شلفوات يدعو للمزيد من الرقابة على برامج الإعلام العمومي خاصة الموجهة منها للجمهور الناشئ

يواجه الإعلام العمومي بالمغرب عددا من التحديات خاصة مع التطور الرقمي الذي شهده العالم، مما فرض عليه التفكير بمنطق التنافسية.
وينتقد عدد من المتخصصين والمتابعين محتوى البرامج المقدمة في ظل المعطيات الجديدة المرتبطة بالتحدي الرقمي خاصة فيما يتعلق بالبرامج الموجهة للأطفال والتي سقطت في عدد منها في التنميط.
واستعرض المتخصص في مجال السياسة الإعلامية؛ عبد الرحيم شلفوات، المتخصص في مجال السياسة الإعلامية، في جزء أول من هذا الموضوع؛ نشر سابقا بموقع “الإصلاح، أبرز هذه التحديات ومدى قابلية القنوات العمومية للتفكير بمنطق التنافسية وسقوط البرامج الموجهة للأطفال في مستوى عال من النمطية، بالإضافة إلى أن المحتوى المقدم لا يشجع على الذكاء المتعدد المعتمد في بيداغوجية تعليم الناشئة ودعوته إلى استهداف الصغار باللغة التي يفهمونها كصغار.
وفي هذا الجزء الثاني في حديثه لموقع “الإصلاح”، يطرح شلفوات عددا من الحلول من أجل الخروج من بوثقة التنميط والتمهيد لسبل أرحب لخوض تجربة التنافسية مع التطور السريع للعالم الرقمي والأدوار المرتقبة للفاعلين سواء في الشق التشريعي أو الإداري أو الرقابي أو المؤسساتي.

الأولى أن تتوجه أموال الضرائب إلى مجالات كثيرة يحتاجها الناس، إن كان الإعلام العمومي سيستمر في نمطيته الهدامة

ويرى شلفوات أن الناس عندما توفرت لديهم إمكانات أخرى فإنهم بكل بساطة عزفوا عن الاعلام العمومي ومن ثم فإن الاعلام العمومي شجع الناس على أن يعزفوا عنه في ظل توفر حلول كثيرة.

ويذهب شلفوات إلى كون الإعلام العمومي إن كان يريد من المواطنين الذين يؤدون ثمنهم كضرائب بشكل مباشر أو غير مباشر لتمويله من الصناديق العمومية، وان كان الاعلام العمومي سيستمر وسيساهم في نمطيته الهدامة، كان أولى أن تتوجه تلك الأموال إلى مجالات كثيرة يحتاجها الناس في المجال الصحي والتعليمي والثقافي وغيرها من المجالات..

وينبه الباحث في الإشهار والتواصل لاستمرار وجود قبول كثير من الناس من خلال ممثليهم في البرلمان والحكومة وفي مختلف المسؤوليات الرسمية المعنية بمجال الإعلام العمومي وتمويله، خصوصا مع التراجع المهول للإشهار بسبب تحول الإشهار الى الفضاء الرقمي، بحيث أن التمويل المطلوب في ارتفاع وليس في انخفاض بسبب تراجع عائدات الاشهار.

دعوة إلى مزيد من الرقابة وتقديم برامج بناءة وتشجيع الذكاءات البانية للأطفال

ويدعو شلفوات في هذه الحالة إلى التعامل بحزم أكبر مع المشرفين على الإعلام العمومي من خلال إعمال الرقابة اللازمة أكبر مما هي عليه اليوم، وأن يكون هناك التزام بقضايا الوطن أكبر مما عليه اليوم، خاصة في البرامج الموجهة للجمهور الناشئ.
ويبرز شلفوات في هذا الصدد الحاجة إلى برامج بناءة بحيث ممكن تكون ترفيهية لكن تكون في نفس الوقت تبني الشخصية والفكر وتشجع على التفوق العلمي والرياضياتي والرياضي الجسدي بمنطق البناء وليس بمنطق الترديد والرقص على الأغاني. مضيفا إلى أن هناك حاجة أيضا لتشجيع مختلف الذكاءات البانية التي تصنع التفوق في مجتمعات أخرى، والتي تصنع التفوق في عدد من المجتمعات المتقدمة.

ويضرب شلفوات المثل لذلك بنموذج الاعلام الموجه للناشئة في عدد من الدول حيث أن المسؤولين يتحملون مسؤوليتهم الكاملة ولا يتركون اللائمة فقط على الإعلام بشكل مباشر وكأنه مستقل مائة بالمائة أو يلقون اللائمة فقط على المتلقي.

ويوضح خريج معهد أننبورغ أوكسفورد للسياسة الإعلامية أن المتلقي إن لم يجد حاجته في الإعلام العمومي يتوجه بشكل تلقائي الى الفضاء الرقمي غير المضبوط وهذا جزء منه يتحمل مسؤوليته الإعلام العمومي.

تحديد المسؤوليات ومستويات الرقابة على محتوى برامج الإعلام العمومي

وفي هذا السياق، يطرح شلفوات الحاجة إلى مستوى أعلى من الرقابة الذاتية في الإعلام من خلال الرقابة على المسؤولين المعنيين وأول من يجب التوجه إليهم هم مسؤولو الإعلام أي مسؤولي الشركات الإعلامية وتنفيذ الانتاج والمكلفون باقتناء البرامج والهيئات الداخلية للمنابر الإعلامية للقنوات التلفزية، بحيث هناك هيئات مكلفة باقتناء البرامج وبطلبات عروض تنفيذ الإنتاج المحلي.
ويرى شلفوات أن هذه القنوات تحتاج أولا إلى أن نشجعها وأن نتعامل معها بمنطق الرقابة الذاتية وأن يكون حسها الوطني مرتفع عما هو موجود اليوم وكذلك حس التوجه إلى الفئات الناشئة بمواد تبني الفكر والإحساس والجسم السليمين وتبني الفكر النقدي.
وتأسف الباحث بالمركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة من تغييب الفكر النقدي في الإعلام العمومي يشجع على النقد والنقاش الحر وعلى تبادل الآراء والأفكار والقراءة والإطلاع، ويشجع على العلوم والاستكشاف واستشراف المستقبل، “لعل هذه البرامج تعيد الشباب إلى رهانات ومجتمع المستقبل وواقعه وتحدياته وفرصه” يضيف المتحدث.

دور هيئات الحكامة والمؤسسات الدستورية وباقي الفاعلين في الرقابة على الإعلام العمومي والنهوض به

ويستنبط شلفوات من ذلك ضرورة إعمال رقابة قانونية في غياب الرقابة الذاتية تقوم بها الهاكا ولجان الأخلاقيات داخل القنوات التلفزيونية العمومية، وهيئات أخرى تقوم بالتقنين المشترك مثل البرلمان ولجان التعليم والإعلام والثقافة في غرفتيه،  بالاضافة للمجلس الأعلى للحسابات ووزارة التربية الوطنية ووزارة الشباب والثقافة والمجلس الاعلى للتربية والتكوين ومجلس المنافسة. وغيرهم من الهيئات، لأن كل هذه الهيئات وغيرها تصدر تقارير ومن خلال تقاريرها ممكن استحضار محتوى برامج الناشئة. 
واستحضر شلفوات في هذا السياق تقريرا أصدره مجلس المنافسة في 2013 حول مدى وجود المنافسة داخل الإعلام، وخلص التقرير بأنه ليس هناك منافسة، داعيا المجلس إلى إمكانية رجوعه لإصدار تقرير عن مستويات المنافسة وتنافسية المواد الموجهة للجمهور الناشئ في الإعلام العمومي ومختلف هيئات الحكامة.

المضمون الإعلامي جزء من التنشئة الاجتماعية والجمهور الناشئ كما ننشئهم سيكونون في المستقبل

ويرهن مسؤول قسم الإعلام المركزي لحركة التوحيد والإصلاح وجود التقييم الخارجي لمحتوى الإعلام العمومي بتوفر الإمكانات ووجود وازع داخلي للتقييم الذاتي، بحيث هناك في المغرب عدد من الهيئات يمكنها أن تقوم بذلك بالإضافة للدور الكبير للمجتمع المدني سواء المتخصص منه في الإعلام من خلال جمعيات مهتمة ومشتغلة على حقوق المشاهد كمستهلك أو بعض جمعيات المجتمع المدني بشكل عام يمكنهم إما أن يصدروا تقارير أو يطرحوا نقاشات أو عبر مراسلات للهاكا من أجل تجويد المواد الموجهة للجمهور الناشئ.

ويؤكد شلفوات أن التركيز على الجمهور الناشئ ينطلق من مسألة مفصلية ومحورية وهي أن الجمهور الناشئ اليوم هم رجال ونساء المستقبل وبالتالي عدد من الإشكالات والتحديات التي يعرفها المجتمع اليوم على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي هم من سيساهم في حلها أو تعويصها مستقبلا، والذين نتوجه إليهم بهذا المضمون الإعلامي اليوم كما ننشئهم اليوم فإنهم سيكونون في المستقبل.

وحتى لا يتم تضخيم دور الإعلام وإعطائه دورا أكبر منه، يضيف شلفوات فإن تنشئتهم تتم أيضا داخل مختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية، فالإعلام هو جزء من التنشئة الاجتماعية وعليه أن يبقى في هذه الحدود ويمكن أن يقوم بأدواره إلى جانب الأسرة والمؤسسات الدينية والمدرسة، والمفروض أن يكون بينها تكامل واضح من أجل بناء رجال وشباب الغد الذين هم مسؤولوا الغد.

سؤال المستقبل: مواجهة التحديات واغتنام الفرص والإمكانات

وتسائل الباحث في مجال الإعلام عن كيفية القيام ببناء فكر الناشئة في ظل إعلام عمومي نمطي، مشددا على ضرورة القيام ببناء فكرهم وأحاسيسهم وتشجيعهم على الفكر النقدي وأهمية الوعي والنقاش الحر وحرية الرأي والتعبير، وعلى أهمية تنويع الذكاءات والاهتمام بمجالات أهم من المجال الفني لوحده.

وأفاد شلفوات أن الاضطلاع بدور البناء لن يساهم فقط في حل عدد من مشاكل المجتمع في المستقبل ولكن سوف يمكن المجتمع من القدرة على استثمار فرص المستقبل، ولا شك أن المجتمع المغربي وهو يسير اليوم نحو المستقبل سوف تطرح عليه تحديات جديدة.

ودعا شلفوات إلى تهيئة الناشئة على الاستعداد للتحديات المستقبلية في مقابل اغتنام عدد من الفرص والإمكانات التي ستطرح عليه، ولربما بعضها سوف ينتج عن ظروف الجائحة وتعرض أمام المغرب عدة فرص سياسية واقتصادية واجتماعية.

ويشير عبد الرحيم شلفوات في نهاية حديثه إلى أن المجتمع إن لم يكن مهيئا لهذه التحديات فلا شك أنه سوف يضيعها مع الأسف، والإعداد عملية بنائية وليست مجرد أماني، ولكي نقوم بالبناء لا شك أن للإعلام العمومي أدوار ومسؤوليات المفروض أن يقوم بها.

الإصلاح

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى