان، يصبو إليهما كل من عَلَتْ همتُه وترفعت عن الدَنَايَا اهتماماته، وتعلقت بالثريا آماله وأحلامه.. فعلى قدر الهمة يكون النجاح والتفوق في جميع مناحي الحياة الفردية والجماعية..
فالزوج لا ينجح في علاقته الزوجية دون تخطيط واجتهاد واختيار من أول مشروعه الأسري إلى أن يصبح أبا، والتاجر لا يكون حجة في مجاله إلا بالصبر والأناة والتفكير المستمر، والسياسي البارع لا يكون مرموقا في شؤونه السياسية والتدبيرية إلا باستفراغه الوسع في كسب الثقة الحقة والصبر على ذلك، والطالب والتلميذ لا يكون ناجحا ومتألقا في تخصصه إلا بالاجتهاد والسهر ومزاحمة الطلبة في مجالس العلم، والنظر في الكتب ومعاشرة المكتبات والمختبرات ..
فبهذا كله وغيره يحصل النجاح والتفوق في الحياة. وحديثي سيكون إلى طلبة العلم وتلامذة المعرفة بشتى تخصصاتهم وتنوع مجالاتهم، سيكون حديثي إليكم في بيان بعض من صفات وعادات المتفوقين، ممن تبوؤوا منازل التفوق والنجاح فتدرجوا في مدارج التألق بتميزهم المعرفي ورشدهم المنهجي، وبنائهم ذواتهم الفكرية والعلمية على أساس متين من الاجتهاد وتجنب موانعه من الغش وغيره من الآفات الذميمة: فمن هذه العادات الحميدة أيها المتفوق الناجح في طلبك للعلم:
– التدرج والتؤدة في أخذ المعرفة:
وذلك لأن من رام أخذ العلم جملة تركه جملة، ولم ينتفع بشيء البتة، يقول الإمام الماوردي (المتوفى: 450هـ) “وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْعُلُومِ أَوَائِلَ تُؤَدِّي إلَى أَوَاخِرِهَا، وَمَدَاخِلَ تُفْضِي إلَى حَقَائِقِهَا. فَلْيَبْتَدِئْ طَالِبُ الْعِلْمِ بِأَوَائِلِهَا لِيَنْتَهِيَ إلَى أَوَاخِرِهَا، وَبِمَدَاخِلِهَا لِتُفْضِيَ إلَى حَقَائِقِهَا. وَلَا يَطْلُبُ الْآخِرَ قَبْلَ الْأَوَّلِ، وَلَا الْحَقِيقَةَ قَبْلَ الْمَدْخَلِ. فَلَا يُدْرِكُ الْآخِرَ وَلَا يَعْرِفُ الْحَقِيقَةَ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ عَلَى غَيْرِ أُسٍّ لَا يُبْنَى، وَالثَّمَرُ مِنْ غَيْرِ غَرْسٍ لَا يُجْنَى”، فلذلك كانت عادة أسلافنا من العلماء وطلاب العلم يتدرجون في أخذه والتحقق به، حتى يصير لهم وصفا وحقيقة، وهذا عام في جميع التخصصات والشعب والمجالات.
– الصبر على التعلم والتذلل للمعلمين:
فن عرف ما قصد هان عليه ما وجد، ولا يتمارى اثنان في عظم فضل العلم والمعرفة، فالبعلم كلف الباري المكلفين، وبالعلم تفاضل الناس في مجالسهم وكتاباتهم ومحاضراتهم، ومِنْ فرط عِظَمِ فضل العلم أن يدعيه كل الناس حتى من لم يتدرج في منازله، ولم يَألُ جهدا في تعلمه، لذلك حين تَعْرِفُ أيها المتفوق هذا الفضل العظيم، فلا يضرك ما تجده في سبيل طلبه من المشاق والعنت، ولا يثنيك عنه قسوة أستاذ أو برد شتاء أو حر صيف، ألا ترى أن سيدنا موسى ـ عليه السلام ـ وهو كليم الله وأحد أُولِي العزم من رسل الله إلى الناس، لم يجد غضاضة أن يكون متبعا للخضر متعلما منه مما أفاء الله عليه من العلوم اللدنية، فقال “هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا؟” يقول الإمام ابن العربي المعافري في التعليق على هذه الآية ” وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُتَعَلِّمَ تَبَعٌ لِلْعَالِمِ، وَلَوْ تَفَاوَتَتْ الْمَرَاتِبُ”، لذلك يقول الإمام الماوردي ـ رحمه الله ـ: اعْلَمْ أَنَّ لِلْمُتَعَلِّمِ تَمَلُّقًا وَتَذَلُّلًا فَإِنْ اسْتَعْمَلَهُمَا غَنِمَ، وَإِنْ تَرَكَهُمَا حُرِمَ؛ لِأَنَّ التَّمَلُّقَ لِلْعَالِمِ يُظْهِرُ مَكْنُونَ عَمَلِهِ، وَالتَّذَلُّلَ لَهُ سَبَبٌ لِإِدَامَةِ صَبْرِهِ. وَبِإِظْهَارِ مَكْنُونِهِ تَكُونُ الْفَائِدَةُ وَبِاسْتِدَامَةِ صَبْرِهِ يَكُونُ الْإِكْثَارُ. وَقَدْ رَوَى مُعَاذٌ عَنْ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُؤْمِنِ الْمَلَقُ إلَّا فِي طَلَبِ الْعِلْمِ ». وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: ذَلَلْتُ طَالِبًا فَعَزَزْت مَطْلُوبًا. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ لَمْ يَحْتَمِلْ ذُلَّ التَّعَلُّمِ سَاعَةً بَقِيَ فِي ذُلِّ الْجَهْلِ أَبَدًا. وَقَالَ بَعْضُ حُكَمَاءِ الْفُرْسِ؛ إذَا قَعَدْت، وَأَنْتَ صَغِيرٌ حَيْثُ تُحِبُّ قَعَدْت، وَأَنْتَ كَبِيرٌ حَيْثُ لَا تُحِبُّ.
– التقوى وترك ما حرم الله استعانة على التعلم وتقوية للذاكرة:
فالتقوى حقيقتها أن يجعل الطالب بينه وبين محارم الله حجابا يقيه الوقوع فيها، يقول المولى عز وجل “يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ..” فالآية تضمنت شرطا وجزاء، فالشرط “التقوى” والجزاء “الفرقان”، يقول ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في تفسير الآية: “{يِا أَيُّهَا الَّذين آمنُوا إَن تَتَّقُواْ الله} فِيمَا أَمركُم ونهاكم {يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً} نصْرَة وَنَجَاة”، فالنصرة ههنا عامة في النجاح والتفوق والتميز في طلب العلم وغيره، والنجاة كذلك تشمل النجاة من الضعف والرسوب والكسل والفشل الدراسي وغيره..
وقد أنشد الشافعي في هذا المعنى قوله: شكوت إلى وكيع سوء حفظي /// فأرشدني إلى ترك المعاصي وأنبأني بأن العلم نـــــــــــــور /// ونور الله لا يهدى لعاصــــي. – الدعاء الصادق والارتباط التعبدي بالله تعالى: فلا شك أن كثيرا من المعارف والعلوم قد يكون منها جفاء وصعوبة في حل مشكلاتها وفتح مستغلقاتها، وقد يجتهد في ذلك الطالب فلا يجد إليها سبيلا، فإن هو استعان في فهمها بالله دعاء له وافتقارا إليه، حُلت له وتفهمها بفضل دعائه ورجائه في الله، لذلك يقول الله تعالى ” أمن يجيب المضطر إذا دعاه ..”، ويقول سبحانه “أدعوني أستجب لكم”، والآيات في هذا كثيرة تفيد في مجموعها وعمومها ما تقدم.
فلا شك إذن أن من رام التفوق لابد أن يأخذ بالأسباب ويتصف بصفات المتفوقين التي ذكرت وغيرها كثيرا، غير أن القصد منها الإشارة والتنبيه لا الإحاطة والاستقراء والله الموفق للصواب والنجاح والتفوق والسدتاد .. وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
المصدر: حريدة التجديد