التوبة إلى الله

بسم الله الرحمان الرحيم

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله أل بيته الطيبين الطاهرين وعلى تابعيهم وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

معشر الأخوات والإخوة السلام عليكم

ونحن على أعتاب شهر مبارك فاضل من أعظم الشهور وأحبها إلى الله تعالى شهر رمضان الأبرك خير ما يتحدث فيه المرء مع نفسه ومع من له الحق عليه حديث التوبة إلى الله عز وجل، فالمسلم دائم الوعي بخطاياه وينتظر الفرص ليتطهر منها ويتوب منها لله عز وجل ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه مسلم في كتاب المساجد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال “كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا كبر في الصلاة سكت هنيهة قبل أن يقرأ فقلت يا رسول الله بابي أنت وأمي أرايت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الابيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد”، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الدنيا والآخرة لا تفتح أبواب الجنة إلا على يديه، إمام الأنبياء والمرسلين يفتتح صلاته بهذا الدعاء الذي كله خوف وجل من أن تلاحقه خطاياه يوم الوقوف بين يدي الله عز وجل.

ورمضان يسمى الشهر المطهر لما يحمله من هدايا ووعود أخرجها كلها البخاري في صحيحه عن أبي هريرة في كتاب رمضان “من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه”، و”من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقد م من ذنبه”، و”من يقوم ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقد م من ذنبه”، فهو شهر المغفرة والتوبة بامتياز، وأحسن ما يتقدم به العاقل هذا الشهر التوبة النصوح التي قال فيها الله تعالى :”يا أيها الذين أمنوا توبوا لله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار”.

والتوبة للتذكير فقط، فيما بين العبد وربه لها شروط أذكر بها :

أولها الإقلاع عن الذنب وهو شرط أساسي للتوبة النصوح فالذي يرجع إلى الله وهو مقيم على الذنب هذا مستهزء لا يعد تائبا،

ثانيها الندم، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيمة الندم فقال كما اخرج ابن ماجة في سننه عن ابن مسعود “الندم توبة”، فمجرد الندم على الفعل هو توبة إلى الله عز وجل،

وثالثها العزم، ومعناه الإصرار على عدم العود إلى الذنب ثانية، فالعزم في اللغة عقد القلب على إمضاء الفعل، قال عز وجل “ولقد عهدنا إلى ادم من قبل فنسي ولم نجد له عزما”، أي لم نجد له عزيمة يحترز بها من وساوس ابليس

ورابعها شرط فريد للتوبة هو فيما بين العبد وأخيه، وهو رد المظالم إلى أهلها فان كانت المظالم مادية كاغتصاب المال فالتوبة له حتى يرجعها إلى أصحابها إن كانت موجودة أو يتحلل منه، وإن كانت المظالم غير مادية كغيبة أو سب أو قذف أو ضرب أو أي نوع من أنواع الاعتداءات فيجب على التائب أن يطلب الصفح والعفو من المظلوم، وأن يعمل على إرضاءه وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري في صحيحه في الرقاق يقول “من كانت له مظلمة عند أخيه فليتحلله منها فإنه لبس ثم دينار أو درهم من قبل أن يأخذ لأخيه من حسناته فإن لم يكن له حسنة أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه”، وذلك بطبيعة الحال قبل الغرغرة، قال تعالى :”إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب أولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك اعتدنا لهم عذابا أليما”، وإلى هذا يشير الحديث الذي رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم :”إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر”، والحديث أخرجه الترمذي في سننه في الدعوات عن ابن عمر، وتكون التوبة أيضا قبل طلوع الشمس من مغربها قال تعالى “يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل”، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت ورآها الناس امنوا اجمعون فذلك حين لا ينفع نفس إيمانها لم تكن أمنت من قبل وكسبت في إيمانها خيرا”، وقال صلى الله عليه وسلم “إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها” والحديث في صحيح مسلم.

ويتكرر سؤال دائما في هذا الباب وهو إذا تاب العبد ثم عاد بعد ذلك إلى فعله، أخرج مسلم في صحيحه في التوبة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه عز وجل قال “أذنب عبدي ذنبا فقال اللهم اغفر لي ذنبي فقال تبارك تعالى أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب ثم عاد فأذنب فقال أي رب اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب اعمل ما شئت فقد غفرت له لأنه عبد تواب ما أن يفعل فعلة حتى يتوب إلى الله عز وجل ويؤوب إليه.

فلنبادر إخواني أخواتي جميعا إلى التوبة النصوح قبل فوات الأوان قال تعالى “وأنيبوا إلى ربكم واسلموا له من قبل أن ياتيكم العذاب ثم لا تنصرون”، إذا لم تضمنا لوائح المعتوقين في رمضان كنا لا شك من الخاسرين، عن أبي هريرة رضي الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتقى المنبر فقال امين امين امين فقيل له يا رسول الله ما كنت تصنع هذا؟ فقال صلى الله عليه وسلم قال لي جبريل عليه السلام”رغم أنف عبد دخل عليه رمضان فلم يغفر له فقلت امين”، ولنحاسب أنفسنا ونحن على أعتاب رمضان كل واحد منا يعرف نفسه وعيوبه وذنوبه وعاداته السيئة فليحصها وليحرص على التخلص منها قبل رمضان، ويجعل من رمضان مدرسة للصبر عليها، والمؤمن هو الذي يستعظم ذنوبه مهما صغرت كما في حديث ابن مسعود قال “إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه في أصل جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على انفه فقام به هكذا فطار”، وأملنا في الله كبير أن يتداركنا برحمته وعفوه قال تعالى :”يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم”، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ثم جاء قوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم” صحيح مسلم، والشواهد على هذا في كتاب الله كثيرة، قال تعالى :”ومن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم”، وقال عز وجل :”إلا من تاب وامن وعمل عملا صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا”، وقال عز وجل :”وإني لغفار لمن امن وتاب وعمل صالحا ثم اهتدى”، وقال تعالى “إلا من آمن وتاب وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما”، والله سبحانه يفرح بالتائب أشد من فرحة التائب بتوبته، عن عبد الله ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “لله افرح بتوبة عبده من رجل نزل منزلة وبه مهلكة ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه فوضع رأسه فنام نومة فاستيقظ وقد ذهبت راحلته حتى اشتد عليه الحر والعطش أو ما شاء الله فقال أرجع إلى مكاني فرجع فنام نومة ثم رفع رأسه فإذا راحلته عنده”، بهذا مثل لنا رسول الله فرحة الله تعالى برجوع عبده وتوبته إليه.

أسأل الله تعالى أن يعيننا على أنفسنا حتى نقهرها على التوبة إلى الله عز وجل على أعتاب هذا الشهر المبارك لعلنا نكون فيه بإذن الله من المعتوقين من النار ونكون فيه من الفائزين.

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

أوس الرمال / سلسلة تبصرة

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى