الدكتور الموس يكتب عن آفاق تفعيل رسالة المسجد

أصدرت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تقريرا حول منجزات عدة قطاعات كالشؤون الإسلامية، المساجد، القيميين الدينيين، محو الأمية… وهي سنة حميدة يتم فيها إطلاع الرأي العام حول ما حققته الوزارة من منجزات وما لم يتحقق مما كان مبرمجا، كما أنه يفيد المشتغلين بالشأن الديني عموما من حيث تقييم المنجزات وتقديم بعض مقترحات التطوير من باب النصح الواجب بين أفراد الأمة ومؤسساتها. وإسهاما منا في الارتقاء بما هو حاصل، ولفت النظر لما هو مفقود أو قليل الأثر نقف بعض الوقفات مع هذا التقرير فنقول:

الوقفة الأولى  المساجد ومواكبة تفعيلها:

       أظهر  التقرير استمرار الوزارة في سياسة بناء مساجد جديدة على صعيد المملكة، وترميم من يحتاج منها إلى ترميم وإصلاح، وكذلك  القيام بحملات موسمية منتظمة  لنظافتها، يتم فيها توفير المواد والطاقات اللازمة. وفي هذا الإطار عكس التقرير حرص الوزارة على إشراك المحسنين والفاعلين في هذه العملية، حيث يُتوج النشاط السنوي، بيوم المساجد، وهو حفل يقام وطنيا وإقليميا يتم فيه  تكريم بعض الفاعلين في هذا الشأن.  وقد قطعت الوزارة أشواطا حسنة في تنفيذ مشروع رؤية المساجد 2017-2021 ، كما ساهمت في إعادة ترميم بعض المساجد التي تعتبر من المعالم التاريخية في وطننا.

وإذا كان ما تم إنجازه يُحمد للوزارة، فإن مما يحتاج إلى عناية ومواكبة مستمرة هو حرص الوزارة على إتمام وتوسيع المشاريع المرتبطة بالمساجد، وكذلك تفعيل رسالتها، والعمل على حسن أدائها للدور الديني والتربوي الذي لأجله يُحبس المحسنون أموالهم.

إن المسجد أعظم المؤسسات التربوية إسهاما في الغداء الروحي والتعليمي لأبناء هذا الوطن، وإذا كانت الوزارة مشكورة قد تفاعلت مع تحسن الوضعية الوبائية في بلدنا، فأعادت الفتح التدريجي للمساجد ولأداء صلاة الجمعة، إلا أن بعض مجالات رسالة المسجد لاتزال معطلة، أو لم يلتفت إليها، مع أن المؤشرات تدعو للتعجيل في إمكانية إعادة انطلاقتها وفق شروط وضوابط معينة، ومن ذلك نطرح المسائل التالية:

  • إتمام الفتح التدريجي الذي أعلنت عنه الوزارة، فهناك مساجد لازالت لم تفتح بعد، خاصة تلك الصغيرة أو التي لم يتم بعد الانتهاء من بنائها إلا أنها كانت مفتوحة قبل الجائحة ثم أغلقت مع بدايتها ولم يُعد فتحها بعد، إضافة إلى بعض مساجد المحلات التجارية وباحات الاستراحة، والتي تعين المسلم على أداء صلاته في وقتها بحسب ظروف اشتغاله أو تنقله.
  • تيسير تداول المصاحف داخل المساجد، فقد صاحب بداية الجائحة جمع مصاحف المساجد، وإغلاق خزاناتها ومنع تداولها حرصا على سلامة المصلين من العدوى التي تنتشر عن طريق اللمس. وقد كان لتحسن الوضعية الوبائية، ولارتفاع حالات التطعيم بالجرعة الثانية أثر في استهانة الناس بلمس الأوراق النقدية والمجلات والكتب، كما قررت وزارة الثقافة  استئناف المكتبة الوطنية لرسالتها، وتمكين الرواد من الاطلاع على كتبها وتداولها، ونرى أن الأمر ينبغي أن ينسحب من باب الأولى على المصاحف وكتب العلم الشرعي، وأنه قد حان أوان تيسير تداولها في المساجد و وتوسيع إطلاق سنة  قراءة الحزب الراتب بعد صلاتي الصبح والمغرب وتمكين المصلين من الانتفاع ببركاتها. وجدير بالذكر  أن تقرير مؤسسة المصحف الشريف يشير إلى أنه تم توزيع  500000 نسخة من المصحف المحمدي على المساجد  وهي تنتظر أن توضع رهن إشارة المصلين ليصل ثواب وقفها  لأهله وفي مقدمتهم أمير المؤمنين حفظه الله.
  • إعادة انطلاقة دروس الوعظ والإرشاد ومحو الأمية بالمساجد كما تقام خطبة الجمعة، وجدير بالذكر أن مدة دروس الوعظ لا تتجاوز نصف ساعة، وهي تقام في الغالب قبل الصلاة بوقت يسير، والتباعد متيسر في أغلب المساجد، لأنه لا يكون مكتظا في فترات إلقائها على خلاف صلاة الجمعة. ومن ثم فالمأمول أن تعطى لها الانطلاقة في صفوف الرجال والنساء، وأن تُمكن  الواعظات والمرشدات من القيام بدورهن في التأطير التربوي والروحي للنساء، وخلق أجواء البركة والدعاء للنفس وللوطن.
  • إعادة فتح المرافق الصحية قصد تمكين المصلين من الوضوء والطهارة وأداء صلاة الجماعة في وقتها . فلطالما نوه القائمون على الشأن الديني بدور المساجد في توفير مكان للطهارة والوضوء عبر تاريخ المغرب، ومن ذلك تنويه السيد وزير الأوقاف في حفل اليوم الوطني للمساجد سنة 2019 بما تقوم به المرافق الصحية من خدمة للمواطنين، وتذكيره بأن المسجد كان معلمة الحي أو الدوار بمرافقه الصحية التي يستعملها الناس وخاصة عابرو السبيل.

        إن الابقاء على إغلاق المرافق الصحية التابعة للمساجد حرم فئات كثيرة من صلاة الجماعة خاصة العمال والصناع المجاورين للمساجد، وإن حجة فتح مرافق المطاعم والمتنزهات للناس هي نفسها قائمة بالنسبة لمرافق المسجد التي لا تؤدي دورا فقط بالنسبة للوضوء والصلاة،  وإنما توفر فضاء صحي لكثير من العمال والحرفيين الذين يعملون بجوار المسجد  لكن سكنهم بعيد عنه، ولذلك نأمل أن تُعجل الأوقاف بفتحها وتهيئتها.

وإن مما ينبغي الحرص عليه حفظا لسلامة المصلين ومستعملي المرافق الصحية أن يقوم الأئمة باستمرار بالتذكير بآداب المسجد، وبضرورة الالتزام بأحكام الطهارة والنظافة، ويمكن وضع بعض المُلصقات تذكر بما يجب على مستعمليها مراعاته، وقد حاضر أحد أعضاء المجالس العلمية في الموضوع بعنوان جميل: “تفقيه السَّاجد بأجلِّ آداب المساجد” يمكن الاستئنا س بما جاء فيها ونشر مضامينها.

  • التعجيل بترميم المساجد الآيلة للسقوط والتي تم إغلاقها احتياطا. وإذا كانت ميزانية الوزارة لا تسمح بتغطية مصاريف بناء المساجد الجديدة ، ولا ترميم كل ما أغلق منها فإن الحاجة ماسة إلى إشراك المحسنين وكافة الفعاليات ذات في الانخراط في هذا الورش.( معطيات تقرير الوزارة تشير إلى أن عدد المساجد التي تم تشييدها من طرف المحسنين بلغ (93 مسجد) فقط ). إن فئات كثيرة من أغنياء المسلمين تحرص على الصدقات الجارية المرتبطة خاصة ببناء المساجد ودور العلم ومرافقها،  يحدوها إلى ذلك ما رواه ابن ماجه  عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ، أوْ أَصْغَرَ، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ)[1].   ونرى أن الأمر  يحتاج فقط إلى حملات توعوية تقوم بها الوزارة والمندوبيات ويتم إشراك خطباء المساجد قصد الترغيب في هذا العمل الجليل، مع التذكير بالخصوص على أن أجر  تزويد المساجد بالأفرشة والزرابي  ولوازم الصوتيات، وكذلك الترميم لما أغلق من المساجد، لايقل أجرا عن بناء الجديد منها .

وأخيرا: فإن المغرب كما يقال هبة القرويين، أي أنه بفضل جامع القرويين ورسالة القرويين عرف المغرب وذاع صيته، وسنستقبل بعد شهور معدودة مرور اثني عشرة قرنا على تأسيس هذه المعلمة، ولعلها تكون فرصة لمزيد من النظر في تأهيل المساجد وتمكينها من أداء دورها التربوي والعلمي والاجتماعي.

وبالله التوفيق.

الدكتور الحسين الموس

[1]   القطا طائر معروف ، ومَفْحص القطاة : موضعها الذي تبيض فيه، قال أهل العلم : وهذا مذكور للمبالغة ، أي ولو كان المسجد بالغا في الصغر إلى هذا الحد .

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى